فيما تستعد رابطة حقوق الانسان لعقد مؤتمرها العام أواخر الشهر المقبل، يحاول "المجلس الوطني للحريات" غير مرخص له استغلال عودة الصحافي المنشق توفيق بن بريك الاسبوع الماضي للظهور مجدداً. وأقام حفلة استقبال في دار "الصبار" للنشر التي تديرها عضو المجلس سهام بن مدرين في حضور ثلاثة نواب اوروبيين وممثلي جمعيات غير حكومية فرنسية لمناسبة رجوع بن بريك الى تونس. وكان رئيس "المجلس الوطني للحريات" الدكتور منصف المركزي أكد ان زملاءه ماضون في تكريس فكرة اقامة ندوة للحريات في الاسابيع المقبلة، الا ان تجسيد المشروع الذي اعلن عنه في الربيع الماضي يبدو صعباً كون المجلس لا يستطيع الحصول على اماكن عامة او قاعات في الفنادق لاقامة فعاليات جماهيرية. في المقابل تبدو رابطة حقوق الانسان مهيأة اكثر لجعل مؤتمرها العام حدثاً ديموقراطياً كونها تجمع في قيادتها غالبية القيادات السياسية والفكرية وبينهم زعماء التجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم. إلا أن الخلافات على اختيار الشخص الذي يمكن ان يخلف رئيس الرابطة الحالي المحامي توفيق بودربالة ما زالت تؤجل تحديد تاريخ المؤتمر العام. وتقول مصادر الرابطة ان اجتماع "المجلس الوطني" يضم ممثلين عن الفروع الاربعين في المحافظات سيحدد تاريخ المؤتمر وما يتصل به من قضايا ما زالت عالقة. وبسبب مخاوف ابداها مسؤولون في الرابطة من احتمال "غزو" عناصر "الدستوري" الفروع في المحافظات اتخذت الهيئة الادارية قراراً بإقفال باب الانتساب موقتاً كي تتمكن من عقد المؤتمر العام بالاعضاء الحاليين، وفي ظل توازنات يمكن التحكّم بها. الا ان هذا القرار الذي أوصد باب المجهول جعل مهمة اختيار اعضاء الهيئة الادارية الجديدة صعبة. مع ذلك تبقى القاعدة الاجتماعية للرابطة عريضة قياساً الى "المجلس الوطني للحريات" وربما ساعد الحوار الذي استؤنف بينها وبين السلطات في الفترة الاخيرة في استقطاب فئات وعناصر جديدة، بعد المؤتمر وتنشيط العلاقات مع عناصر قديمة ابتعدت عن الاضواء بسبب الاحتقان الذي مرّت به العلاقات بين الرابطة والسلطات طوال سنوات. على الصعيد الحزبي لوحظ ان التنظيمات غير المُرخص لها بدأت ترفع اللهجة في الاشهر الاخيرة فيما باشرت الاحزاب "الشرعية" عمليات اعادة تقويم دورها، استعداداً لاستحقاقات المرحلة المقبلة. وفي هذا السياق تسارعت خطى المصالحة في صفوف حركة الاشتراكيين الديموقراطيين بين القيادة الحالية بزعامة النائب اسماعيل بولحية وجناح الرئيس السابق للحركة محمد مواعدة الذي يمثّل الاكثرية. ويتوقع ان تتكرّس المصالحة قبل نهاية الاسبوع بتشكيل لجنة موحدة لاعداد المؤتمر المقبل للحزب، وستكون غالبية اعضائها من المؤيدين لمواعدة. ويعتقد بأن استعادة الحركة التي تأسست في 1978 وحدة جناحيها وتجاوز زعيمها محنة الاعتقال والاقامة الجبرية سيشكلان عنصراً مهماً في استعادة موقعها السابق في الخارطة السياسية وترميم صدقية احزاب المعارضة الشرعية. وفي اطار الاعداد لاستحقاقات السنة السياسية الجديدة يُهيئ "التجمع الاشتراكي" لعقد مؤتمره العام الثالث قبل نهاية العام، ويخطط للانتقال إلى حزب ديموقراطي واسع بعدما فتح سلسلة من الحوارات مع شخصيات عامة وكوادر سياسية ونقابية في المحافظات اضافة الى استكمال المشروع الذي بدأه مطلع الصيف، عندما شارك في الدعوة الى "الندوة الوطنية للحريات والديموقراطية"، مع "حركة الاشتراكيين الديموقراطيين" جناح مواعدة و"حزب العمال الشيوعي" غير المُرخّص له. واستطاعت الندوة التي استمرت يوماً واحداً ان تستقطب حوالى 250 شخصية عامة من العاصمة والمحافظات. وقال مسؤولون في الاحزاب الثلاثة انها ماضية في العمل على عقد ندوات مماثلة في بعض المحافظات خلال الاسابيع المقبلة، اضافة الى تشكيل هيئة متابعة وتنسيق في ما بينها. ولعل التأثير المتنامي ل"القطب الديموقراطي" مثلما يُسمي نفسه في اوساط النخبة والرأي العام هو الذي حمل احزاباً برلمانية قريبة من الحكم على تغيير لهجتها المعتادة ورفع مطالبها. وفي هذا الاطار حض "المجلس الوطني" اللجنة المركزية لحزب الوحدة الشعبية يسيطر على سبعة مقاعد في مجلس النواب في اجتماعه الاخير على سنّ عفو اشتراعي عام، ما شكّل مفاجأة للجميع، كون المستفيد الاول من العفو العام هي حركة "النهضة" المحظورة التي يقودها من الخارج الشيخ راشد الغنوشي، فيما حض "المجلس الوطني" للاتحاد الديموقراطي الوحدوي سبعة مقاعد بزعامة عبدالرحمن التليلي على فك الارتباط بين مؤسسات الدولة واجهزة الحزب الحاكم وتحرير وسائل الاعلام من سيطرة "التجمع الدستوري" وهي مطالب لم ترفعها في الماضي الاحزاب المتمثلة في البرلمان الحالي بل كانت تتردد على ألسنة المعارضة. ويبدو ان السباق على كسب ودّ الرأي العام يتنامى ويُقرّب اطياف اللوحة السياسية من بعضها بعضاً أقله على صعيد الخطاب.