إبريق الشاي يغلي. والتلفزيون يئزّ. هكذا ودون أن ننتبهَ تنقضي الحياة. تنقضي الحياة ويدنو ما يسمّيه الملحد بالعدم، ما لا يريد باراطينسكي** أن يسمّيه بابنة الظلمة، إذ من تكون الأمّ عندئذ؟ سيتبخّر إبريق الشاي، ويتأكسد النحاس. سيتلبّد جماد الإسمنت بالدخان، ويلفُّ الدخان الطاولةَ والسريرَ، ورقَ الجدران وهذا الدفتر. إذاً، فلتنشغل بالشاي بعدُ، أيها الصديق. لقد آن التفكير، ولكنْ دائماً لا وقت. آن أن نفكر بالروح الآن، وفات وقت التفكير بالأشياءِ الأخرى. آن أن نفكّر. أن نستلقي في الظلام. أن نتذكَّر. وحذارِ من الكذب. شريطة أن ينعدم الكذب حتماً! آن أن نتذكر رائحة الحلوى في الخزانة، وأن نختار للخزانةِ الكلمات المناسبة. أن نتذكر كيف كان الجدّ يحلق رأسه ويسنّ الموس على حزامٍ من الجلد. بهذا الحزام كنت في السكن الجماعي أسير مترنّحاً. وأن نتذكر اللون والشكل، وكيف كانت الشمس وقت غروبها تضيء العلِّيَّة. لقد غلى إبريق الشاي. وهدر "البريموس". وراح تولِك شميليوف يصنع سلاحاً بيده. * شاعر روسي ** باراطينسكي 1800 - 1844 شاعر روسي من أصدقاء بوشكين.