أنهى اللبنانيون بسلام أمس الاختبار الانتخابي الثالث والأهم، منذ نهاية الحرب في 1990، وهو اختبار مهم نظراً الى ما تضمنه من مؤشرات وتغييرات في الخطاب السياسي، مقارنة مع الانتخابات النيابية عامي 1992 و1996. واشارت عمليات الفرز الاولية للاصوات الى تقدم "كاسح" للائحة الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري في بيروت ولائتلاف "أمل" - "حزب الله" في الجنوب. وقال الرئيس إميل لحود: "في هذه اللحظات التي تقفل فيها صناديق الاقتراع تكتمل العملية الانتخابية في البلاد، في أجواء مثالية ونموذجية قل نظيرها في تاريخ الانتخابات النيابية اللبنانية". وأشاد ب"الدور الكبير الذي قامت به وزارة الداخلية والقضاء والجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والأجهزة الأخرى، وجميع الموظفين، في ضمان حق المواطنين في الممارسة الديموقراطية الصحيحة واختيار ممثليهم في المجلس النيابي بحرية كاملة". راجع ص4 و5. وهنأ لحود "جميع الفائزين في الانتخابات"، ودعاهم الى "العمل يداً بيد لخدمة المصلحة الوطنية، وصهر الطاقات لتطبيق خطاب القسم وقيام دولة القانون والمؤسسات، لا سيما في ظل الأزمة المعيشية التي تستوجب توحيد كل الجهود من أجل النهوض الاقتصادي، ومواجهة استحقاقات الوضع الإقليمي والسعي الى تحقيق السلام العادل والشامل الذي يؤمن تحرير الجولان ومنع توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان". وأكد أن "الاستحقاق التالي في البلاد هو إجراء الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة المقبلة بعد تولي المجلس الجديد مهماته"، مشيراً الى أن "هذه الاستشارات ستجرى وفق الدستور وبلغة القانون والمؤسسات التي تحكم الجميع في لبنان بدءاً من رأس الدولة". وشدد الرئيس اللبناني على "ضرورة الترفع عن المهاترات الإعلامية التي تترافق عادة مع كل عملية انتخابية" مؤكداً في الوقت ذاته أن "احترام الحريات، لا سيما حرية التعبير، أمر مقدس". وإذ ترافقت الانتخابات مع سجال سياسي واسع على كثير من الأمور بين المعارضة والموالاة، وعلى مواضيع السياسة الاقتصادية والوفاق الوطني والمصالحة والعلاقات مع سورية، فإن المرحلة الثانية والأخيرة من عمليات الاقتراع أنجزت أمس، لاختيار 65 نائباً، السادسة مساء، بعدما أنجزت المرحلة الأولى في 27 آب اغسطس في محافظتي جبل لبنان والشمال. وأجريت انتخابات أمس في ثلاث محافظات هي الجنوب والبقاع وبيروت العاصمة التي كانت الأهم بدلالاتها السياسية، نظراً الى ما سبقها من حملات إعلامية بين المتنافسين. وهي احتضنت مبارزة بين رئيس الحكومة الدكتور سليم الحص وسلفه رفيق الحريري، كانت امتداداً لمعركة بين الموالاة والمعارضة، دارت في جبل لبنان وبعض الشمال حيث حقق المعارضون تقدماً. وظلت الحوادث التي شهدتها مرحلة أمس محدودة، كذلك الشكاوى، ومن مظاهرها إعطاء وزارة الداخلية بطاقات انتخابية للائحة التي يتزعمها الحريري قبل ربع ساعة من إقفال صناديق الاقتراع 400 بطاقة. وإذ حصل تضارب بالأيدي أمام بعض أقلام الاقتراع العائدة للأرمن، سجل حادث طعن بسكين بين أنصار متنافسين أرمن على لائحتي الموالاة والمعارضة، وواكبت كل ذلك كمية لا تحصى من الإشاعات، ساهم فيها الإعلام الرسمي عن التشطيب... وحصول إشكالات على أقلام الاقتراع. ودعا الحريري الى عدم الانجرار وراء الإشاعات، فيما جال الحص في بيروت واصفاً الجو الانتخابي بأنه هادئ. وقال ل"الحياة" ان "الإقبال متفاوت بحسب المناطق، وكثرة التشطيب لا يمكن معرفة نتائجها إلا بعد معرفة ما في صناديق الاقتراع". وسئل هل يقبل ترؤس الحكومة المقبلة فأجاب: "لا أسعى إليها، وإذا عرضت عليّ أفكر في الموضوع في حينه". أما الحريري فاعتبر أن الحديث في موضوع الحكومة سابق لأوانه، داعياً الى انتظار نتيجة الانتخابات. وعن إمكان التعايش بينه وبين الرئيس لحود قال: "لا أعتقد أن هناك موضوعاً شخصياً، والرئيس لحود يقول منذ أتى الى رئاسة الجمهورية انه على مسافة واحدة من الجميع. لا مشكلة شخصية بيني وبين الرئيس وأعتقد أنه يعرف هذا، وهذا ما يقوله هو". أما النائب تمام سلام فأكد أن أهل بيروت "يختارون التوافق على رغم ما نواجهه من طغيان وطوفان في اتجاه معين، بإمكانات ضخمة لم نرها سابقاً". وزاد إنه لم يلمس تدخل الأجهزة، وأيد قيام حكومة سياسية "متوازنة" لمواجهة الاستحقاق الاقتصادي - الاجتماعي. وفي الجنوب قال رئيس مجلس النواب نبيه بري، رداً على سؤال عن اقتراع اللبنانيين في المناطق المحررة، للمرة الأولى منذ 28 سنة: "بفضل دماء الشهداء وصلنا الى هنا والناس يريدون رؤية برنامج انتخابي لا رؤية أناس، كأنه بات هناك نيلسون مانديلا في لبنان. فيأتينا فلان وغيره من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى النائب نسيب لحود الى الجنوب"، تعليقاً على دعمهما بعض المرشحين المناوئين للائحة التي يتزعمها. وليلاً أذاع وزير الداخلية ميشال المر نسب الاقتراع من عدد حاملي البطاقة الانتخابية وجاءت على النحو الآتي: في دائرة بيروت الأولى: الأشرفية 30 في المئة والمزرعة 51 في المئة، والصيفي 18 في المئة. وفي الدائرة الثانية: المصيطبة 43 في المئة والباشورة 39 في المئة والرميل 18 في المئة، وفي الدائرة الثالثة: المرفأ 32 في المئة وميناء الحصن 84 في المئة. وبلغ معدل الدائرة الثالثة 5،34 في المئة. وفي البقاع، الدائرة الأولى: بعلبك - الهرمل 40 في المئة، والدائرة الثانية: زحلة 35 في المئة، والدائرة الثالثة: البقاع الغربي 45 في المئة وراشيا 40 في المئة. وفي الجنوب، صيدا 50 في المئة والزهراني 55 في المئة وصور 47 في المئة وبنت جبيل 50 في المئة ومرجعيون 40 في المئة وحاصبيا 30 في المئة. وفي النبطية 55 في المئة، وجزين 33 في المئة، وكان المعدل في المحافظة 45 في المئة. وأشار المر الى حادث واحد سقط فيه جريح في منطقة المدور حيث طعن بسكين. وأوضحت مديرية التوجيه في الجيش في بيان أن الأخير اسمه نيشان سركيس أناسيان، وأكدت توقيف ثلاثة.