يصعب تصوّر ظروف افضل لعقد مؤتمر في قلب اوروبا الصناعية حول "الطاقة البديلة" للبترول في القرن الحادي والعشرين وتحديداً الهيدروجين. ولم يفت الصحافة الالمانية، وخصوصاً "دير شبيغل" لحظ مصادفة عقد "الملتقى الاول حول الطاقة الهيدروجينية 2000" في ميونيخ، تحت الظل الشديد الوطأة للأزمة الحالية في سوق النفط، وادى ارتفاع الاسعار ونقص البنزين في المحطات وارتفاع حدة النقاش السياسي، الى بعث ملامح ازمة الطاقة والبترودولار التي اعقبت حرب تشرين الاول اكتوبر 1973. وفي ثلاثين عاماً، تغيّرت اشياء كثيرة ربما كان اهمها بروز الهمّ البيئي كبعد اساسي في النقاش السياسي - الاقتصادي حول الطاقة. وعلى رغم تفاوت وتضارب الآراء حول البيئة ومتغيّراتها، يقوم شبه اتفاق على الدور الذي لعبه الاستخدام المتوسع والانفجاري للنفط، في الصناعة والمواصلات الفردية والعامة على حدّ واحد وسواء، التلوث الهوائي وبروز ظاهرة "اثر البيت الزجاجي". ومنذ الازمة النفطية الاولى عام 1973 تغيّر الاقتصاد الدولي وآليات صنع السياسة وقيادة الاجتماع. وفي ما تستحضر ازمة ما بعد تشرين في صور قادة الدول، فان الزمام آل الى الشركات العملاقة في ظل العولمة. وفي قاعة رقص الأميرات من فندق "بايريشيروف" في ميونيخ، الذي كان قصراً لسلالات الملكية الحاكمة في بافاريا، التقى اول من امس ممثلو الشركات المعولمة والعلماء واداريو المنظمات المنبثقة عن الاممالمتحدة، خصوصاً "وكالة الطاقة الدولية"، وممثلو السياسة في المانيا، ضمن مؤتمر رعاه رسمياً المستشار الالماني غيرهارد شرودر رئيس المفوضية الاوروبية رومانو برودي، وادارته شركة "بي. ام. دبليو" الشهيرة في صناعة السيارات. وتتجاذب الابحاث العلمية والتطبيقية حول استخدام الهيدروجين وجهتان اساسيتان، تذهب احداهما صوب التركيز على صناعة "خلايا الوقود" Fuel Cells حيث يحل الهيدروجين Liquid Hydrogen محل المواد الكيماوية التي تستعمل في البطاريات ما يؤدي الى طاقة كهربائية وافرة وطويلة. وتصرّ الوجهة الثانية على استعمال الهيدروجين السائل، القابل للاستخراج من الماء، كوقود يصبّ مباشرة في محركات خاصة تحرقه وتحوّله الى طاقة تدير الآلات المختلفة، بدءاً من محطات الكهرباء والمصانع وصولاً الى السيّارة الفردية. وتجاذبت المقولات السياسية رؤية يسارية، عبر عنها وزير الطاقة الالماني فيرنر مولر، تعطي الاولوية لخفض انبعاث العوادم، واتباع طرق عيش اقل تبديداً للمصادر الاولية، غير القابلة للتجدد في الطبيعة بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي. ورأى الوزير الالماني ان مبادرة "اوبك" في تشجيع خفض سعر النفط عبر الاعلان عن زيادة الانتاج، مشجعة وواقعية، ونوّه الى كون النفط سلعة ثمينة بالفعل. وان الانخفاض في سعر النفط ينعكس سلباً على اقتصادات الدول النفطية وهو عنصر لا يتم التشديد عليه في النقاشات الاوروبية، على قول الوزير فولر. وبدا وزير الدولة لولاية بافاريا المعروفة بثرائها وغلبة الطابع اليميني على الاتجاهات السياسية فيها، غير مبال تماماً بالنمو في دول انتاج النفط ولا بما يحدثه انخفاض اسعار النفط من ارباكات ومشاكل لدى تلك الشعوب.