منذ سنة 1993 لم تُدخل الولاياتالمتحدة تغييراً على لائحة الدول التي اتهمتها بدعم الارهاب في التقارير السنوية التي تصدرها وزارة الخارجية بالاعتماد على معلومات الأجهزة الاستخبارية. وعلى رغم التطورات الايجابية و"العلامات المشجعة" التي لحظها تقريرها السنوي الأخير، فإن صورة الارهاب في المنظور الأميركي لم تتغير جوهرياً. إذ لا تزال البلدان العربية والإسلامية هي التي "تحتكر" قيادة النشاط الارهابي عبر العالم، بما في ذلك ايواء الارهابيين وتأمين الحماية لهم. وعلى امتداد أبواب التقرير التي تطرقت لأنماط الارهاب والبلدان الراعية له والسياسات الدولية لمكافحته واسماء المنظمات والأفراد الضالعين فيه، لا يعثر المرء على سطر واحد يتطرق لإسرائيل إلا بوصفها الضحية الأولى للارهاب في جميع أبواب التقرير، مع أن جيشها يقترف أعمال القتل والقصف والترويع يومياً بأمر من الحكومة الإسرائيلية "المدنية". استند التقرير الأميركي على تعريف حدد الارهاب بوصفه "عنفاً له دوافع سياسية يُرتكب بصورة متعمدة ضد أهداف غير قتالية من قبل جماعات تابعة لمجموعة قومية فرعية أو عملاء سريين ويُقصد منه عادة التأثير على الجمهور". وعلى رغم الطابع المبتسر لهذا التعريف، فإنه ينطبق بالكامل على الجيش الإسرائيلي وقادته كونهم يمارسون العنف بدوافع سياسية، وهو عنف يستهدف مواطنين عزلاً أو أهدافاً مدنية ويرمي للتأثير في معنويات الفلسطينيين واللبنانيين والعرب عموماً كي يذعنوا للأمر الواقع. والمفارقة اننا نقرأ في باب "إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة" عكس ما نشاهده يومياً على شاشات التلفزيون بما فيها المحطات الأميركية، إذ قال التقرير إن "أعمال العنف والارهاب تواصلت خلال العام 1999 على أيدي جماعات فلسطينية تعارض عملية السلام". يتفرع من تهمة الارهاب التي تلصق بالفلسطينيين واللبنانيين الصاق التهمة ذاتها بإيران التي جرّمها التقرير بسبب دعمها المقاومة، فهي مدانة لكونها "تابعت تشجيع حزب الله وجماعات الرفض الفلسطيني على استخدام العنف، خصوصاً الهجمات الارهابية داخل إسرائيل بغية تقويض السلام"! هكذا مرة أخرى تبدو إسرائيل وليس المصالح القومية الأميركية هي إبرة الميزان التي تحدد الموقف من الدول والجماعات، وتقرر تالياً في أي خانة ينبغي تصنيفها والحكم عليها. وانسجاماً مع هذا المنطق وضع التقرير كلاً من حركتي "الجهاد الإسلامي" و"حماس" و"حزب الله" على رأس الحركات الارهابية في العالم مع أنها لم تضرب أي مواطن أميركي أو أية مؤسسة تابعة للولايات المتحدة، مدنية كانت أم عسكرية. أكثر من ذلك تشدد واشنطن على أن التهديدات الارهابية الرئيسية للولايات المتحدة مبعثها منطقتان هما جنوب آسيا افغانستان وفي الدرجة الثانية باكستان، والشرق الأوسط، مع أن المصالح الإسرائيلية وليست الأميركية هي "المهددة" في هذه المناطق أقله في الشرق الأوسط، ولا يمكن ان تشكل تلك "التهديدات" مصدر خطر مباشر على الولاياتالمتحدة، إلا إذا كانت مصالحها متطابقة ومترادفة مع المصالح الإسرائيلية. اللافت أيضاً ان التطورات التي ظهرت في مواقف الدول المتهمة برعاية الارهاب لم تقنع الإدارة الأميركية بمراجعة موقفها منها على رغم إقدام ليبيا على تسليم مواطنيها عبدالباسط المقرحي والأمين فحيمة للمثول أمام القضاء الاسكتلندي في هولندا، وتسليم السودان كارلوس إلى السلطات الفرنسية، وحدوث تغيير في الأكثرية المسيطرة على السلطة البرلمانية في إيران. وهكذا لم تعدل الخارجية الأميركية لائحة الدول السبع التي تعتبرها منذ سبعة أعوام "راعية للارهاب العالمي" وهي إيران والعراق وسورية وليبيا والسودان وكوريا الشمالية وكوبا. وواضح ان هذه الدول عربية أو إسلامية عدا اثنتين، بل ان دولة إسلامية إيران صُنفت بوصفها "أنشط دولة راعية للارهاب"! بالمقابل، يتبخر الأمل بحد أدنى من الانصاف والموضوعية في الرؤية الأميركية عندما يطرح الخطر النووي، فباب "الارهاب المرتبط بأسلحة الدمار الشامل" أتى خالياً من أي إشارة إلى الترسانة النووية الإسرائيلية، التي تجمع التقارير الاستراتيجية المتوازنة على كونها الأضخم والأخطر في منطقة الشرق الأوسط بجميع المقاييس. ربما لأن هذه الترسانة هي درع الضعفاء للتوقي من هجمات الجماعات الارهابية والرد عليها... عند الاقتضاء.