لو كان الأمر يتعلق بميزان الأرباح، والخسائر، لكان الأفضل ألا ينعقد لقاء كامب ديفيد. ليس فقط للمكان وما يوحي به من تجربة سابقة أليمة في التاريخ العربي المعاصر والتي يحاول بعض الأوساط، الآن، اخترالها بالجانب الايجابي، أي باستعادة مصر لكافة أراضيها المحتلة عام 1967، متناسياً السلبيات الكثيرة، من كسر وحدة الموقف العربي، واضعاف الأطراف العربية الأخرى المحتلة أراضيها، وتكريس سابقة الاستفراد بكل طرف عربي على حدة، ولكن لأن ما يريده الاميركيون من اللقاء، وما يريده الاسرائيليون، الذين أصروا على عقده أكثر من أي طرف آخر، هو إرغام الفلسطينيين على خفض سقف مطالبهم ورؤيتهم لحقوقهم الوطنية الى ما دون ما تحدد في المجلس المركزي الأخير... وبكثير. كان واضحاً منذ البداية، ان الطرف الفلسطيني هو الذي سيتعرض للضغوط القصوى. وحتى يتجنب ان يقدم اكثر مما هو مستعد سلفاً لتقديمه، عمد ايهود باراك الى استثمار كامل لاشكالات ائتلافه الحكومي ووضعه في الكنيست، متحدثاً حتى عن أن أية قمة شبيهة مقبلة سيكون فيها في صف المعارضة وسيتعامل الفلسطينيون مع اليمين التوسعي، الذي يكشر، الآن في الكنيست كما في الشوارع، عن كل أنيابه الاستعمارية وكل عدائه للشعب الفلسطيني ولحقوقه الوطنية. وما يسهل الأمور لباراك كون الساحة الاميركية محكومة بالهاجس الانتخابي الداخلي، وهو الهاجس الأول، الآن، لدى الرئيس الاميركي وادارته، نظراً لأن مصير الحزب الديموقراطي وطاقمه الموجود في السلطة، كما قدرته على ردم الهوة المتزايدة، في استطلاعات الرأي بينه وبين منافسه الجمهوري، جورج بوش الإبن. وفي العادة، في الولاياتالمتحدة، فإن مراضاة اللوبي الصهيوني عشية الانتخابات ضرورة حيوية لأي مرشح، سواء للرئاسة أو لمواقع أدنى، نظراً للنفوذ المالي والاعلامي لهذا اللوبي وقدرته، الواسعة نسبياً، على اسقاط هذا المرشح أو ذاك، بوسائل متعددة، من بينها الابتزاز الفضائحي. وهذا ما يجعل كلينتون، الذي هو، في كل الاحوال، صديق وفي لاسرائيل، مع طاقمه في الخارجية ومجلس الأمن القومي، أكثر حرصاً ومسايرة للمزاج الاسرائيلي، وعلى إبداء أقصى التساهل معه والدعم له، وان كان ذلك يعني، عملياً، تحويل كل الضغط على الجانب الآخر، أي الجانب الفلسطيني. وبمعزل عن مدى النجاح الذي سيحققه أو لا يحققه كلينتون في الأيام التالية من اجتماعات كامب ديفيد، وبمعزل عن التلويحات الاسرائيلية المتزايدة والتحركات العسكرية والأمنية على الأرض في الضفة الغربية وقطاع غزة بحجة استباق أية ردود فعل شعبية فلسطينية على أي فشل للمفاوضات، وبمعزل ايضاً عن الابتزاز الذي يمارسه ايهود باراك في كامب يفيد، حتى على المستوى الشخصي، من خلال استقدام بعض حثالات جهاز الشاباك الاستخبارات الداخلية الاسرائيلي، من أمثال المجرم المدان بقتل أسيرين فلسطينيين بدم بارد يوسي غينوسار، وبمعزل عن الإهانة التي وجهت الى هيئات منظمة التحرير من خلال منع عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية المقررة مشاركتهم كمرجعية سياسية في الإشراف على العملية التفاوضية ومنعهم من الاتصال والالتقاء بالوفد الفلسطيني المفاوض ورئيسه، يبقى ان حساسية القضايا المطروحة في كامب ديفيد، خصوصاً قضايا القدس واللاجئين والأرض، تستدعي استنفاراً شعبياً في الشارع الفلسطيني، في الوطن وفي الشتات، في القدس وفي المخيمات وفي كل مكان يتواجد فيه فلسطينيون، للتحذير من أي مساس بأي من الحقوق الفلسطينية الاساسية، ولبعث رسالة واضحة للاميركيين والاسرائيليين بأن أية تسوية قسرية تنتقص من أي من هذه الحقوق لن تعمر طويلاً، ليس فقط بعد تطبيقها على الأرض، بل، على الأغلب، قبل ذلك. وهو ما يجعل النجاح النظري في كامب ديفيد يتحول الى فشل على الأرض، والفشل في منطقتنا سيكون أكثر مأسوية من الفشل في ايرلندا الشمالية أو في البوسنة، ولن يكون الفلسطينيون، وحدهم، من يدفع ثمن هذا الفشل. * عضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، عضو المجلس الوطني الفلسطيني، رام الله.