} أدت خطوة "المجلس المركزي الفلسطيني" تأجيل إعلان الدولة في اجتماعه الأخير الذي عقد في غزة 9 و10 أيلول - سبتمبر الى ردود فعل متباينة دولياً وعربياً. وفي وقت مالت واشنطن ولندن وموسكو وباريس وطوكيو والقاهرة وأنقرة الى الترحيب بالقرار ووصفته بالصائب اتجهت طهران الى رفضه واصفة إياه بالرضوخ للضغوط الدولية والإقليمية. وبانتظار الموعد الجديد لاجتماع المجلس المركزي قبل منتصف تشرين الثاني نوفمبر استطلعت "الحياة" آراء بعض السياسيين والمثقفين والصحافيين في موضوع الدولة ومدى أهمية إعلانها. وهنا الأجوبة. الأمر المدهش أن الكثيرين يعتقدون أن الشأن الفلسطيني بلا صاحب. هو شأن عربي وإسلامي في المجمل، وهذا يعني أن من واجب كل عربي وكل مسلم أن يتضامن مع الشعب الفلسطيني ومع القضية الفلسطينية، ولكنه لا يعني، بأي حال من الأحوال، أن يعطي أي إنسان لنفسه الحق في أن يفتي بأن هذا حلال وهذا حرام. والغريب أن الذين يفعلون ذلك يرون أن شأنهم الداخلي هو من المحرمات على الآخرين ويصرون في الوقت نفسه على التعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها ساحة مستباحة. وأنا شخصياً أعتقد من حيث المبدأ لا ينبغي لأحد من العرب أو المسلمين أن يملي على الفلسطينيين مواقف معينة، نحن نتمسك بالثوابت وندعو الفلسطينيين الى التمسك بها ونتضامن معهم في هذا الصدد بعكس الذين يكتفون بإصدار التعليمات من بعيد. وبالنسبة الى إعلان ممارسة سيادة الدولة الفلسطينية على الأرض، فإنني أرى أن هذا شأن فلسطيني صرف ولا يملك أحد أن يتدخل فيه، لأن أحداً لن يصد عن الفلسطينيين رصاصة ولا حتى سيتظاهر على بعد آلاف الأميال من الخطر مسانداً لهم. إن الفلسطينيين لم يذوقوا فقط مرارة العدوان الإسرائيلي والتآمر الأميركي، بل ذاقوا أيضاً هوان إنكار العرب والمسلمين لهم واكتفائهم بإصدار التعليمات من بعيد. موعد إعلان الدولة الفلسطينية يقرره أصحاب القضية وحدهم لأنهم هم الذين يدفعون الثمن ولا أحد يمد لهم يداً حقيقية، إذ إن الجميع ينتقدون ويأمرون ويتعالون ويتهمون لكنهم أبداً لا يفعلون شيئاً إيجابياً للشعب الفلسطيني، خلاصة القول إن أمر إعلان سيادة الدولة على الأرض متروك للشعب الفلسطيني وقيادته لأنها هي التي تدفع الثمن. علي سالم كاتب مسرحي مصري أنا مع الدولة لأن الإنسان في حاجة الى الدولة هذا كلام أرسطو في السياسة، الوحوش والآلهة فقط هي التي ليست في حاجة الى الدولة، ووجود الدولة شيء وإعلان الدولة شيء آخر، الوجود حتمي، أما إعلانه فيستند الى حسابات سياسية. لا بد من جو سلام قبل إعلان الدولة، ولا بد من ضمان المساعدات على كل الأصعدة من حكومات الدول العربية كلها، إضافة الى حكومات العالم، والتشاور مع الجميع، وخصوصاً في هذه الأيام التي تحول فيها العالم الى قرية صغيرة بالفعل. أن يعيش الإسرائيلي والفلسطيني معاً، هذا هو قدر الطرفين، وبكل وضوح لا بد من حد أدنى من التراضي دائماً في الفعل السياسي بين الطرفين، بل إن الإسرائيليين أنفسهم في قراراتهم الداخلية سيكتشفون أنهم في حاجة الى التشاور مع الفلسطينيين، أي أن الطرفين الآن يقتسمان المشكلات والمتاعب وهما أيضاً يتشاركان المستقبل. سيأتي الوقت المناسب لإعلان الدولة وهنا ستكتشف القيادة الفلسطينية أنها مطالبة بأن تقدم للعالم المحتوى العصري للدولة: الفصل بين السلطات الثلاث، والديموقراطية وحقوق الإنسان. الآن فقط نحن نطلب المساعدة من الآخرين عندما نقول لهم نحن مهتمون بحقوق الإنسان. لا توجد