الطائرة "flyer" (الطائرة) التي بناها الشقيقان رايت قطعت مسافة 120 قدماً في أشهر رحلاتها. والمكوك الفضائي colombia كان طولها 122 قدماً. ومع ذلك تضع هاتان الآلتان الطائرتان قرناً غير اعتيادي من الطيران في إطار متكامل تماماً تقريباً. في 17 كانون الثاني 1903 فتحت الرحلة الأولى التي قامت بها "فلاير" أبواب عصر الطيران. لقد كان ذلك بالفعل. حلماً يتحقق. وانطلق الجنس البشري نحو السماء بكل حماس وحمية جنس كان مكبلاً بالأرض بالسلاسل منذ الأزل. وفي 16 كانون الثاني 2003 بدأت الرحلة النهائية لكولومبيا دون ضجيج. وأمضى خمسة رجال وامرأتان 16 يوماً في مدار الكرة الأرضية. وكانت هذه بالنسبة للكثيرين في الأسفل مجرد رحلة أخرى من رحلات المكوك. ولعل أحداً لم يكن سينتبه لها لولا نهايتها الكارثية. وربما كان حتمياً في قرن كامل من الطيران أن تبرد روحية المغامرة والرومانسية. ولكن إذا تضاءلت أحلام الطيران منذ خسر الإنسان فإن أحد أعظم متع قرن لم يخل أيضاً من عذابات عظيمة. وهذا ليس بالنسبة للفضاء فحسب. فالرحلات الجوية التي كانت ذات وقت من الروائع التي تدغدغ الحواس قد فقدت إغراءها عند الكثيرين من محبي الأسفار قبل عصر تفتيش الأجسام والأحذية في المطارات في أعقاب أحداث 11 من أيلول. أن البعض لا يزالون يصرون على الجلوس قرب النافذة. ولكن كثيرين أيضاً يسعون للجلوس في مقاعد الممر لكي يتمكنوا من القفز بسرعة عند الهبوط إذا حدثت مشاكل. القفزة الأولى حدثت القفزة الفعلية الأولى إلى الأجواء في فرنسا. ففي 12 تشرين الثاني سنة 1783 صعد رجلان هما المركيز دار لاند وجان- فرنسوا بيلاتر دي روزيه. أستاذ الفيزياء البالغ من العمر 26 سنة- إلى منطاد هواء ساخن في غابة بولونيا قرب باريس وارتفعاً ثلاثة آلاف قدم (كيلو متر تقريباً) وهبطا على بعد خمسة أميال. وراقبت باريس كلها أول طيران بشري حر في التاريخ. وقال بنجامين فرانكلين الذي كان دبلوماسياً في باريس من المستعمرات المتمردة- ولاحقاً أصبح رئيساً لأميركا: في الوقت الحاضر لا نفكر بشيء غير الطيران. المناطيد تستأثر بكل اهتمامناً. مخاطر إلا أن مخاطر الطيران لم تكن غائبة عن البال. فقد لقي دي روزيه حتفه في العام 1785 عندما حاول اجتياز القنال الإنكليزي ( المانش) بمنطاد هيدروجيني. وقد انفجر المنطاد على ارتفاع ميل في الجو. وتنامى جنون الطيران طيلة القرن التاسع عشر. وقد أصر المغامر الفرنسي فليكس تورناشون الملقب "نادرا" على أن عربات أثقل من الهواء تعمل بالمراوح سوف تحكم السماء. وقد كتب في العام 1863 ما يلي: إذا كنت لا تقدر أن تصدق فلا تطر- بل تابع سيرك على القدمين. أيها الغبي". وحقق تلك النبوءة الشقيقان رايت اللذان كانا يحترفان صنع الدراجات الهوائية في اوهايو. وفي حقل قاحل في كيل ديفل هيلز طار الإنسان- لمدة 12 ثانية فيما كانت الريح تهب بسرعة 27 ميلاً في الساعة. وفي نهاية ذلك اليوم قاد ويلبور رايت أول طائرة مسافة مذهلة هي 852 قدماً اقل من (3000متر) في 95 ثانية. ويقول هاريس (المؤرخ) ان ذلك حدث بالتتابع مع اختراع السيارة. وفي تلك الأيام كانت تعتبر زيارة طائرة ذات جناحين ( أحدهما فوق الآخر). أو عربة دون جياد. حدثاً عظيماً في حياة العديد من المدن. السلاح الجديد وحولت الحرب العظمى ( الأولى) الاختراع الجديد إلى سلاح. تحقيقاً لنبوءة الفرد لورد تينسون في العام 1842 أنه سيأتي وقت سنرى فيه ندى مقرفاً سوف يهبط من الأساطيل الجوية للأمم المنطلقة في القبة