تساؤل صحف المعارضة المصرية أمس عن: "أيهما نصدق؟" يعكس حجم الخلاف بين الموقفين المصري والاميركي من قضية التحقيقات التي تجرى في شأن كارثة طائرة شركة "مصر للطيران" التي تحطمت نهاية الشهر الماضي قبالة السواحل الشرقية للولايات المتحدة. والتساؤل فرضته التصريحات التي ادلى بها وزير النقل الدكتور ابراهيم الدميري أمام عدد من النواب الأعضاء في لجنة فرعية في مجلس الشعب البرلمان وذكر فيه ان الرئيس حسني مبارك تدخل لمنع إحالة قضية الطائرة المنكوبة على مكتب التحقيقات الفيديرالي الأميركي، ونفي البيت الابيض بعد ساعات قليلة من تصريحات الوزير اجراء اتصالات هاتفية او تبادل رسائل بين الرئيسين المصري والاميركي. ويبدو أن الخلاف المصري - الاميركي لا يقف فقط عند حد "تباين الثقافات" الذي جعل الاميركيين يترجمون عبارة "توكلتُ على الله" التي نطق بها مساعد قائد طائرة شركة "مصر للطيران" جميل البطوطي على انها دليل على إقدامه على الانتحار. وأظهر التطور الاخير أن الخلاف عميق ويتخطى ما هو ثقافي او سوء فهم الى ما هو أمر سياسي. والذين طالعوا الصحف الصادرة يوم الاربعاء الماضي قرأوا فيها "ان كلينتون اتصل بمبارك وناقشا الامر" ولم يصدر بعدها أي تكذيب للأمر. المؤكد ان ما يجري في الخفاء في شأن قضية الطائرة يفوق ما هو معلن. غير ان السلوك الاميركي الاخير عكس اتساع الهوة بين الطريقة التي يتعاطى بها كل طرف مع القضية. فالمصريون على المستوى الشعبي ما زالوا يعتقدون ان تسريب المعلومات في شأن ما جاء من عبارات على لسان افراد الطاقم على الشريط الاسود الثاني "تم بمعرفة مسؤولين اميركيين" بغض النظر عن التحليلات التي غلفت بها وسائل الاعلام الاميركية تلك المعلومات وصبت كلها في اتجاه ادانة الطاقم وتحميله مسؤولية الكارثة. وعلى رغم ان الجانبين لم يخفيا ان تأجيل وليس الغاء احالة القضية على "مكتب التحقيقات الفيديرالي" تم بطلب مصري، الا ان الاحاديث الاميركية عن قصص الانتحار أو أخطاء الطاقم تركت جرحاً لدى المصريين على المستويين الرسمي والشعبي لم يكن من السهل علاجه سريعاً. وسواء كان الاتصال بين الرئيسين المصري والاميركي جرى او لم يحدث أصلاً فإن الازمة التي تفجرت بسبب، التسريبات" جعلت كلا الجانبين اكثر حرصاً على تفادي الوقوع في اخطاء اخرى قبل الانتهاء من التحقيقات التي دخل فيها المصريون كطرف مشارك بعدما كانوا في البداية مجرد مراقبين لما يقوم به الاميركيون. ومن المرجح أن يكون الاميركيون اعتبروا كلام الدميري خرقاً لما اتفق عليه على رغم ان الرجل لم يتطرق ابدا الى سير التحقيقات او المعلومات المسجلة على الشريط الاسود الاول والاصوات المسجلة على الشريط الثاني. وليس سراً ان الخلافات في المواقف السياسية بين البلدين جعلت الرسم البياني للعلاقة بينهما في الفترة الاخيرة في صعود وهبوط. فالملفات المصرية مع السودان وايران والعراق والموقف المصري من مفاوضات عملية السلام وآخرها غياب الرئيس مبارك عن قمة اوسلو لا ترضي الاميركيين. والشارع المصري يغلي من كل ما هو اميركي وجاءت كارثة الطائرة لتجعل الغليان يكاد يصل الى اقصى مدى في حين يلتزم الرسميون "ضبط نفس" تفرضه الظروف والمصلحة العليا. ولوحظ أن وزير الخارجية المصري عمرو موسى أكد قبل صدور النفي الاميركي "ان مصر ما زالت تعمل مع الجانب الاميركي". واكثر ما يتضمنه تصريح موسى من اشارات هو قوله "إن المسؤولين المصريين لم يبدوا أي تحفظ على أي نتائج"، وانه "كان هناك في لحظة ما شعور بالغضب ازاء بعض الاحداث المتعلقة بالتحقيقات، الا ان هذا تم احتواؤه بالعمل المشترك". وكان تحذير موسى منصبّاً على عدم الخلط السلبي للاوراق، كابحاً بذلك السرعة القياسية في ما يمكن اعتباره تدهوراً في شعبية العلاقات بين البلدين، والتي باتت ترى في الحلم الأميركي كابوساً. وتبقى الاشارة الى ان وكالة انباء الشرق الاوسط بثت حديث الدميري في البرلمان من دون الاشارة الى العبارة التي احدثت المشكلة، في حين اعتبرت الصحف القومية ان النفي الاميركي صدر رداً على تقارير صحافية اميركية "زعمت ان تأجيل إحالة قضية الطائرة على مكتب التحقيقات الفيديرالي تم بناء على اتصال بين مبارك وكلينتون".