مثلما وَعَدَ اللّهُ أبناءَهُ الطيبينْ ربطنا إلى البحرِ أَعناقنا ومضيْنا كنتِ قربي تنامينْ قبل اندلاع الضياءِ على الماءْ وربّ البحار يلوح ويخبو مثل لؤلؤةٍ فوق موجٍ بعيدْ غَسَقٌ هادئٌ يحلّق فوق السفينهْ وأعرافُ بيضاءُ من زَبَدٍ كالمناقيرِ تنقر أطراف رجليكِ أو يرتمي ريشُها فوق عينيكِ حيث تغفو الرياح على الزرقة النائيهْ واقفاً بين بحرينِ يمتزجان أراقبُ ما سكب الله على فضّة الجَسَدِ المشتهى من دموعِ السماءْ وألمسُ أغصانَ شعرِكِ وهي مرخيّةٌ كالجُمانِ على جَرْفِ نهديكِ حيثُ يحتشد السمك الدائخُ والأفعوانْ وتعوي ذئابُ البحار طويلاً أنا والبحرُ: أُقْبِلُ محتشداً بطيوري وألويتي وارتعاشي وكالبحرِ أطوي فراشي على ساعديكِ اللّذينِ كسيفينِ يقتسمانِ الزمانْ أنا والبحرُ في شَرَكِ الحبّ مشتبكانْ وجسمْكِ في نشوة الماءِ يعلو ويهبطْ حتّى كأنّ السفينةَ أَوْجَعَها ما تأجّج من نارها فاستوتْ كالدخانِ على ذروة الموجِ ومدّت يديها الى وجهِ "ثاسوس" 1: تعالَيْ إلينا فقد وصلت سفينتُنا وانتهيْنا الى هدأةِ البرّ وكانت تغنّي نساء المدينةِ بين يدينا: "حَمَل السفينةَ طائرٌ ومَشَتْ بموكبها الرياحُ وتراكَضَتْ فوق السفينةِ غيمةٌ بيضاء ينشرها الصباحُ لو كان موجُ البحرِ يعلم ما يُقِلُّ دَنا وقَرَّ بهِ الجناحُ وتراجَعَ المدُّ العظيمُ كأنّهُ جَبَلٌ وتصقُلهُ الجراحُ يا أيها البدر الذي قَسَمَ المياهَ فنصفُها كأسٌ ونصفُ النصفِ راحُ رَحَلوا على متنِ السفينةِ ثم عادوا في نداء البرّ فانتبهوا فراحوا وأتوا ليكتملَ الزمانُ كأنّهُ دورٌ يدورُ ويسكت النبأ المباحُ" ... وحين وطئنا الحصى فاضَ ماءُ اليانبيع من لذّة الوصلِ والمرمرُ المترسّبُ في أصلِهِ فرَّ حتى ارتمى تحت قبّتنا الساحرهْ شَجَرٌ داكنٌ يعرّشُ فوق المكانْ ويستر ما يكشف الجسدانِ من العشقِ أوتخطف الشفتانْ من ثمارِ الإله العظيمِ التي نزلت نحونا من أعالي الشَجَرْ اتكأْنا على وَجْدِنا وشربنا ونمنا طويلاً وها إنّ ألفاً من السنواتِ تمرُّ علينا ونحن على الرملِ متكئانْ فكم وقتُكِ الآنَ يا أرضَ ثاسوسْ؟ المياهُ تخورُ كثورٍ جريحْ وما بين بحرين أرحل وحدي 1 ثاسوس THASSOS إحدى الجزر اليونانية في البحر المتوسّط، ومشاهدها الطبيعية شبيهة بمشاهد الجنّة كما وردت في الكتب المقدسة.