فيروز في مهرجانات بيت الدين. ووديع الصافي في مهرجانات بعلبك. ولا يُخفى أن حرباً حقيقية تندلع منذ عامين على الأقل بين هذين المهرجانين الكبيرين اللذين صار كل واحد منهما.. مهرجانات قائمة بذاتها. وتسري في الصحافة، أخبار، تشتدّ وتتراخى تبعاً للظروف، حول ما تفعل كل لجنة على حدة في سبيل التأثير السلبي في الأخرى، فكأن خبر فراغ بعض الكراسي في حفلة من الحفلات في مهرجان من هذين المهرجانين هو خبر مفرح جداً ويرسم ابتسامات شامتة على وجوه أعضاء لجنة المهرجان الآخر، والعكس صحيح، وصحيح تماماً. لم يعد التكامل هو صورة الوضع بين بعلبك وبيت الدين، ابداعياً وفنياً، كما كان يتصوّر بعض المتفائلين. فقد حلّ التنافر، والبعض يقول المحاربة والشائعات، وينتظر أن يقوى الخلاف ويتنامى في سنوات مقبلة في شكل "طبيعي"، كلّما مرّت مواسم ناجحة هنا وغير ناجحة هناك، أو إيجابية هنا وأقل ايجابية هناك. وما يعرفه المتابعون ان هذا التوتر الذي يعكس في قشرته الخارجية ضيق صدر وأفق بالآخر أحياناً، يؤدي في مضمونه العميق توجهاً نحو اتقان أكبر، وأسماء عالمية أكثر، ورموز محلية ذات وزن، ما يعود بالفائدة التي هي متعة فنية كامنة في الجمهور يرغب في اطلاقها أو البحث عمن يطلقها في. وفي بعلبك وبيت الدين، صيفاً، كثير من هذا وذاك وذلك... هذا الصيف، بعلبك مع وديع الصافي وفرقة فهد العبدالله. وبيت الدين مع فيروز وزياد الرحباني. للمرة الأولى يتحد وديع الصافي مع فرقة راقصة كبيرة ومهمة هي فرقة العبدالله منذ مهرجانات بعلبك قبل الحرب. وللمرة الأولى "يبدو" ان زياد الرحباني سيكون رفيقاً لوالدته المطربة في ما سيأتي من الحفلات في المرحلة المقبلة بعد تيقن السيدة والابن ان هذه الرفقة ستنعكس أجواء طمأنينة أكبر، على رغم أن زياد قائد العمل الفيروزي في بيت الدين ليس جديداً على قيادة أعمال فيروز الفنية سابقاً. الجديد هو إثارة نوع من الشعور ان الأم وابنها سيفعلان، في بيت الدين، ما لم يكن متاحاً ربما من قبل... وهذا سيؤسّس لعادة جديدة هي روية فيروز، باستمرار، تحت قيادة ابنها زياد مع ما في ذلك من إثارة للعين كون الشخصين يتمتعان بكاريزما في ملامح التعبير، واثارة للأذن كون الشخصين يأتيان من تجربتين ابداعيتين مختلفتين تماماً على ما فيهما من الترابط والتوحُّد. أما وديع الصافي الذي لانت له بعلبك هذا العام، وطلبته، فمن المؤكد انه استعد للتجربة بقوة. أغنيات عدة، جديدة، سينشدها هذا الرجل على أدراج القلعة التاريخية الكبيرة. والبرنامج الذي وُضع بالتفاهم مع فهد العبدالله، سيما في اللوحات التي ستجمع الصوت والفرقة، مشحون بحالات جمالية مدهشة رآها كل من تابع بعض التمارين الليلية على مسرح القلعة بين الصافي وفرقة العبدالله. ومن الجديد اغنية هدية الى بعلبك وقلعتها سيؤديها الصافي وترقص على كلماتها وأنغامها فرقة العبدالله بعنوان "يا بعلبك كان وكان" كانت "الحياة" انفردت بنشر كلماتها قبل شهر... وفهد العبدالله الذي اختار عنواناً لمشاركته في "الليالي اللبنانية" في المهرجانات هو "تراث وحنين"، يخالجه شعور غامر بالتحدي، تحدي الذات أولاً وأخيراً. وفولكلور المحافظاتاللبنانية الخمس الذي اختاره موضوعاً له لهذه المهرجانات، شكّل مفاجأة نوعية كاملة، واستجابة، من دون أي مسبقات تخطيط، الى هموم لجنة مهرجانات بعلبك بالتشديد على الفولكلور الجميل. والتنوّع في مصادر الألحان للرقصات والدبكات اعتمده العبدالله حتى يعطي لكل مشهد روحيته الأصيلة، وجماله الخاص الذي له في الأساس، بلا افتعالات وادعاءات طارئة عليه... فيروز في بيت الدين ستغني من قديمها، والجديد أغنيتان كان زياد وضعهما لمهرجانات بعلبك السنة ما قبل الماضية عندما أعادت فيروز الرحباني مقاطع من مسرحيات سابقة ثم عدل زياد عن المشاركة فيها لأسباب قيل الكثير فيها من دون تأكيد أي منها. حرب برامج بين مهرجانات بعلبك، ومهرجانات بيت الدين؟ لا بأس مطلقاً. غير أن الحروب التي تحمل احياناً تخطياً للحواجز والحدود والممنوعات، بدأت تسحب نفسها على "نيات" المهرجانين. فبعدما قيل ان لجنة مهرجانات بعلبك انتظرت اعلان برنامج مهرجانات بيت الدين حتى ترتب أمورها فلا تصطدم المواعيد بين هنا وهناك، وهذا اذا صح هو نوع من نزع فتائل الألغام على رغم اصرار اللجنة على نفي ذلك...، أعلنت لجنة مهرجانات بيت الدين عن تجديد حفلة اضافية للسيدة فيروز في الثامن من آب اغسطس، بعد حفلتي الرابع والخامس منه، أي في الليلة نفسها التي تُفتتح خلالها "الليالي اللبنانية" في مهرجانات بعلبك مع وديع الصافي وفهد العبدالله، وهي معروفة بليلة جمهور أهل بعلبك ما يشي بأن الحرب ليست بالنظارات بل على الأرض، وهذه المرة ليست بين لجنتي المهرجانين، بل بين رمزي الغناء الكبيرين في لبنان: وديع الصافي وفيروز، من حيث يدريان وهذا خطير، أو من حيث لا يدريان وهذا أخطر! آب هو أرض معركة فنية في لبنان. آب اللّهاب...