يقولون أن علاقة الحب العاصف بين "الروسي" وزجاجة "الفودكا" علاقة رومانسية، شهيرة ومعروفة. ويقولون - أيضاً - أنهم هناك يعشقون "الفودكا" حتى الثمالة، وأنه لا يفرق بين "الروسي" و"زجاجته" إلا الموت... وهو جدّ قريب من الذين يدمنون هذا التركيز الكحولي المدمر. وقصة هذه العلاقة... قصة قديمة حقاً. ف"روسيا" القيصرية، كانت عربيدة، فاجرة، تضج أنحاؤها برجال مخمورين يعيثون فيها فساداً، إهراقاً للدماء، وانتهاكاً للأعراض، وإهداراً للسكنية والوقار. ولعل القارئ لروايات تولستوي وغوغول وقصائد بوشكين ولقطات تشيكوف القصيرة، وحتى أعمال غوركي الأيديولوجية الأخيرة، لن يفوته أن يلاحظ كيف تصطدم أحداثها وشخصياتها اندفاعاً وصخباً، وتتدفق كحولاً ملتهباً لا ترقى إليه - حتى دماء "النبلاء" - الملتهبة خمراً، والتي كانت تدفعهم إلى تبادل الشتائم والصفع بالقفازات في المناسبات العامة والسهرات والمبارزات الطائشة - عند الفجر - في الغابات المهجورة والحقول والاسطبلات. وكان "المنظرون" الأيديولوجيون - كعادتهم التبسيطية - يعتقدون أن هذه "الصداقة" اللدودة بين "الروسي وزجاجته" ما هي إلا تعبير عن "الاغتراب" الذي كان يعاني منه القيصري، في ظل القهر والاستبداد، وأنه - إذ يناجي "قنينته" وينادمها، فإنه بذلك يهرب من واقع مترد، وحياة يائسة، ومستقبل بهيم. وأن حال "الاغتراب" هذه ستنقضي وتزول عندما يهل فجر "دكتاتورية البروليتاريا" فيستبدل "الفودكا" بجرعات من "عصير ماركس" أو "كوكتيل لينين"، وستشغله عن "الفودكا" انهماكات العمل والبناء في مجتمع تسوده الحرية والعدالة والمساواة والإيثار وغير ذلك من العناوين الخلابة، التي اكتشف القرن العشرون الراحل كذبتها بعد أن بلغ سن الشيخوخة، وأفاق من تشويش التفكير تحت تأثير الكحول الأيديولوجي وهو خمرة أقوى تأثيراً من "الفودكا" عشرات المرات. العربدة، خصوصية روسية أكدت نفسها في الأزمنة القيصرية واللينينية واليالتسينية. ويحاول بوتين الآن رفع أسعارها ليس رفضاً لها ولاطمعاً في إيراداتها ولكنه يعتقد أن روسيا عربدت في الشيشان بما فيه الكفاية، وأن سكرة الذبح تغني قليلاً عن عربدة الفودكا.