تفتتح اليوم في احتفال كبير دُعيت اليه فاعليات عربية ودولية في عالم الاعلام والفن أول مدينة اعلامية من نوعها في العالم العربي، وسط اهتمام كبير بالتغيير الذي يمكن أن تحمله الى المشهد الاعلامي الخليجي وصناعة الإعلام في الشرق الأوسط، في حال تحققت الوعود التي يطلقها القائمون على المشروع. وبقدر ما يؤذن انطلاق العمل في "مدينة دبي للاعلام" بوضع حد للشكوك حول إمكانات تنفيذ الفكرة التي سادت منذ 15 شهراً حينما أعلن ولي عهد دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم انطلاق مشروع منطقة التكنولوجيا، في غرب الامارة، بقدر ما ترتفع اليوم تساؤلات إضافية حول فرص النجاح التي تنتظر هذا المشروع الطموح لاقامة منطقة حرة للاعلام، في وقت لم تتهيأ بعد كل الظروف الاقليمية لتقبل فكرة طموحة على غرار "مدينة دبي للاعلام". وقال ل "الحياة" محمد القرقاوي المدير العام لسلطة منطقة دبي الحرة للتكنولوجيا والتجارة الالكترونية والاعلام الرئيس التنفيذي لمدينة دبي للاعلام: "سبق لنا أن خبرنا مرات عدة في السابق حملات تشكيك تقلل من جدوى مشاريع كثيرة ذات طابع لافت. وفي كل مرة كنا نمضي قدماً ونكون على قدر التحدي الذي نضعه لأنفسنا. ومدينة دبي للاعلام تندرج في إطار الانجازات التي نعتز بها وستتطور كما غيرها من الأفكار الأخرى التي صارت اليوم معلماً من حياة دبي ودولة الامارات ومنطقة الخليج". وسبق للسيد القرقاوي أن عايش تجربة مماثلة مع انطلاق مشروع مهرجان دبي السنوي للتسوق الذي تولى منصب المنسّق العام فيه نحو خمسة أعوام. وقال: "مهرجان التسوق كان فكرة أحاطها الكثير من التشكيك في البداية إذ كيف يعقل أن يقوم مهرجان للتسوق في امارة خليجية. وهذه الفكرة كبرت لتصبح جزءاً من حياة العالم العربي ككل. ونأمل أن تكون المدينة الاعلامية نموذجاً آخر يحتذى في عالمنا العربي الذي بدأ يسير نحو الانفتاح وتنتشر فيه مشاريع المدن الاعلامية". وبعيداً عن مشاعر التفاؤل فإن "مدينة دبي للاعلام" كسبت الجولة الأولى من رهانها على استقطاب وسائل اعلام ونشر واعلان وانتاج، إذ أن عدد الهيئات الدولية والمؤسسات التي اتفقت على نقل مقراتها الاقليمية أو افتتاح مكاتب تمثيلية لها في المدينة الاعلامية فاق حالياً 30 هيئة ومؤسسة. وتعتبر "مدينة دبي للاعلام" ثالث المشاريع الأساسية الضخمة التي تضمها المنطقة الحرة للتكنولوجيا المشتملة أيضاً على "مدينة دبي للانترنت" و"واحة دبي للمشاريع"، التي سيتواصل تطويرها حتى سنة 2015. وتُقدر كلفة المدينة الاعلامية بنحو 800 مليون دولار، وهي تقوم فوق مساحة 200 هكتار استخدم منها حتى الآن بعض الهكتارات لبناء ثلاثة مبانٍ ضخمة كل منها من ستة طوابق "استؤجر 90 في المئة من مساحاتها المبنية"، على حد قول القرقاوي. وخُصص أحد هذه المباني، ويقع قريباً من فندق "رويال ميراج"، لمحطة "أم.بي.