سألتني عن الصراع الذي تعانيه.. الصراع الذي لا ينتهي.. ولا يتوقف عند إغماض أهدابك للنوم.. ويتأجج عند الوقوف أمام تحديق الآخرين.. عن الخوف الذي لا تفهمين من أين يأتي.. والشوق الذي لا تملكين ان ترويه.. والتراجع الى القوقعة الذي ترينه قدرك لا محالة منه. ها أنت يا صغيرتي وصلت أولى خطوات التلاقي مع ذاتك الأعمق.. الذات ذات الطبقات.. الذات الراغبة والذات الذائبة والذات الهاربة. وحين تستطيعين الاعتراف بكل طبقاتها. فتصافحين ذاتك الراغبة.. دون خجل من رغباتها.. وذاتك الذائبة: لكي لا تستمر في الانصهار والذوبان تحت ضغوط الآخرين.. وذاتك الهاربة: لتقنعيها بإمكانية الوقوف والصمود والبدء من جديد.. تصلين الى النضج الذي يؤكد ان لك قدرة البقاء والإثمار. أروع اللحظات هي تلك التي تأتي فجأة.. ندرك من خلال هالاتها الذهبية أننا قد عبرنا منا.. إلينا..! إننا ننظر في أعماقنا مباشرة في لحظة صدقٍ واعٍ ألغت أي قناعٍ يفصلنا عنها.. وأننا نحب ما نرى.. اننا لا نقف عند ابواب الكهوف بين الشمس والظل نتساءل هل ندخلها لنتأمل جمال نقوش الصخر الأزلية؟ وإن لنا ان نفتح صدورنا لنسمع اصداءها دون ان نتصبّب خجلاً وخوفاً وندماً.. في تناقضات أزماننا.. لا نتمسك بالقنعة.. كل تلك التفاصيل التي يتشبث بها الآخرون يحتمون بها من وطأة المعرفة الأخيرة.. يتلاشى نقاء أعماقنا.. يتلوث بأصباغ الأقنعة.. فلا يرى الآخرون الا تلك الملامح المرسومة.. لماذا نتمسك بالاقنعة..؟ خادعة كما هي..؟ خانقة كما هي..؟ لأنها الدرع الذي نظنه يحمينا من احتمالية عدوانية الآخرين...! هي ما يحمي الطفل بأعماقنا من امتحان ضعفه في مواجهة تهجّم الآخرين.. تلك اللحظة التي نقف فيها بين الظل والضياء.. يملأنا الخوف ان نرفع الستار الأخير.. هي أصعب لحظات العبور.. نقف عند نهر الشعور الذي يتدفق فينا.. نرى صورة القناع مرتسمة في مراياه.. لا تمثلنا.. لا تمثل طفولتنا النقية.. لا تعبّر عن تعطشنا لاحتواء الفرح... لا تعبّر عن دموع الرغبات التي لم تتحقق منذ خطانا الأولى.. مدى شوقنا ان نكون نحن والذات في أعماقنا صيغة واحدة.. وفضاء واحد يتقبله الآخرون بصدق وحنان. تعبّر فقط عن مدى خوفنا من ان تكون اي حركة من الآخرين خطوة موجهة لاغتيال طمأنينتنا وثقتنا في احتمائنا بهم... هي تلك اللحظة الصعبة...! نتساءل فيها هل نزيح الأحجار.. نفتح الأبواب.. لتتهاوى الأسوار والجدران.. ويضج الفضاء بلغة الصمت الحنون..! حيث اللغة لا تتراجع الى ترويض الحروف.. والشعر ينعتق بالشعور..؟ نعيش امتدادات الانتماء لوجود أزلي.. لا يتأثر أبداً بكل التفاصيل الهامشية التي تحددها أوراقنا الثبوتية.. هويتنا الخارجية... قشور ملامحنا.. وخطوات أقدامنا المحسوبة؟ فضاء.. نحن فيه الآخرون في أعماقهم.. وهم نحن في أعماقنا..؟ حين يصبح السفر رحلة متواصلة من الفرح.. والرحلة لحظة وصول لا تنتهي.. والتواصل التحام خال من التوجس والتردد والتراجع الى ما وراء الأقنعة.. يصبح للكلمة معنى.. وللصمت مذاق الحوار.. وللابتسامة دفء الاحتضان..