ما أن خرج الجانبان المصري والاميركي من أزمة حتى دخلا في أخرى. فبعد يوم على حلحلة قضية رئيس "مركز ابن خلدون للدراسات الانمائية" الدكتور سعد الدين ابراهيم الذي اطلق بكفالة على ذمة القضية متهم فيها وآخرون من الباحثين والمتعاملين مع المركز، وهو أمر ظل الاميركيون يلحون عليه منذ تفجر القضية مطلع الشهر الماضي، بدا أن "تقرير الحقائق" حول كارثة سقوط طائرة شركة "مصر للطيران" قبالة السواحل الشرقية الاميركية نهاية تشرين الاول اكتوبر الماضي الذي أعلن أمس لم يرض المصريين. وعلى رغم ان التقرير لم يتضمن أي تفسيرات او تحليلات أو رصد لأسباب الكارثة، إلا أن ترحيل الفصل في القضية الى شهر تشرين الثاني نوفمبر المقبل اثار حفيظة اعضاء وفد مصري رفيع المستوى حضر المؤتمر الذي تحدث فيه رئيس مجلس سلامة النقل الاميركي جيم هول، وأوضح أن تقرير الحقائق الذي يقع في 1665 صفحة وتضمن عرضاً من جانب من تعاطوا مع الحادثة في شأن الطائرة واجهزة القوة والدفع فيها وتقارير الصيانة والسيطرة الجوية والمراقبة الجوية والاداء البشري للطاقم والظروف الملاحية والمناخية عند وقوع الكارثة لا يتضمن "اي مسائل لم يبت فيها تتعلق بالسلامة" على رغم تأكيدات "مصر للطيران" لاحتمال حدوث عطل في الطائرة. وأكد هول انه "لم يتم تحديد اي شيء" في ما يتعلق بسبب تحطم الطائرة، ما دفع ممثل الجانب المصري في التحقيقات الى المطالبة اثناء المؤتمر السيد محسن المسيري باجراء مزيد من التحقيقات حول نقطتين، تتعلق الاولى بالمراقبة الجوية من جانب مطار نيويورك قبل الحادث وأثناءه، والثانية بأداء أجهزة الرادارات. وفُسر كلام المسيري بأنه يعني "ان المشكلة لدى الاميركيين"، وان "عليهم أن يضعوا حداً لها". وقال خبير مصري في الطيران ل "الحياة" إن المسيري "اراد التأكيد على ان وجهة النظر المصرية القائلة بأن الطائرة قد تكون تعرضت لصاروخ أصاب مجموعة الذيل فيها لا تزال قائمة"، مشيراً الى أن الجانب المصري "لم يكن راضياً عن خلو التقرير من تحديد الاسباب الحقيقية للكارثة وتأجيل الأمر لفترة طويلة"، وكان المسيري دان بشدة تسريبات نسبتها وسائل الاعلام الى محققين أميركيين في المراحل الاولى للتحقيق، وكذلك التلميحات الى تورط مساعد قائد الطائرة جميل البطوطي في إسقاطها عمداً. ورد هول بالإعلان عن اجراء تحقيقات في كيفية خروج التسريبات. وكانت الحكومة المصرية تحسبت لخروج التقرير بنتائج في غير صالحها، فأرسلت وفداً رفيع المستوى لحضور إعلان التقرير ضم وزير النقل الدكتور ابراهيم الدميري ورئيس هيئة الطيران المدني السيد عبدالفتاح كاطو ورئيس شركة "مصر للطيران" المهندس محمد فهيم ريان ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات السيد نبيل عثمان. وفسر مراقبون التأجيل بأنه "يعود لأسباب سياسية" على خلفية الازمة المصرية - الاميركية الاخيرة التي كانت قضية ابراهيم أحد عناصرها والحملات الاعلامية المتبادلة أحد نتائجها. لكنهم اعتبروا ان الاميركيين "رغبوا في هدنة الى حين بلورة مواقف مصرية رسمية في قضية ابراهيم التي لا تزال التحقيقات جارية فيها وكذلك أمور سياسية تتعلق بملف عملية السلام في الشرق الاوسط". وأكدت مصادر في شركة "مصر للطيران" ان التأجيل "يضر بأسر الشهداء من ضحايا الكارثة"، واستغربت عدم التوصل الى نتائج نهائية على رغم أن كل الحقائق سارت معلومة للجميع. ورغم إشارات أميركية لتجاوز الأزمة مع مصر، إلا أن القاهرة تخشى استغلال قضية الطائرة كورقة سياسية عن طريق ابقاء الايحاءات بتورط البطوطي قائمة، واعتبروا ان ما نشر في صحيفة "يو اس توداي" أمس حول تحقيقات جرت مع البطوطي في نيويورك بزعم تعريته وملاحقته النساء يصب في ذلك الاتجاه. من جهة أخرى أكد الدكتور سعد الدين ابراهيم انه سيبدأ في غضون أيام نشاطه بشكل طبيعي وسيواصل جهوده في الملفات التي كان يقوم بها قبل قيام السلطات في مطلع الشهر الماضي بالقبض عليه. وسألته "الحياة" هل سيقوم بمراقبة الانتخابات البرلمانية المقرر اجراؤها في تشرين الثاني نوفمبر المقبل، فقال: "لن أتراجع عن أي نشاط كنت أعتزم الخوض فيه قبل القضية، لأن جهودي في مجال المجتمع المدني وحقوق الانسان والديموقراطية مبدئية"، وأوضح أنه سيقدم طلباً الى النيابة لاسترداد المركز الذي يخضع حالياً للتحفظ. واضاف: "لا أدري ما جرى في المركز بعدما دهمه رجال الامن وحصلوا منه على آلاف الاوراق، وربما يحتاج الأمر الى بعض الوقت حتى يعود الى طبيعته". وكشف ابراهيم أن المؤتمر الذي نظمته "كلية الدفاع الوطني" التابعة للبنتاغون 1994 وكانت مشاركته فيه سبباً في أن يواجه تهمة التخابر مع الولاياتالمتحدة اثناء تحقيقات نيابة أمن الدولة معه حضره ثلاثة خبراء أمنيون مصريون يعملون في جهاز أمني كبير. وقال: "هؤلاء ذهبوا وعادوا معي على الطائرة نفسها وشاركوا مثل بقية الشخصيات العامة الاخرى التي شاركت في المؤتمر".