حسابات سياسية أخرى. الدولة لا بد أن تعلن في جو تحيطه ذهنية السلام في المنطقة ككل، لا بد في البداية من الوصول الى اتفاقات سلام، والبدء في حملة توعية للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي على السواء بأنهم شريكان في الحاضر والمستقبل وفي الأرض أيضاً. وأنا أعتقد أن "حركة السلام الآن" الإسرائيلية تنبهت لهذا المعنى بدليل قيامها بحملتها الأخيرة للتمهيد للاتفاقات المرتقبة الفلسطينية الإسرائيلية، أيضاً لا يجب أن نعيش تحت ضغط وهم بأنه يمكن حل المشكلات بضربة واحدة، لا يوجد حل نهائي في المسائل السياسية، في السياسة نحن نسعد بالخطوات الناجحة، إذا نجحنا في صنع خطوة ناجحة واحدة كل يوم فهذا إنجاز طيب. مع العلم أن الأحداث في الشهور الأخيرة أثبتت أن سكان هذه المنطقة هم الأقدر على حل مشكلاتهم، وهذا لا يعني رفض حتمية المساعدة من اوروبا وأميركا وكل من يرغب في المساعدة، لكن في النهاية حكومات هذه المنطقة هي المسؤولة عن حل مشكلاتها، كل حسب ثقله، وكل حسب رغبته. أبو العلا ماضي وكيل مؤسسي حزب الوسط - مصر سبق لياسر عرفات أن أعلن من الجزائر في منتصف الثمانينات قيام الدولة الفلسطينية، هذا، كإعلان الدولة، لا يتجاوز كونه مجرد حبر على ورق ومعركة شكلية ومادة للسخرية في ضوء عدم وجود فعلي للدولة. القضية الأساسية هي أين الدولة حتى تُعلن؟ هل لها جيش مسلح وعاصمة معترف بها وحدود واضحة؟ هل السلطة الفلسطينية تسيطر على أجواء ومنافذ الأرض التي تريد أن تعلن السيادة عليها؟ إن ما يملكه عرفات ورفاقه ليس أكثر من سلطة ممنوحة من إسرائيل، ومن ثم فإن مشروعية الدولة الفلسطينية ستكون مستمدة أيضاً من إسرائيل ولن تزيد بالتالي عن كونها مجرد كيان هش يصارع طواحين الهواء. نحن نرفض أساساً الطريق الذي سلكه عرفات لحل القضية الفلسطينية. إننا نرفض المساومة على القدس، كل القدس، كما لا نقبل بأقل من استعادة كل فلسطين. عواطف عبدالرحمن رئيسة قسم الصحافة في كلية الإعلام - جامعة القاهرة ليست المشكلة في موعد إعلان سيادة الدولة الفلسطينية على الأرض، وإنما في ما سيترتب على الإعلان من سيادة ستكون حتماً منقوصة في ضوء الصلاحيات والإمكانات التي في يد إسرائيل والتي ستستخدم لتحويل الحياة في الدولة الوليدة الى جحيم. ومع ذلك فإنني أؤيد إعلان الدولة الفلسطينية، لأن ذلك سيحقق هدفاً مهماً وهو اعتراف عدد كبير من دول العالم بها ما يعطيها حق الانضمام الى الأممالمتحدة الأمر الذي سيترتب عليه كسر الصورة الخارجية لإسرائيل. جمال سلطان وكيل مؤسسي حزب الإصلاح - مصر منذ بداية الحديث الذي طرحه السيد ياسر عرفات عن عزمه على إعلان الدولة الفلسطينية والانطباع السائد لدى الجميع أنه إعلان غير جاد، خصوصاً وأنه ترافق مع إطلاق عبارات قديمة عفا عليها زمن النضال ومجّتها الأسماع وارتبطت في الذاكرة بما يشبه شنشنات الدجل السياسي، من مثل القول: "ومن لا يعجبه فليشرب من بحر غزة، أو شاء من شاء وأبى من أبى. أضف الى ذلك أن إعلان الدولة، أو أي إعلان آخر ثوري أو نضالي حتى يمتلك الصدقية فإنه في حاجة الى صدوره عن قيادات تملك هذه الروح فعلاً، وتمارس سلوكها السياسي وفق هذا القدر من الشجاعة والصلابة ويعرف عنها خصمها ذلك. ولكن الذي حدث ويحدث على مدار السنوات الماضية هو على العكس من هذا الطموح، كما أن هناك الكثير من الممارسات العملية المؤسفة التي تقوم بها مؤسسات السلطة في الدعم الأمني والعسكري للكيان الصهيوني، وهو أمر لم يعد في حاجة الى إثبات