سي" لتشغله على الارجح، في وقت لا تزال المفاوضات المتعلقة بانتقالها تراوح مكانها، نتيجة تباين وجهات النظر في شأن بعض التفاصيل الاجرائية. وقال القرقاوي: "مساحة المباني الثلاثة 400 ألف قدم مربعة أُنجز آخر عقود استئجارها منذ نحو أسبوعين. والايجار يراوح بين 85 درهماً و110 دراهم للقدم المربعة الواحدة. والاستثمار متاح بعقود إيجار تمتد 50 عاماً". وعلمت "الحياة" أن أسعار الايجار المقترحة على بعض المؤسسات التي قُدمت لها مزايا مالية وتشجيعية، كانت أدنى من السعر الرسمي المتداول. وتستفيد "مدينة دبي للاعلام" التي تبعد 20 كلم من وسط مدينة دبي، من وقوعها على الساحل الغربي للامارة الذي يشهد قيام مجموعة من أهم المشاريع العمرانية الحديثة في منطقة الخليج. وهي قريبة أيضاً من "نادي الامارات للغولف" ومشروع "مرسى دبي العملاق" الذي يضم أكثر من 100 ناطحة سحاب، ومن جامعة دبي الأميركية التي اشتراها ولي عهد دبي منذ بعض الوقت. كما أن وقوعها ضمن منطقة التكنولوجيا الحرّة يجعلها تستفيد من قربها من مئات المشاريع التي تضمها "مدينة دبي للانترنت" حتى الآن تم الترخيص ل 125 شركة تشغل أربعة مبانٍ بارتفاع أربعة طوابق مساحتها 400 ألف قدم و"واحة دبي للمشاريع"، اللتين تؤمنان ارتباطاً وثيقاً بشركات تكنولوجيا المعلومات. وسبق لشركة "إعمار" أن تولت إنجاز المباني الثلاثة في فترة قياسية لا تتجاوز ثمانية شهور في ورديات عمل تواصلت ليل نهار. ومن المنتظر أن تتولى "إعمار"، التي تعتبر إحدى أكبر الشركات العقارية في الشرق الأوسط، إكمال أعمال البناء في المدينة الاعلامية كما في بقية المرافق الأساسية لمنطقة التكنولوجيا الحرة. وقال القرقاوي: "عدد الشركات التي تم الترخيص لها في المدينة الاعلامية يصل حالياً إلى 35 شركة. وهي تراوح بين وكالات أنباء عالمية وتلفزيونات إقليمية وقنوات تلفزيونية من الهند". ورفض الكشف عن أسماء أي من هذه الوكالات والشركات التي قال إن "الاتفاق معها نص على أن يُترك لها الاعلان بنفسها عن انتقالها". وتوقع أن "يصل عدد الموظفين في المرحلة الأولى إلى ما بين 1500 و2000 موظف، حسب توزيع المكاتب". ونفى صحة ما تردد في دبي في الشهور الأخيرة من أن المدينة الاعلامية لم تستطع إشغال مبانيها إلا من خلال اجتذاب شركات وهيئات إعلامية كانت تعمل في مدينة دبي نفسها، وفضّلت الانتقال الى المدينة الاعلامية طمعاً منها في الشروط المناسبة للايجار هناك. وقال: "هناك جزء من الشركات كان موجوداً في دبي من قبل، وقرر الانتقال الى منطقة التكنولوجيا الحرة، في حين أن هناك مشاريع أخرى أتت من الخارج للعمل في المشاريع الاعلامية الجيدة التي استقرت في المدينة الاعلامية بالذات". وعلى رغم صعوبة الحصول على معلومات عن هوية الشركات المشتركة، علمت "الحياة" أن "رويترز"، التي تضم في مكاتبها قرابة سبعين كادراً، أنفقت نحو خمسة ملايين دولار على تجهيز مكاتبها الجديدة في المدينة الاعلامية. وقالت إحدى العاملات في المشروع: "إنفاق مبلغ من هذا القبيل لا يعني أن هناك رغبة في تحقيق وفر مادي بحت، بل الأمر دليل على السعى الى تأمين أفضل ظروف إعلامية وتقنية مناسبة للعمل المهني". وقال مدير المدينة الاعلامية السيد سعيد المنتفق ل"الحياة": "بذلنا جهوداً كبيرة لبناء أقسام العمل لدينا، مركزين في الدرجة الأولى على استقطاب الكفاءات الشابة. واستغرق التفاهم مع الشركات الدولية قدراً كبيراً من الوقت. وهناك إمكانات نمو واعدة ولا أكشف سراً إذا قلت إن ثمة طلبات كبيرة نتلقاها من قبل مؤسسات عالمية ودولية