عقد رئيس المفوضية الأوروبية رومانو برودي في باريس امس لقاءين منفردين مع كل من الرئيس الفرنسي جاك شيراك ورئيس الحكومة ليونيل جوسبان، على هامش ندوة العمل التي استضافتها العاصمة الفرنسية بين اعضاء المفوضية الأوروبية واعضاء الحكومة الفرنسية، غداة انتقال رئاسة الاتحاد الأوروبي من البرتغال الى فرنسا السبت الماضي. وتهدف هذه الندوة للاعداد للمهمة الملقاة على عاتق الرئاسة الفرنسية للاتحاد خلال الأشهر الستة المقبلة، وهي اصلاح المؤسسات الأوروبية واضفاء المزيد من الفاعلية على أدائها، استعداداً لتوسيع الاتحاد. وكان شيراك استبق تسلم بلاده لرئاسة الاتحاد، وقدم في خطاب ألقاه امام البرلمان الألماني في برلين سلسلة اقتراحات تتناول مستقبل أوروبا وتطورها، داعياً الى تعميق التعاون السياسي بين الدول الأوروبية الراغبة بتسريع وتيرة اندماجها، والتي من شأنها ان تشكل "مجموعة رائدة" داخل الاتحاد. كما عرض شيراك ان يعقب القمة الأوروبية التي ستعقد في مدينة نيس الفرنسية، العمل على صياغة دستور أوروبي، يعرض على حكومات ومواطني الدول الاعضاء في الاتحاد لإقراره. وأثارت هذه الاقتراحات قلق برودي الذي رأى فيها نوعاً من الانتقاص لصلاحيات المفوضية الأوروبية، مما جعله يستغل ندوة العمل في باريس كمناسبة لاستيضاح شيراك حول تفاصيل ما طرحه. في الوقت ذاته فإن هذه الاقتراحات ذاتها قوبلت بالنقد، في أوساط الحكومة الفرنسية الاشتراكية، التي رأت فيها تجاوزاً وتسريعاً لا مبرر له حالياً لما هو مطلوب من فرنسا تحقيقه خلال رئاستها للاتحاد. وانضم رئيس الحكومة ليونيل جوسبان الى المنتقدين خلال لقاء عقده مع حوالى 400 من الشباب من الاحزاب اليسارية الأوروبية يوم السبت الماضي، بالقول انه ليس "في وارد الخوض منذ الآن بما ستكون عليه أوروبا خلال سنوات". وأضاف جوسبان انه سيحدد موقفه في هذا الشأن "عندما يحين الوقت"، وانه يفضل حالياً حصر اهتمامه بالمهمة التي تتولاها فرنسا في اطار رئاستها للاتحاد، اي اصلاح المؤسسات. وفيما يعتقد شيراك ان تعميق الصيغة الاتحادية الحالية وحده كفيل بالسماح لأوروبا بالتقدم، يعتبر جوسبان وأوساطه ان هذا الطرح كفيل بإغراق فرنسا وأوروبا في جدل وانقسامات، قد تعيق عملية اصلاح المؤسسات التي باتت ملحة. في الوقت نفسه، فإن هذا التباين في المواقف على صلة بالمزايدات الانتخابية المبكرة التي بدأت تبرز في فرنسا استعداداً لانتخابات الرئاسة سنة 2002. فحماس شيراك الأوروبي يستند الى استطلاع للرأي يؤكد ان 70 في المئة من الفرنسيين يؤيدون المزيد من الاندماج بين الدول الأوروبية، فيما جوسبان مضطر على هذا الصعيد الى مراعاة بعض مكونات قاعدته اليسارية التي لم تقتنع بعد بأن حسنات أوروبا تفوق بالفعل سيئاتها.