لن يكون، كامب ديفيد، المكان الأخير، للمفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية. ولكن الذهاب الى كامب ديفيد، مشوبٌ بالعاطفة الحارة، والمشاعر الساخنة، وأحياناً، بالرغبة، في الاستقياء، او الاستلقاء، والاستسلام لأحلام اليقظة، وكوابيسها. حق اللاجئين في الرجوع، موضوع مهم في المفاوضات، والشتات الفلسطيني، شاهد مؤلم على المأساة، وغياب العدالة ووطأة الظلم، والقهر. لكن، حق المفاوضات، والمفاوضين، في الاستكانة، والاستقرار في "المكان"، وإيداع حقائب السفر في الخِزانات، والأقبية، مَطْلَبٌ معقول، لكنه، شاهدٌ، أيضاً، على التشرّد والشتات والقلق الذي تعانيه المفاوضات، ويعانيه المفاوضون، ويضطرب له المتابعون والمشاهدون، ويفقدون القدرة على المتابعة والتركيز. تنقلت المفاوضات كثيراً. وحزم المفاوض الفلسطيني حقائبه وسافر الى مقاصد متناثرة. وخُتم الجواز الفلسطيني بأختام متعددة، وهو جواز متعدد الألوان، والهويات، لأننا لا نعرف الوضع القانوني الدولي، لجوازات السلطة الفلسطينية، بعد. داخل الأرض الفلسطينية تنقلت المفاوضات بين فنادق ومنتجعات ونقاط حدود وتماس، والمناطق "ألف" و"باء" و"جيم". وحول الأرض الفلسطينية، حدثت مناوشات تفاوضية في "طابا" و"العريش" و"شرم الشيخ" وشيء من الأردن. وتسلّل المفاوضون الى "أوسلو" وكوبنهاغن، وربما مناطق مستورة وغير مستورة في باريس وأثينا ولندن ومدن الشرق والغرب. وسافر المفاوضون الى منتجعات هادئة حالمة حول العاصمة الأميركية، وعقدوا اجتماعات في قاعدة جوية اميركية، وربما في صالات كبار الشخصيات في مطارات كثيرة، قريبة وبعيدة. شتات مستمر للشعب الفلسطيني في أقصى الأرض وأدناها. وشتات معبّر ذو دلالة، للمفاوضات الفلسطينية وللمفاوض الفلسطيني في أقصى الأرض وأوسطها وأدناها. المفاوض الفلسطيني يرحل كدرويش متجول باحثاً عن الحق، والنصير والقضية الفلسطينية ورقة في مهب الريح، تكاد تهوى، أحياناً، في مكان سحيق. يزحف الحق الفلسطيني في درب الآلام، على الخزف المتكسّر والزجاج المتناثر، فيقومون بتعليقه على صليب المصالح والمطامع، والوعود الكاذبة، والشعارات الزائفة، لكنهم لا يرحمونه، فيحددون له المكان والزمان، بل يستمرون في تغيير المواعيد، ويتسلون بتعليقه وتفكيكه، وسحله في شوارعهم، وشحنه في حاوياتهم، وشُرْب الأنخاب، والتلذذ بأكل لحمه مشوياً في منتجعاتهم الجميلة، وفنادقهم الفخمة. لن يكون كامب ديفيد - 2، آخر المحطات في رحلة التشرد الفلسطيني، ولن ينتهي زمان التشرُّد به، أو إليه. الحق الضائع، كائن مخمور، بنبيذ الظلم القاني، يترنّح يميناً وشمالاً، ويتشرد شرقاً وغرباً، ويسافر في المكان، ويطوي الزمان، ولن يستقر إلا على دوحة العدل والانصاف. وهكذا، كلّ المفاوضين، في سبيل حق ضائع.