وعربية ترغب في فتح مكاتب لها في مدينتنا الاعلامية. وما نشهده اليوم هو مجرد نواة ستكبر في شكل متواصل". ونفى القرقاوي أن تكون هناك نية لتأسيس كلية إعلامية في المستقبل المنظور، على غرار مشروع تأسيس كليات تكنولوجيا المعلومات التي سيجري بناؤها، بالقرب من "مدينة دبي للانترنت"، حسب المخطط العام لمنطقة التكنولوجيا. وقال إن الأساس في مشروع المدينة الاعلامية هو "تحويلها إلى نقطة استقطاب للكفاءات الاعلامية الشابة. ونحن نعد برامج وبنك معلومات في إطار قيامنا بمشروع يساعدنا في الفترة المقبلة على تصنيف الاعلاميين الذين يمكن أن تستفيد منهم المدينة الاعلامية"، مشيراً إلى أن "جامعة دبي الأميركية ستلعب دوراً في تخريج كفاءات إعلامية تحتاجها المدينة الاعلامية وتحديدهم". وكشف أن المرحلة الحالية التي ستُفتتح اليوم لن تكون بمفردها لفترة طويلة. وقال: "سنبدأ المرحلة الثانية في مدى شهرين من الآن، والمرحلة الثالثة سنبدأها في مدى ستة شهور". وأشار إلى أن "القطاع الخاص سيُشارك في المرحلة الثانية وسيقوم مستثمرون بانشاء استوديوهات عدة فيه"، مشيراً إلى أن "المساحة المبنية ستكون في حدود 400 ألف قدم مربعة. وهناك طلبات كثيرة تلقيناها بهذا الخصوص، وأستطيع أن أقول إن هناك مباني كثيرة ستُقام ونتوقع الانتهاء منها في مدى عشرة شهور، أي مع نهاية السنة الجارية". وأضاف: "أما المرحلة الثالثة فستكون أكبر بكثير. وأتصور أنها ستكون في حدود مليون متر مربع، ولعلها تطول قدراً أطول بعض الشيء، لأنها أضخم بكثير وستُقام فيها مبانٍ ضخمة، ونحن الآن في مرحلة التصميم الأولية". ووعد بأن تتواصل عملية التوسع في شكل متواصل وقال: "نقول دائماً نحن سريعون في الانجاز. والسبب أننا لسنا صبورين لا بل مستعجلين في تنفيذ عملنا". ورداً على ما أثير في الآونة الأخيرة من مخاوف عن احتمال خروج الشركات الاعلامية العاملة في المدينة الاعلامية عن المبادىء الدينية والاجتماعية التي تحكم حياة المجتمعات العربية قال: "نحن لا نريد قنوات حزبية أو أخرى مملوكة لدولة من الدول. المدينة الاعلامية ساحة للاعلام الحر والمسؤول، ولا نريد حزباً يناطح حزباً أو دولة، أو دولة تتناحر مع دولة أخرى من خلال قناة ما تعمل في المدينة الاعلامية. ونحن واعون تماماً لهذه المسألة". ويقول العاملون في القطاع الاعلامي إن المدينة الاعلامية الحرة في دبي ستشكل نقلة نوعية مهمة في العالم العربي، وفي الخليج تحديداً، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى تقديم ردود واضحة على عدد من الأسئلة الملحة ومنها: كيف يمكن أن توفق المدينة الاعلامية بين كونها شركة عقارية وأنها في الوقت ذاته مستثمر مباشر في الأنشطة الاعلامية؟ وفي هذه الحال ألن يكون هناك تناقض وتضارب في المصالح بين كونها مستثمراً إعلامياً وبين كونها ملزمة تشجيع المستثمرين الاعلاميين للقدوم والعمل معها؟ ومن الأسئلة الملحة المطروحة أيضاً: كيف سيكون النظام القانوني المعتمد في المنطقة الحرة الذي سيحدد أسلوب التحاكم والتقاضي في المنازعات الناشئة، والذي يُفترض فيه أن يكون أكثر تطوراً مما تتيحه أنظمة التقاضي والتحكيم المعمول بها حالياً في دولة الامارات ومنطقة الخليج؟