أو تأكيد، لأنه مصرّح به من قيادات أمنية وسياسية فلسطينية وإسرائيلية معاً، وهو الأمر الذي أحدث شرخاً في الجبهة الداخلية الفلسطينية. وعلى الجانب الآخر فإن الحديث الذي تناقلته الأنباء بتواتر وبالأسماء والأرقام عن انتشار الفساد المالي والإداري في النخبة القيادية وما حولها، والتهكمات التي يطلقها المواطن الفلسطيني العادي عن هذا الفساد المرير، تجعل هناك حالاً من الترهل السياسي لا تقوى على تحمل تبعات المواقف التاريخية، وبالمقابل تجعل هناك حاجزاً نفسياً وسياسياً سميكاً بين القيادة وبين ما هو موجود تحت هيمنتها من الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يضعف من صدقية إعلان الدولة، لأنك إن لم تكن تمتلك الأرض التي تحكم عليها، والشعب الذي يؤمن بك ويجاهد من أجلك، فما الذي تملكه من مقومات إعلان الدولة بعد ذلك. ثم إن تكرار الإعلان عن مواعيد لإعلان الدولة ثم سحبها هو أمر بكل تأكيد يضعف من جدية الفكرة والقرار، ويحولها عند الأطراف جميعاً الى مجرد لعب بورقة ضغط سخفية، تتحول بمرور الوقت الى ورقة ضغط على السلطة الفلسطينية ذاتها. محمد السيد سعيد نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية هناك ما هو أهم الآن من "إعلان سيادة الدولة الفلسطينية على الأرض"، وهو العمل من أجل بناء دولة حقيقية على أسس عصرية، وأن يتوج هذا العمل بحصول تلك الدولة على عضوية الأممالمتحدة، أما الطرح الراهن، فيشبه وضع العربة أمام الحصان. ويبقى الأصل في هذه المسألة هو أن تستعاد الأرض وتبنى عليها دولة نزيهة يتم إعلانها من خلال اتفاق شامل. إعلان الدولة يعرض الفلسطينيين الى الإجراءات الانتقامية من جانب إسرائيل والولايات المتحدة وأبسط تلك الإجراءات يتمثل في أن تستخدم واشنطن حق النقض الفيتو لمنع انضمام تلك الدولة الى الأممالمتحدة، علماً أن هناك دولاً كثيرة تعترف بالدولة الفلسطينية منذ إعلانها في الجزائر في 1988. ومن ثم فإن الإعلان الجديد لا يحمل للفلسطينيين مكسباً محدداً في هذا الإطار، فضلاً عن أنه سيمثل انقطاعاً مهماً في العملية الفعلية لبناء الدولة من حيث الحركية داخل الأراضي وخارجها، فإسرائيل تسيطر عملياً على كل المنافذ، وستقوم من جانبها بتجميد الاتفاقات. محمود المبارك استاذ القانون الدولي المساعد في جامعة الملك فيصل لا أظن أن القيادة الفلسطينية تجرؤ على اعلان دولتها المستقلة لسببين: الأول، ان الرحلة التي قام بها عرفات إلى مشارق الأرض ومغارتها لم يكتب لها التوفيق في الحصول على رأي جامع يؤيده في ذلك، بل ان كثيراً من المسؤولين الذين قابلهم عرفات في رحلته تلك أبانوا بوضوح عدم مؤازرتهم لهذه الفكرة خوفاً على عملية السلام. السبب الثاني، أن عرفات يعرف حق المعرفة مدى صدقية التهديدات الاسرائيلية بنسف عملية السلام وضم ما بقي من الأراضي العربية تحت سيطرتها اذا ما قامت السلطة الفلسطينية منفردة باعلان دولتها والمثل العربي يقول "لا تخاصم من اذا قال فعل". خالد الدخيل كاتب سعودي اعلان الدولة حق من حقوق السيادة، وبالتالي غير خاضع للتفاوض. هذا ما تقول به القيادة الفلسطينية. اذاً تأجيل اعلان الدولة الفلسطينية الى ما بعد 13 أيلول سبتمبر 2000 أمر لا ينبغي القبول به إلا مقابل التزامات أو تنازلات من الطرف الإسرائيلي. التزامات واضحة ومحددة، ويتم الوفاء بها خلال فترة زمنية محددة مثل ايقاف الاستيطان ومصادرة الأراضي أو تنازل اسرائيل في موضوع القدس، أو اللاجئين، أو حدود الدولة، أو كل ذلك