يصعب على مدينة لندن نسيان الاسم الرهيب "زيبلين" الذي أطلقته على ليال غاب عنها القمر، إبان الحرب العالمية الأولى، وحضرت فيها المناطيد الألمانية الحربية حاملة القنابل المدمّرة. وأقرب منها إلى العيون المشهد المروع، الذي تعيده تكراراً شاشات أقنية مثل "ديسكوفري" و"التاريخ" history، لمنطاد "زيبلين" العملاق G-FAAW R101 الذي أقلع، في أبهة تليق بما أعتبر درة تاج صناعة الطيران العالمي، من كاردينغتون الانكليزية، قاصداً الهند في رحلة لم تكتمل. وأرغمت الرياح غير المؤاتية زيبلين على الانخفاض، في الخامس من تشرين الأول أكتوبر 1930، فارتطم بعمود كهرباء في شمال فرنسا، وأشتعل غاز الهيدروجين الذي يملأه فوراً. ولم ينج من ركابه ال54 سوى ستة، وأودى الحادث بحياة لورد طومبسون صانع المنطاد العملاق. وجاءت الضربة القاضية عام 1937، حين ارتطم منطاد "زيبلين" من نوع هايندبرغ، إعتبر الأضخم في التاريخ، بعمود كهرباء أثناء هبوطه فجراً في "نيوجرسي" الأميركية آتياً من المانيا عبر المحيط الأطلسي، فشبت النار فيه فوراً وقتل ركابه جميعاً. والتقطت عدسات التلفزة الناشئة ذلك المشهد الناري وروّجته عبر العالم في أول تداخل بين هذه الواسطة الإعلامية و"سيناريوهات" ذعر المخاطر العلمية. وانتهى عهد الطيران التجاري بالمنطاد. ففي العام 1852 أقلع منطاد أهليلجي الشكل، صممه الفرنسي هنري غيفارد، وبلغ طوله 44 متراً وزوّد محركاً بخارياً ضمن له سرعة عشرة كليومترات في الساعة، ليحمل ركاباً عبر فرنسا .... وابتدأ عهد الطيران التجاري بالمنطاد عملياً مطلع القرن العشرين 1900 على يد الألماني الكونت فيرديناند فون زيبلين الذي صمم منطاداً طوله 128 متراً ملأه بالهيدروجين وزوّده محركاً مزدوجاً أمّن له سرعة عالية. بعد قرن من زيبلين عودة المنطاد! حملت مناطيد "زيبلين" ركاباً عبرت بهم بلدان القارة الأوروبية، والمحيط الأطلسي في رحلات منتظمة إبان الثلاثينات من القرن العشرين. وبعد قرن من أول زيبلين، تستعد سفن الهواء للعودة إلى الأجواء. وفي أواخر العام 2000، أطلقت وزارة الدفاع البريطانية منطاداً طوله 41 متراً، مُلئ بالهيليوم، ونفذ مهمة عسكرية استغرقت ستة أسابيع في كوسوفو بحثاً عن الألغام والقنابل العنقودية في الإقليم المنكوب. وتبدو "مجموعة التكنولوجيات المتقدمة" منهمكة في الإعداد لعودة المناطيد، وصممت سفينة هواء مزدوجة على هيئة إهليلجين مندمجين فوق سطح منبسط. ويؤدي هذا الشكل إلى الحصول على قوة إقلاع وطيران عند اندفاع السفينة إلى الأمام، بفعل مرور الهواء تحت السطح الأملس وانزلاقه على الأقواس الأهليلجية. وسمت "مجموعة التكنولوجيات المتقدمة" سفينتها "قطة الهواء" أو "سكاي كات" Skycat، وملأتها بغاز الهيليوم وزودتها محرك دفع قوياً. وتجد عودة المناطيد تبريرها في الاقتصاد، خصوصاً في مجال شحن البضائع والمعدات والأعتدة. وفي الوقت الراهن، ثمة طريقتان للشحن أحداهما سريعة ومكلفة هي النقل الجوي، والثانية بطيئة ورخيصة أي السفن. وتَعِدُ المناطيد بالحال الوسط، فهي أسرع من السفن، وتقطع المحيط الأطلسي في أربعين ساعة، وأقل كلفة من الطائرات، ولا تحتاج إلى مدرجات للإقلاع والهبوط. ويشكّل بعض أنواع السياحة سوقاً، واعدة من نوع آخر. فهناك عشاق المناظر الطبيعية، وكذلك السياحة الترفيهية، كأن يقلع منطاد حاملاً مجموعة ممن يرغبون في تمضية "شهر عسل" خاص في رحلة جوية فوق قارة أو أكثر! ماذا عن المخاطر؟ لا ريب في أن قرناً من التقدم العلمي، سواء في مجال صناعة المواد لهياكل المناطيد أو تصميمها الداخلي أو التعامل مع غاز الهيليوم، يخفض بعضاً من المخاطر المحتملة. لكن الصورة ليست وردية تماماً. ولا أحد يضمن رحلات آمنة مئة في المئة. واذا كانت الطائرات وسفن الفضاء الخارجي، وهي الأكثرتطوراً في العلم والتكنولوجيا، لم تصل إلى بر الأمان التام، فكيف تكون الخبرة مع المناطيد العائدة من صور كوارثها ونيرانها؟ سؤال مفتوح.