الزرقاء. وبذلك أيضاً ولد بطل جريء جديد. هو بطل الطيران. وعاد هؤلاء الأبطال إلى البلاد بطائراتهم ذات القمرات المكشوفة وشالاتهم ترفرف في الريح. ومن هؤلاء ولد مغامرون أبرزهم تشارلز ليندبرغ. الذي أقلع بطائرته "لاكي ليندي" من نيويورك. وعندما هبط بها في باربس أصبح أشهر شخص في العالم. وكان ليندبرغ كاتباً بارعاً. وقد نقل ليندبرغ وطيارون من أمثاله ومعاصريه- منهم انطوان دي سان- اكزوبري وبريل ماركهام- من خلال كتبهم الناس معهم إلى الأجواء ليقاسموهم وحدتهم وأمجادهم. وقد كتبت بريل ماركهام في مذكراتها west with the night ز: الأجواء تقلني إلى مملكتها. الليل يلفني تماماً ويعزلني تماماً عن الأرض ويتركني داخل هذا العالم الصغير المتحرك الذي هو عالمي الخاص لأعيش في الفضاء مع النجوم. وبعد أسبوعين من رحلة ليندبرغ- أصبح تشارلز ليفين أول راكب يجتاز المحيط الأطلسي بطائرة. وقاد الطائرة كلارنس تشمبرلين. في العام 1926 ركب ستة آلاف أميركي الطائرة. ومع حلول العام 1931 ارتفع عدد الذين طاروا الى 522 ألفاً. ومن ذلك الوقت تصاعد الرقم- 12.5 مليون شخص في العام 1946 و58 مليوناً في 1961. وأكثر من نصف مليار مسافر جوي الآن. في هذه الأثناء كان الأميركيون يتطلعون إلى ما وراء طبقات الجو العليا. نحو الفضاء. وقبض القمر الاصطناعي الروسي سبوتنيك على انتباه الزعماء الأميركيين وخيال الشباب. وعشية عيد الميلاد سنة 1968 كان رائد الفضاء فرانك بورمان مع زملائه في المركبة أبو للو يدورون حول القمر. ولكن كل ذلك حدث منذ وقت طويل. أن كل واحدة من 70 أسوأ كارثة جوية- حدثت بعد العام 1968. أن الطائرات هي الآن أكبر حجماً وقائمة الضحايا أطول. ومع أنهم يذكروننا على الدوام أننا أكثر أماناً في الجو من سياراتنا فإن العناوين تأتينا مقلقة ومرهقة للأعصاب. وتنعكس هذه التغييرات في السماء. ففي العام 2001 دفع رجل الأعمال الأميركي دنيس تيتو 20 مليون دولار لروسيا ليركب المركبة الفضائية " سويوز" إلى المحطة الفضائية الدولية. وهو يقول ان الأميركيين فقدوا اهتمامهم ببرنامج الفضاء لأنه أصبح مرتكزاً على العلم. والروبوتات تستطيع القيام بالكثير من المهام العلمية. ويقول تيتو: " أعلنوا عن برنامج لإرسال مستكشفين إلى المريخ وسترون أن المخيلات قد اشتعلت. أن الإنسان يهوى استكشاف المجهول. وأن يهاجر". ولا يزال خيال تيتيو متأثراً بالفضاء. وهو ليس وحيداً في ذلك. فابنه البالغ من العمر 28 سنة يريد أن يذهب إلى الفضاء أيضاً. ولكن تيتو قال له انه عليه أن يعمل ويكسب المال اللازم بنفسه "لإنني لا أريد أن أدفع أجور الرحلة بنفسي". وهناك آخرون لا يزالون يصرون على الجلوس قرب النافذة عندما يسافرون بالطائرة. ويتفرجون على القمر والكواكب السيارة بدهشة لذيذة. وخلال العشرين سنة الماضية زار 400 ألف شخص. معظمهم من الأطفال مخيم الفضاء الأميركي. ثم هناك أناس من أمثال بيل دورسي. وهو مدير شركة لدفن الموتى في وست فيرجينيا دفع مبلغ 900.8585.1 دولار في العام 2001 للطيران حول العالم خلال 61 ساعة دون مغادرة أي مطار. لقد فعل ذلك من أجل الاستمتاع بالإقلاع والهبوط ولكي يتفرج على جمال الكرة الأرضية. وهل يريد دورسي أن يركب المكوك الفضائي رغم كارثة المكوك كولومبيا؟ * "على الفور". كما يقول. طلاب معهد مساتشوستس للتكنولوجيا يمرون أمام بوستر لرحلة المكوك كولومبيا. وقد صمم طلاب البوستر تكريمأً لرواد الفضاء السبعة الذين لاقوا مصرعهم في تحطيم المكوك.