أكد محللون سياسيون أن قرار الرئيس الأميركي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس هو الأسوأ في التاريخ الأميركي، لما لذلك من انعكاسات خطرة على قضية العرب والمسلمين، التي استمرت لسنوات عدة، محذرين في تصريحات ل«الحياة» من أن هذا القرار سيشجع التطرف والنشاطات الإرهابية ضد أميركا والمعسكر الذي تتبناه. وقال رئيس مركز الخليج للأبحاث الدكتور عبدالعزيز بن صقر: «إن تبني ترامب نقل السفارة الأميركية سيشجع التطرف والنشاطات الإرهابية ضد أميركا والمعسكر الذي تتبناه، ويثبت أن إيران على حق من موقفها من الولاياتالمتحدة الأميركية، لأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يمس كل المسلمين والعرب». وأضاف: «ترامب خلال الأشهر الماضية من رئاسته تبنى موضوعين رئيسين، الأول: سياسة مكافحة الإرهاب، إذ دعا إلى تشكيل تحالف قوى لدعم مهمة مكافحة الإرهاب ومحو تنظيم داعش، والثاني: تبنى سياسة احتواء إيران على ثلاثة محاور: ملف تطوير القدرات النووية، وملف تطوير وإنتاج الصواريخ الباليستية وانتشارها، وملف السياسية التوسعية والتمدد الجغرافي الإيراني وتوظيف الميليشيات الطائفية المسلحة لتنفيذ سياسة التوسع، وملف السياسية التدخلية واستخدام الورقة الطائفية لزعزعة استقرار المنطقة. وبخصوص الاتفاق النووي مع إيران لعام 2015 أثار الرئيس اعتراضات تستوجب إما تعديل الاتفاق أو إلغائه في حال رفض التعديل، وهي: الاعتراض على الإطار الزمني الضيق والقصير لقيود الاتفاق (10–15 عاماً)، والاعتراض على استمرار نشاطات البحوث والتطوير النووي من دون قيود كبيرة، ثم الاعتراض على عدم صرامة عمليات التفتيش الدولي على النشاطات النووية الإيرانية. بدوره، قال المحلل السياسي الإمارتي راشد العريمي إن قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى القدس يمثل تحولاً مفصلياً في قضية السلام في الشرق الأوسط، وسيكون عائقاً حقيقياً يعود بجهود السلام خطوات إلى الوراء، ومثل هذا القرار يشكك في صدقية الدور الأميركي في أي مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويهدر عقوداً من الرضا بالولاياتالمتحدة الأميركية وسيطاً وراعياً لعملية السلام». وأضاف: «إذا كانت دول الاعتدال العربي تبذل جهوداً حثيثة منذ سنوات لاحتواء التطرف والتشدد، فإن قرار ترامب يمنح الجماعات المتشددة والمتطرفة والدول الراعية لها في المنطقة فرصة جديدة لخلط الأوراق وكسب أنصار جدد، ما يعقد مهمة تيار التعقل والرشد في المنطقة، ويلقي على قادته أعباء إضافية». وأضاف العريمي أن العرب ومنذ احتلال القدس قصروا في الاهتمام بقضيتها على النحو الذي تستحقه، كما أن الفوضى التي ضربت المنطقة، ودعم أطراف عربية وإقليمية للانقسامات والاضطرابات في العالم العربي، وتغول الإرهاب ووحشيته، والتدخلات الخارجية التي تحاول التمدد داخل دول عربية بعينها من إيران، واستخدام القضية الفلسطينية بوصفها ورقة للمزايدة والتهييج لا أكثر من دول وقوى وجماعات بعينها، كل ذلك استنزف كثيراً من الثروات والجهود العربية وجعلنا أقل قدرة على العمل المشترك. وتابع: «كما أن الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني كان عائقاً أمام الجهود الحقيقية من أجل القضية الفلسطينية، فهذا الخلاف المُركَّب بين (فتح) و(حماس) من جهة، والخلافات البينية داخل كل تيار منهما من جهة ثانية، استهلكت بدورها كثيراً من الطاقة والجهد الذي كان يبغي أن يُكرَّس كاملاً لمواجهة الطرف الإسرائيلي الذي لم يُبدِ نية حقيقية للانتظام في عملية سلمية تستجيب للمبادرات العربية والجهود الدولية خلال السنوات الأخيرة». واستطرد بقوله: «الجميع يشجب اليوم، وهو أمر لا ننكره على أحد، ولكننا فرطنا جميعاً بكثير من حقوق القدس علينا أو تقاعسنا عن دعمها منذ عقود، وحان الوقت لكي نتخلى عن أن نكون أصحاب ردود فعل فحسب، وأن نبادر بكل قوة بخطوات إيجابية بقدر ما نستطيع، ولا شك في أن هناك الكثير مما يمكن أن نفعله حتى بعد الموقف الأميركي الأخير، ويقتضي ذلك من الأطراف الفلسطينية أساساً أن تكون على مستوى التحدي، ويمكن البناء على المواقف الإيجابية التي اتخذتها قوى عالمية ودول أوروبية كبرى ومنظمات دولية». وزاد العريمي: «هناك الإجماع العربي على استنكار الموقف الأميركي ومكانة قضية القدس في الوجدان العربي عموماً، كل ذلك يمكن البناء عليه لبذل جهود فلسطينية وعربية مكثفة تستثمر الوضع الدولي المواتي لكي تحدٍ من فعالية قرار ترامب، ويجب البدء في ذلك بسرعة، كما يجب البحث عن أشكال جديدة للعمل تدعم صمود أهل القدس ودفاعهم عن هوية مدينتهم وعروبتها، وبخاصة مع ما يتعرضون له من ضغوط، كما يمكن التفكير في التواصل المباشر مع أهلها لإشعارهم بأن هناك من يساندهم ويدعمهم، ومساعدتهم