يصعب تصديق الرواية التي قدمتها وزارة الخارجية الروسية عن زيارة سرية لموسكو قام بها عبدالرشيد دوستم. فالجنرال الذي لعب دوراً مهماً في الحرب الافغانية قبل تراجعه الى الظل، لا يمكن أن يمضي أياماً طويلة في العاصمة الروسية من أجل "الاستجمام"، والأرجح ان لزيارته صلة مباشرة بالمعارك الدائرة في افغانستان وفي المناطق المجاورة لها من آسيا الوسطى، والمرشحة لأن تصبح مسرحاً لأحداث تكون لها مضاعفات اقليمية ودولية مهمة. وتزامنت زيارة دوستم لموسكو مع مبادرة تتولاها تركمانستان لترتيب هدنة في افغانستان بين "طالبان" وأحمد شاه مسعود. وفي حال نجاح مساعي الوساطة فإن بين الثمار المحتملة قيام تحالف بوشتوني - طاجيكي قد يهمش دور اثنية اوزبكية يمثلها دوستم الذي دعمته طشقند وموسكو. أما اقليمياً فيمكن مثل هذا التحالف ان يلعب دوراً استثنائياً في الأحداث التي يشهدها المثلث الواقع بين اوزبكستان وقرغيزيا وطاجكستان، حيث تشتبك القوات النظامية الأوزبكية والقرغيزية مع فصائل "الحركة الاسلامية" التي تؤكد طشقند انها تحظى بدعم قادة حزب النهضة الاسلامي، الذين تسلموا حقائب وزارية في طاجكستان، بعد مصالحة بينهم وبين الرئيس إمام علي رحمانوف. ويستبعد ان تكون الحركة الاسلامية هدفت فعلاً الى اعلان "دولة الخلافة" في وادي فرغانة، والأرجح انها زجت 100 - 200 عنصر في معارك تبدو خاسرة سلفاً، لكنها تهدف في الواقع الى اختبار ردود الفعل المحلية والاقليمية والدولية وتدريب المقاتلين لخوض حرب واسعة الربيع المقبل. واتهم الرئيس الأوزبكي اسلام كريموف افغانستان بإيواء من وصفهم ب"الارهابيين" وتدريبهم، وتخلى عن تحفظه حيال موسكو، وأخذ يتحدث جهاراً عن تعزيز الصلات العسكرية مع روسيا بعدما كان يعد من أشد المعارضين للوجود الروسي في آسيا الوسطى. ويقال ان وزير الدفاع الروسي ايغور سيرغييف اعتبر مثل هذا التطور فرصة ينبغي عدم اهدارها، ورفع تقريراً الى الرئيس فلاديمير بوتين، يدعو الى تقديم دعم عسكري عاجل الى اوزبكستان، متذرعاً بأن الصين بدأت فعلاً تزويد طشقند معدات عسكرية، وقد تسعى الى أخذ موقع موسكو ك"راع" للمنطقة. وأكد الكرملين وجود ترابط مباشر بين أحداث آسيا الوسطى والحرب في الشيشان، لكن الرئيس الروسي لا يبدو متسرعاً في فتح جبهة ثانية، بعدما اثخنت الأولى عهده بالجروح. بيد أن موسكو لن تترك الحبل على الغارب في آسيا الوسطى، التي تعتبرها بمثابة حديقة خلفية لها، وترى ان استيلاء من تصفهم ب"الراديكاليين" على الحكم هناك قد يهز الموازين الاستراتيجية في منطقة يسكنها أكثر من 50 مليون شخص وتلتقي عندها مصالح القوى الاقليمية والدولية.