معاً. تأجيل اعلان الدولة يعتبر تنازلاً عن حق سيادي وبالتالي لا بد ان يكون له مقابل مساوٍ له في الوزن والأهمية. هذا من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية فإن القيادة الفلسطينية جعلت من مسألة اعلان الدولة موضوعاً اجرائياً قابلاً للتداول العلني والأخذ والعطاء، وذلك من زاوية واحدة فقط، وهي زاوية تأثيره على مسيرة العملية السلمية. والمقصود بهذا التأثير هو مدى قبول اسرائيل بفكرة اعلان الدولة وموافقتها عليه. ولم تكتف القيادة الفلسطينية، بذلك بل رهنت قرارها حول هذا الموضوع بمواقف أطراف أخرى، خصوصاً الأطراف الدولية في آسيا وأوروبا، لذلك جاء تأجيل اعلان الدولة كما قال بذلك أكثر من قيادي فلسطيني، آخرهم فاروق القدومي، من دون أي مقابل. قد يقال ان اعلان الدولة الفلسطينية لا بد ان يكون خاضعاً من الأساس للتفاوض والأخذ والعطاء. لأن هذا الاعلان لن يأتي نتيجة لعملية تحرير، وانما نتيجة لمفاوضات تشمل أطرافاً عدة دولية واقليمية، الطرف الفلسطيني هو الأضعف من بينها. على هذا الأساس فإن اعلان الدولة ليس رهناً بالارادة والمصلحة الفلسطينيتين فقط. لقد أصبح مرتبطاً كذلك بمصالح الأطراف المعنية في عملية السلام وبتوازنات القوة بين هذه الأطراف. هذا صحيح، لكن طبيعة عملية السلام، وتشابك المصالح بين أطرافها يسمح للفلسطينيين بالتمسك بالمرجعية القانونية الدولية لهذه العملية. وهذه المرجعية تؤكد على ان اعلان الدولة الفلسطينية حق سيادي مشروع للشعب الفلسطيني. وعليه كان المفترض ان يتمسك الطرف الفلسطيني بتاريخ اعلان الدولة كما حددته اتفاقيات المرحلة الانتقالية، وأن يأتي طلب التأجيل من الطرف الاسرائيلي الرافض للاعلان. بعد ذلك تبدأ المفاوضات حول مبررات التأجيل. وبما ان التأجيل هو تنازل عن حق سيادي، فإن المفاوضات لا بد ان تشمل المقابل لمثل هذا التنازل. بدلاً من ذلك ذهبت القيادة الفلسطينية الى استئناس مواقف الآخرين حيال هذا الموضوع، الأمر الذي ترتب عليه ان قرار هذه القيادة في موضوع خطير مثل "اعلان الدولة" ارتهن لنتيجة مشاوراتها مع الدول الأخرى، خصوصاً الدول غير العربية. وهذا التصرف يوحي أن القيادة الفلسطينية تفتقد الى المصداقية ولإلتزام بما تقول هي أنه حق من حقوق شعبها التاريخية والقانونية. ناصر محمد العثمان صحافي وكاتب قطري اعلان الدولة الفلسطينية ليس انسياقاً وراء العاطفة، ولا شعاراً يرفع، ولا هو تحد لواقع تيار قوي عات، بل ان مثل هذا الاعلان يجب ان تتوافر له شروط عدة - بل قائمة من الشروط- أهمها وجود الأرضية الصلبة التي تضمن نجاح هذا الاعلان والاعتراف به اقليمياً ودولياً، وضمان عدم انتكاسته. واذا ما كان اعلان الدولة الفلسطينية هدفاً وأملاً لنا جميعاً، فإن الظروف المحيطة... في رأيي - لا تسمح بتوقيته في الموعد الذي حدد له لكون اسرائيل والولايات المتحدة ترفضان ذلك من موقع القوة - وللأسف -، وكذلك لكون الموقف الفلسطيني هو الأضعف، انه لا يجد الدعم العربي الكافي، حتى وان جاءت البيانات العربية - وآخرها قرارات مؤتمر وزراء الخارجية العرب - مؤيدة للموقف الفلسطيني، فإننا نعلم ان هذا التأييد يصاغ بعبارات فضفاضة تظهر ان بعض العرب يعلنون غير ما يبطنون، ويحسبون حسابات "الارادة" الأميركية بأكثر من الحسابات القومية والحقوق المشروعة. والمفاوض الفلسطيني اليوم أمام خيارين: الأول: اعلان الدولة وليكن ما يكون... و"ليرضى من يرضى، ومن لا يرضى فليشرب من البحر" - بحسب تعبير الرئيس ياسر