يدرك صدام حسين تماماً ان بقاءه مرتبط بسياسة القمع والارهاب، واي تساهل او انفتاح هو دعوة للمشاكل، وما حصل في يوغوسلافيا سيزيده قناعة بسلامة نهجه الديكتاتوري. ولذا يجب ان لا نتوقع تكراراً لتجربة يوغوسلافيا الانتخابية في العراق. ولكن التجربة اليوغوسلافية اكدت اهمية "المشروع" او "المفتاح" للتغيير، فاذا كانت الانتخابات هي مفتاح التغيير في يوغوسلافيا فان مفتاح التغيير في العراق هو في كردستان العراق وذلك للاعتبارات الآتية: - ان كردستان العراق منطقة خارجة عن سلطة النظام العراقي، وان قرارات الاممالمتحدة، وبالذات قرار مجلس الامن 688 يوفر الارضية الدولية لحماية تلك المنطقة. - ان التغيير سيعتمد القوى العراقية انطلاقا من كردستان وانتقالاً الى الجنوب واخيراً الى الوسط. - ان الحال القائمة في كردستان العراق لا يمكن ان تدوم، وفي استحالة خيار الانفصال، سيحسم مصير كردستان في بغداد اما بالخضوع مجددا للهيمنة الديكتاتورية او بالمشاركة في تغييره. - طالما استغل الاكراد كورقة لإنهاك الحكم المركزي في بغداد، ولكن اكراد اليوم لا يريدون ان يكونوا مجرد ورقة لاستبدال ديكتاتور بآخر، وهذا لا يمكن ضمانه الا عندما يكون الاكراد طرفاً اساسياً في مشروع للتغيير يضمن مشاركتهم الحقيقية بالسلطة الجديدة. - ان سياسة الاحتواء الاميركية شلّت دور الاكراد بموجب صيغة "لا استفزاز لصدام، مقابل حماية اميركية"، ما سمح لصدام بأن يصبح طرفاً لاعباً في كردستان من دون ان يتحمل اي اعباء مالية او سياسية. - كما ان حال الانتظار التي فرضتها سياسة الاحتواء، كرست سياسية تعزيز المواقع والتنافس بين الاحزاب الكردية على حساب الوحدة الكردية. ولكن في حال وجود مشروع عراقي مدعوم دولياً للتغيير سيتنافس الاكراد للوحدة من اجل الوصول والمشاركة في السلطة المركزية المقبلة في بغداد. - لقد اقنعت تجارب السنوات العشر الماضية الاكراد بضرورة التعامل الايجابي مع العامل الاقليمي. كيف يمكن واشنطن ان تساعدالعراقيين لمساعدة انفسهم؟ - ان واشنطن هي الطرف الأقدر على اعادة بناء تحالف اقليمي للمساعدة في التغيير في العراق، اعتماداً على الشراكة التركية - السعودية اولاً، مع احترام المصالح الايرانية. فموقف تركيا حاسم في تحول اكراد العراق الى طاقة للتغيير، خصوصاً ان انقرة تتمتع اليوم بعلاقة جيدة مع كلا الطرفين الكرديين العراقيين، وان اميركا هي الأقدر على اقناع حليفتها الاطلسية. اما اقتناع تركيا بعدم جدية الرغبة الاميركية في التغيير في العراق دفعتها - حماية لمصالحها - الى مدّ جسور التعاون مع بغداد، وآخرها مد جسر بري يربط تركيابالعراق من دون المرور بالاراضي الكردية. - اذا اريد للتغيير ان يتم على سواعد العراقيين اولاً، فيجب المساعدة في تحرير قدراتهم خصوصاً بالنسبة للموجودين في دول الجوار، وبالذات في ايران، وهذا يتم في حال اقتناع واشنطن بأولوية التغيير في العراق على احتواء ايران. - ان التركيبة السكانية والطائفية في العراق تجعل من المساعدة السعودية ضرورة للتعجيل بالتغيير في العراق، خصوصاً ان للسعودية حدوداً طويلة وعلاقات عشائرية على امتداد غرب نهر الفرات من الجنوب حتى الدليم وصولاً الى عشائر شمر في الموصل. والسعودية هي خير راع لمؤتمر "طائف" عراقي يكرس وحدة العراقيين في مناهضة الدكتاتورية. - تنامي العلاقات الطيبة بين الرياضوطهران يؤسس لنظام اقليمي خليجي يضم عراق ما بعد صدام، بما يضمن استقرار المنطقة وسلامتها. لقد عرف النظام العراقي كيف يستخدم الصراعات الاقليمية بطرح نفسه كخيار "أهون الشرين" لغياب البديل المناسب للجميع. ان الوفاق الاقليمي هو أحد أهم اسلحة الولاياتالمتحدة لمساعدة العراقيين للخلاص من الجوع والقهر، أما على صعيد المعارضة العراقية ففي إمكان واشنطن المساعدة بالوسائل الآتية: - استثمار النفوذ الاقتصادي والسياسي الاميركي لإنجاح انتخابات برلمانية جديدة في كردستان العراق، تعيد للاكراد وحدتهم وتزعزع شرعية النظام الحاكم في بغداد. - ان وحدة الميليشيات الكردية بمشاركة الآلاف من العسكريين العراقيين الهاربين، تشكل نواة لقوات التغيير في العراق بما يحمي المنطقة الخارجة عن سلطة بغداد، ويشجع عناصر الجيش العراقي على الانضمام اليها. - ان قرار مجلس الامن 688 الخاص بحماية الاكراد واحترام حقوق الانسان يوفر الارضية لحماية كردستان من اي اختراق حكومي. - تحويل هدف الضربات الجوية الاميركية من مجرد رد فعل على تحريك النظام راداراته او مضاداته الجوية، الى منع تهديد او تجاوز القوات الحكومية لمنطقة كردستان، وهذا اجراء تقره الشرعية الدولية وتمارسه واشنطن ولكن فقط لأغراض الاحتواء وليس التغيير. - ان وحدة فصائل المعارضة، بدءاً بالقوى الموجودة على ارض العراق تحققها بلورة ونضوج مشروع للتغيير، كذلك باعتماد سياسة اميركية موحدة للحزبين - الديموقراطي والجمهوري - تخرج المعارضة العراقية من اللعبة الحزبية ولا تجعلها مجرد اداة اعلامية. انها لمفارقة ان يكون مقر المؤتمر الوطني العراقي في لندن، وان يسعى الى فتح مقرات اخرى في طهران ودمشق، ولا يكون له مقر في كردستان العراق. كما ان وحدة المعارضة العراقية لا تتم بالانحياز الاميركي الى طرف من دون اخر، او محاولة فرض اي طرف على المعارضة العراقية، بل في الاستعداد للحوار والتفاهم المتبادل، وهذا يتطلب تحمل العراقيين لمسؤوليتهم وليس الاكتفاء بلعن الظلام الف مرة من دون اشعال شمعة واحدة. ان مفتاح العراقيين للتغيير هو في تحول كردستان العراق الى "القدوة البديل"، واذا كانت واشنطن مستعدة للمساعدة فهل ان فصائل المعارضة العراقية بمستوى هذا التحدي؟ * كاتب عراقي.