سيظل يوم 5 تموز يوليو 1997 نقطة فاصلة في تاريخ الحركات الاصولية الراديكالية في مصر. فهو اليوم الذي حدث فيه أهم تحول في أفكار تلك الحركات منذ بروزها في منتصف السبعينات، ومروراً بحوادث العنف الدامية التي نفذتها في بداية الثمانينات، وعلى رأسها عملية اغتيال الرئيس أنور السادات وانتهاء بصدامها شبه اليومي مع السلطات من ربيع 1992 وحتى نهاية 1997. ومن المؤكد أن حال الهدوء التي تسود البلاد منذ مجزرة الأقصر في تشرين الثاني نوفمبر 1997 لها أسباب عدة، بينها الظروف الدولية والاقليمية التي افرزت "عولمة أمنية" أطاحت قواعد الاصوليين العرب عموماً والمصريين خصوصاً في مناطق عدة. كما ان التعاطي الامني المصري مع قضية الاصوليين اختلف بدرجة كبيرة عن الاساليب التي اتبعتها الشرطة المصرية في معالجة القضية خلال سنوات العنف الدامي. لكن المؤكد أيضاً أن المبادرة السلمية التي أطلقها القادة التاريخيون لتنظيم "الجماعة الإسلامية" الذين يقضون عقوبة السجن في قضية اغتيال السادات ستظل أحد الأركان الرئيسية التي يستند إليها ذلك الهدوء. فقبل ثلاث سنوات، واثناء محاكمة عناصر في التنظيم أمام محكمة عسكرية، فاجأ المتهم محمد عبدالعليم الحضور بتلاوة بيان وقعه اعضاء "مجلس شورى الجماعة الإسلامية" داخل سجن ليمان طرة أعلنوا فيه وقف العمليات المسلحة من جانب واحد بعد ما رأوا أن الظروف توجب ذلك. صبت ردود الفعل من جانب قادة الخارج في اتجاه التشكيك في صدقية المبادرة وتحدثوا عن ضغوط مورست على زملائهم السجناء دفعتهم الى التوقيع على البيان، لكن مع توالي جلسات المحاكمة كان المتهم عبدالعليم يطرح جديداً وأدلة على أن القادة السجناء اقتنعوا بما اقدموا عليه. وظل الخلاف على المبادرة قائماً إلى أن وقعت مجزرة الأقصر وما ترتب عليها من ردود سلبية أضرت بسمعة الجماعة. فانقسم قادة الخارج الى فريقين الأول تزعمه المسؤول الإعلامي في التنظيم اسامة رشدي المقيم في هولندا، والذي اصدر بياناً اعتذر فيه باسم الجماعة عن العملية وأكد أن منفذيها لم يحصلوا على أمر بتنفيذها، والثاني تزعمه القيادي المتشدد رفاعي أحمد طه الذي كان يشغل وقتها موقع "مسؤول مجلس الشورى" وتبنى باسم التنظيم العملية، مؤكدا أنها تمت بناء على توجيهات. ودخل رشدي وطه في صدام إعلامي استمر فترة حتى حصل فريق الاصلاحيين على دعم قوي من الزعيم الروحي للجماعة الدكتور عمر عبدالرحمن الذي اصدر بياناً من داخل سجنه الاميركي يؤيد فيه المبادرة، فخرج مجلس شورى التنظيم في شباط فبراير 1998 ببيان أعلن فيه تجاوز الخلاف بين رشدي وطه، وأن قادة الخارج يدرسون التعاطي بإيجابية مع مبادرة القادة السجناء بعدما ايقنوا أنها صدرت عنهم بالفعل. ومن وقتها لم يطلق أي من عناصر التنظيم رصاصة واحدة. وفي المقابل اعتمدت أجهزة الأمن المصرية سياسة جديدة تقوم على عدم استفزاز الاصوليين تضمنت اطلاق أعداد منهم كل فترة وتحسين أحوال السجون وفتح الزيارات التي كانت ممنوعة لفترة ووقف حملات الاعتقال العشوائي فجاء "قرار وقف العمليات المسلحة داخل وخارج مصر" الذي اصدره التنظيم بشكل رسمي في آذار مارس 1999 ليزيد حال الهدوء رسوخاً. ورغم أن القادة السجناء اطلقوا مبادرتهم من جانب واحد تفادياً لإحراج الحكومة إلا أن السلطات استمرت على نهجها الجديد في معالجة قضية الاصوليين في هدوء وبعيداً عن القضايا الوهمية التي كانت تثار قبل مجزرة الأقصر للإيعاز بأن أجهزة الأمن تؤدي عملها بكفاءة. واللافت أن الذكرى الثالثة للمبادرة أتت بعد أيام قليلة من جدل اثير في شأن مستقبلها بعدما سحب الشيخ عبدالرحمن تأييده لها. وتفجرالخلاف بين الاصلاحيين والمتشددين من قادة الجماعة في شأن تأثير الموقف الجديد لزعيم الجماعة على قرار وقف العمليات. لكن الثابت أن الجهة المناط بها اتخاذ القرارات في التنظيم تقف في صف الاستمرار في النهج السلمي. فمجلس الشورى وعلى رأسه القيادي البارز مصطفى حمزة والقادة السجناء اكدوا أن عبدالرحمن طرح رأيا ولم يتخذ قراراً وأعربوا عن أملهم في أن تغيير الشيخ رأيه بعدما يطلع على تقويم للمبادرة أعده أحد مؤسسي الجماعة المهندس صلاح هاشم وأرسله إليه وشددوا على أن التحول السلمي "خيار استراتيجي" وليس "تكتيكاً مرحلياً". وفي المقابل اعتبر طه أن موقف الشيخ يستوجب التراجع عن النهج السلمي.