اقتصادياً وسياسياً وقانونياً على مكافحة مخططات التهويد من خلال عقد صلات وثيقة بمختلف المنظمات والهيئات العربية العاملة داخل المدينة». وأكمل بقوله: «إلى جانب ذلك، فإن العمل داخل الولاياتالمتحدة الأميركية ذاتها مهم، من خلال جماعات الضغط العربية والدبلوماسية العربية النشطة، سواء من جامعة الدول العربية والمنظمات العربية والإسلامية الأخرى، أم من خلال استثمار العلاقات الثنائية الجيدة مع واشنطن في التحذير من عواقب القرار على المصالح الأميركية ذاتها، وعلى الأمن والاستقرار في المنطقة ككل، ومسارات العمل هذه جميعاً، يمكن لها أن تحقق النجاح إذا ما تم العمل عليها بشكل ملائم، وهذا ما نأمل أن يبدأ على الفور بعيداً عن المزاودة والمتاجرة والخطب الرنانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع». من ناحيته، أوضح المحلل السياسي الدكتور محمد مسعود القحطان أن قرار ترامب تلقى ردود فعل كبيرة لدى العالم العربي والإسلامي باعتبار هذا القرار هو الأسوأ في التاريخ الأميركي ومن هذا الرئيس، وقد أغضب القرار العالم بأكمله، إذ تجاهل كل التحذيرات من تقويض فرص السلام في المنطقة. ووصف القرار بأنه خاطئ، وسيعمل على زيادة التوتر في المنطقة وينذر بمستقبل غامض ومجهول لا يمكن معرفة تداعياته، فالقدس مدينة مهمة وتاريخية عبر التاريخ، وهي تعيش في قلب كل عربي ومسلم، ورأينا ردود الفعل في جميع أنحاء العالم كافة، وخاصة في العالم العربي، ورأينا انتفاضة أبناء الشعب الفلسطيني والتظاهرات والهتافات المنددة بهذا القرار الخطر، ورأينا موقف خادم الحرمين الشريفين الذي أكد للرئيس ترامب أن أي إعلان أميركي في شأن وضع القدس قبل تسوية نهائية سيضر بمفاوضات السلام، ويزيد التوتر، ويعتبر تراجعاً كبيراً في الحياد الأميركي التاريخي. وبين القحطاني أن هذا القرار استفز مشاعر جميع المسلمين نظراً إلى ما تمثله القدس من حاضنة لقبلتهم الأولى، وقيمتها العظيمة في نفوس أبناء الأمة الإسلامية، موضحاً أن هذا القرار سيضفي مزيداً من التعقيد على النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. وأفاد القحطاني بأن جميع أبناء الأمة العربية والإسلامية، وجميع الحكومات، وعلى رأسهم حكومة المملكة العربية السعودية، يأملون في أن تراجع الإدارة الأميركي قرارها، وأن تنحاز إلى الإرادة الدولية في تمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه المشروعة، وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة، والمبادرات العربية، ليتمكن هذا الشعب من استعادة حقوقه المشروعة، وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. بدوره، أوضح السياسي البحريني طارق العامر، أن الأمر يعني اعترافاً أميركياً صريحاً بالضم الإسرائيلي غير المشروع للقدس الشرقية، واعترافاً أيضاً بالخطوة الإسرائيلية غير القانونية لاعتبار القدس عاصمة لدولة إسرائيل منذ عام 1980 بعد احتلالها في 1967، لكونه جاء خارج إطار حل شامل يحقق إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدسالشرقية، بجانب أن هذا القرار غير المتزن ضرب بعرض الحائط كل قرارات الأممالمتحدة ومجلس الأمن والقانون الدولي والوضع القانوني للقدس، والتي لا تعترف بالسيادة الإسرائيلية على المدينة. أما الحديث عن تداعيات ذلك القرار والتي أتصور أنها بعيدة عن تصور الرئيس ترامب، أولها أن القرار جاء بمثابة المسمار الأخير في نعش واشنطن لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فقد أظهر موقفاً أميركياً منحازاً لدولة الاحتلال الإسرائيلي. كما أنه من شأن هذا القرار زيادة التوتر في المنطقة، مما يعني جلب مزيد من الإحباط والتطرف وإعطاء الذريعة للإرهاب، ومنح مكافأة للمتطرفين في إسرائيل، بجانب إضعاف معسكر السلام الفلسطيني والعربي. وقال العامر: «ما نعول عليه بعد هذا الاستفزاز الأميركي لمشاعر بليون ونصف البليون مسلم، هو موقف عربي وإسلامي حقيقي يتجاوز بيانات الإدانة والاستنكار، يبدأ بتقليص جذري للعلاقات الدبلوماسية والتعاون العسكري والاقتصادي مع واشنطن، وإيصال رسالة للإدارة الأميركية مفادها أن سياسة الأمر الواقع مرفوضة، ومن ثم على إدارة ترامب تحمل تبعات القرار. أما بالنسبة للفلسطينيين، فأولى الخطوات المرجوة، تهديد السلطة بإعادة النظر في الاعتراف بإسرائيل وإلغاء ما على السلطة من التزامات بمقتضى اتفاق أوسلو وخصوصاً التنسيق الأمني، والتوجه للأمم المتحدة للمطالبة بالاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية، على أن يصاحب ذلك قيام الدول العربية المطبعة بقطع علاقاتها مع إسرائيل بجانب تشكيل تحالف إسلامي للتواصل مع الدول المؤيدة لعدالة القضية الفلسطينية ودفعهم للاعتراف بدولة فلسطين، ما عدى ذلك فالصمت أكرم للجميع.