"أنا أمّ موسيقى الراي" تقول الشيخة ريميتي، "ولولاي لما أصبح هذا النوع الغنائي الذي طالما اعتبر منبوذاً في بلدي الجزائر معترفاً به عالمياً". المطربة المخضرمة، التي لا تخشى شيئاً كخشة الحديث عن السياسة في بلادها، اعتلت المسرح أمام حشد كبير من الجمهور في يوم افتتاح احتفالات مدينة بروكسل كعاصمة ثقافية أوروبية. وكانت فقرتها بين الأبرز والأكثر إثارة في احتفال "بروكسل 2000"" إذ ملأت هذه المطربة التي يقدر عمرها بثمانية وسبعين عاماً، المكان بصوتها العميق ورقّصت بموسيقاها الحضور. الشيخة ريميتي قالت "رأيها" ولس الراي سوى الرأي باللهجة الدارجة، بلغة تختلط فيها المفردات الصريحة بالمجازية، وتضرب بجذورها بعيداً في الدرك الأسفل للحياة اليومية، هناك حيث تطفح هموم الحب والهجرة وقسوة المجتمع وثقل التقاليد المحافظة. من الليل تأتي مواعيد إلهام ملكة الراي غير المتوجة، منذ أن بدأت رحلتها الطويلة من حانات وهران في الأربعينات إلى عواصم الغرب في التسعينات. وفي الليل تطلق صوتها للغناء بكلمات وألحان من تأليفها وتطلق كذلك جسدها للرقص على أنغام الملحون الشعبي الجزائري المتنوع المصادر والطبقات. هذه الشيخة التي تغني لنفسها أولاً، لم تنسَ مواكبة الزمن حينما انجذبت إلى موجة الروك الأميركي قبل سبع سنوات، كما لم تخفِ شكواها من المطربين والمطربات الجدد الذين انتحلوا أسلوبها واسمها من دون علمها. من منطلق التنافس على الريادة والنجاح، بدت ريميتي، في حفلتها الأخيرة في قصر الفنون الجميلة في بروكسل، تقليدية وأصيلة كما هو منتظر منها، ومجددة ومقلدة كما تحتم موضة الآلات الموسيقية الحديثة المصاحبة لها. ولعل عرضها الناجح كان سيكون له طعم آخر لو أنها اقتصرت على استخدام آلتي القصبة والإيقاع اللتين لازمتا عروضها السابقة. لكن هذه الملاحظة تبدو ثانوية حين نكون في سياق مهرجان أراد له منظموه دخول الألفية الثالثة بأقصى ما تسمح به موسيقى الشعوب من تنوع وهجانة، وبكل ما تحتمله العاصمة بروكسل من اختلاط بين الثقافات والأعراق. أنها المدينة المزدوجة لغوياً وهي تسترجع تراكمات ذاكرتها عبر القرون وملامح حاضرها المتعدد الوجوه، من خلال أكثر من 320 فعالية ثقافية موزعة على شهور العام ألفين" بينها معارض تشكلية وفوتوغرافية وأخرى عن الفنون الفولكلورية والمعمارية، وعروض للرقص والمسرح والأفلام السينمائية، ولقاءات مع الأدباء والمثقفين. وضمن هذه الفعاليات تستأثر ثقافة المهاجرين من عرب وأتراك وأفارقة باهتمام خاص، يشمل تقديم فرق موسيقية تمثلها، واعمال مسرحية تستمد مادتها من أرشيف العلاقات الاستعمارية لبلجيكا مع الكونغو.