عرفات - وفي هذا ما فيه من نتائج خطيرة قد تصل الى ان تجتاح اسرائيل أراضي السلطة الفلسطينية وتعيد احتلالها، وهي التي ستقول حينئذ "من لا يرضى فليشرب من البحر"... وما أكثر الذين سيشربون منه؟! والخيار الثاني هو التأني في اعلانها ومواصلة المفاوضات المضنية والعسيرة - خصوصاً حول القدس - حتى يتم الوصول الى صيغة تهيئ الظروف لإعلان فاعل للدولة الفلسطينية يكون مقبولاً من اسرائيل والولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية، وبالتالي المجموعة العربية. واذا ما كان المفاوض الفلسطيني اتبع مبدأ خذ وطالب طوال السنوات الماضية، فإنه وصل الآن الى مرحلة الاصرار على المطالبة فقط في مسائل ثلاث: عودة القدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية وتحت سيادتها، وعودة اللاجئين، وحل موضوع المستوطنات الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وليس امام الفلسطينيين خيارات حول هذه الأمور الثلاثة، لأن التفريط في أي منها، وخصوصاً القدس، يعني قيام دولة منقوصة. وعليه فإن الأجدى والأوفق هو تأجيل الاعلان بعض الوقت الى ان يتم التوصل الى حلول مرضية ومقنعة، واذا ما لم يتم التمكن من ذلك بسبب التعنت الاسرائيلي والانحياز الأميركي الكامل لهذا التعنت، فإنه حينئذ ليس امام الفلسطينيين سوى إعلان الدولة بعد الاستعداد لمواجهة أسوأ الاحتمالات، والأخذ بالكفاح المسلح الذي سيجد ولا شك دعماً كبيراً في الشارع العربي والاسلامي. محمد صالح المسفر استاذ في جامعة قطر في الحياة الدولية يوجد بعض الدول تتمتع بالسيادة كصفة قانونية مع عدم كونه سيداً بالمفهوم السياسي وذلك حال الدول التي تتمتع بالاستقلال القانوني نتيجة الاعتراف بها من قبل بعض الدول أعضاء المجتمع الدولي. وعلى أثر ذلك تتبادل معها التمثيل الدبلوماسي وتصبح عضواً في المنظمات الدولية، ولكنها على رغم ذلك لا تمتلك القدرة الفعلية على تحقيق ذاتها كاملة في مجال علاقات القوى، ومن هنا تصحب مستقلة قانوناً لكنها فاقدة للاستقلال السياسي... انها تستطيع ممارسة سيادتها القانونية، لكنها لا تملك السيادة بمدلولها السياسي، أي انها لا تمتلك القدرة الفعلية على فرض ارادتها على غيرها تحقيقاً لمصالحها الوطنية والقومية، انها الدولة العملية للدولة أو لمجموعة الدول التي ستمنحها شرعية قيام الدولة، حال الدولة الفلسطينية في ظل الهيمنة الاسرائيلية. لو ألقينا النظر على خريطة فلسطين وتحديداً الجزء المحتل منذ عام 1967 لوجدناها تشبه الانسان الذي أكل الجدري منه الوجه والمعصم، بفعل انتشار المستوطنات اليهودية كبيرها وصغيرها والتي ترتبط بطرق تشبه شرايين الجسم بكل احجامها وتقاطعاتها، يسير عليها مجندون ومستوطنون مسلحون لهم الحق في توقيف ومساءلة كل عابر، ولن يكون لسكان القرى الفلسطينية الحق في متابعة أغنامهم اينما اتجهت بحثاً عن الحلأ الا بموافقة اسرائيلية لكنها موافقة غير واردة. لست من دعاة قيام الدولة الفلسطينية في هذه الظروف فالسلطة الفلسطينية تحتاج الى تأهيل سياسي في الداخل... تحتاج الى القضاء على الفساد والتعديات على المال العام، تحتاج الى تحقيق الانسجام الاجتماعي بين القيادة والقاعدة الشعبية، تحتاج الى ممارسة الديموقراطية والسماح للمواطن الفلسطيني بممارسة حرية التعبير. نريد قيادة تهتم بالجوهر لا بالشكل، ونريد دولة تشد ازر الصديق لا تكون عبء عليه ونريدها منتجة لا متسولة. بكل الموازين والحقائق... موعد اعلان الدولة الفلسطينية لم يحن بعد.