لم يكشف كل شيء بعد عن سفك دماء الضحايا في مشرحة كلية الطب في جامعة صنعاء. واليمنيون في ذهول ودهشة بعد أسبوعين على افتضاح امر السفاح وهو موظف المشرحة السوداني الذي اعترف باغتصاب وقتل عشرات الفتيات والطالبات، 16 منهن في اليمن وحدها، خلال خمس سنوات. وتضاربت التصريحات الأمنية في هذا الشأن، فيما تحدثت تقارير الصحف اليمنية في كل اتجاه ولعب الخيال الشعبي دوراً رهيباً في تأجيج المشاعر وخلط الأوراق، غير أن نصف الحقيقة أو ربعها، لا يزال يشكل صدمة للمجتمع اليمني ككل الذي لا يعرف هذا النوع من الجرائم البشعة، حسب تعبير أحد أساتذة علم الاجتماع في جامعة صنعاء. وتصدرت اخبار السفاح السوداني الاهتمامات الشعبية وغطت على الاحتفالات بعيد الوحدة. وأصبحت الضحايا: فاطمة وأميرة وأمة العليم وحسن وشاهيناز وياسمين وزينب وجميلة، حديث المدينة، لأن جمالهن كان عليهن لعنة أوقعتهن في قبضة شاذ هوايته اصطياد الجميلات واغتصابهن وقتلهن وتمزيق جثثهن الى اشلاء وبيع بعض أعضائهن، بالتعاون مع شبكة دولية واسعة على ما يبدو. وباتت قصاصات الصحف التي تتناول أنباء السفاح، تصوّر وتباع بأسعار مضاعفة في الميادين العامة بعد نفاذ الكميات المطبوعة للصحف الأصلية. ولوحت قبائل فقدت بنات لها في المجزرة برد عنيف، فيما تخوفت فتيات يمنيات من ان تتخذ الجرائم عذراً لمنعهن من الدراسة بعدما بذلن جهداً صعباً في اقناع اهاليهن بالسماح لهن باكمال تعليمهن الجامعي. أما السودانيون المقيمون في اليمن فكانت صدمتهم مضاعفة إذ تسبب الحادث في نوع من الضغط النفسي والقلق لهم، لأن نظرة الناس اليهم تغيرت على رغم كل التطمينات التي أطلقتها السلطات اليمنية. وبدأ كثيرون منهم بحزم حقائبهم ومنعوا أبناءهم من الخروج الى الشارع، مشددين في بيان رسمي على وجوب عدم تحميلهم المسؤولية. السفاح، اسمه محمد آدم عمر اسحاق وهو فني تشريح من مواليد الخرطوم ويبلغ من العمر 52 عاماً استقدمته جامعة صنعاء من معهد الخرطوم التعليمي منذ عام 1993 ويتقاضى 650 دولاراً في الشهر. متزوج من سودانية مقيمة معه في صنعاء ولديه طفلان في السودان أحداهما بنت عمرها 11 عاماً. واعترف في محكمة الاستئناف بصنعاء بخمس تهم وجهتها اليه النيابة العامة وبينها: استخدام الحيلة في خطف الطالبات واغتصابهن وقتلهن وشرب الخمر. كما اعترف بأنه قتل 16 فتاة، سمّى ثلاثة منهن فقط وهن: زينب مسعود عزيز عراقية وحسن أحمد عطية وياسمين أحمد المصباحي يمنيتان. وقال انه تعرف على ياسمين في ميدان التحرير بصنعاء وكان يمارس معها الجنس بشكل مستمر ويعطيها حلي الفتيات اللاتي يقتلهن لتبيعها نظير عمولة. فجاءته ذات يوم وأخبرته أنها حامل منه وفي الشهر الرابع، فتخلص منها. وتوالت اعترافات السفاح عن طريقته في قتل الضحايا وقال: "كل البنات الضحايا يمنيات ما عدا صومالية واحدة. تثيرني الفتيات الجميلات والمتبرجات وأريد الانتقام منهن وقتلهن بعد ممارسة الجنس. والطريقة سهلة، استدرج الطالبة الى المشرحة لاعيرها جماجم لتدرس عليها وأرطم رأسها بيدي بقوة، اذ كنت بطلاً للملاكمة في السودان عام 1976، ثم اغتصبها وأفصل رأسها عن جسدها وأمزقها أرباً، ممارساً هوايتي القديمة في تشريح الأرانب والدجاج. وأدفن الجثث في النفايات بعد استخراج موافقة من عميد كلية الطب". وأضاف: "بعض الفتيات، كنت أغريهن بالدرجات والنجاح من خلال التدخل لدى الدكاترة، والبعض الآخر، اخذتهن عنوة من أمام المشرحة وهن ستة طالبات. ضحية اسمها شاهيناز تعرفت عليها في أحد محلات بيع الكاسيت في صنعاء حيث كانت تشتري شريطاً لعبدالحليم حافظ وبيدها كتاب عنوانه: جرائم حيرت القضاء، استعرته منها ودعوتها لزيارة المشرحة فكانت نهايتها. طالبة أخرى اسمها أروى دخلت المشرحة تبحث عن صديقتها أميرة التي كنت أتحدث معها قبل دقائق وقدمت لها رأس زميلتها ومعه فنجان شاي فأغمي عليها ولحقت بصديقتها في الحال". وعن تصويره لحظات العنف والاغتصاب والقتل بكاميرا الفيديو، قال إنه كان يفعل ذلك للذكرى ويصور تلك المشاهد على أشرطة تبدأ وتنتهي بأفلام مصارعة ومحاضرات دينية للشيخ عبدالمجيد الزنداني وحسن الترابي، حتى لا يكتشف أمره في المطارات. واعترف السفاح بأنه باع مصوغات ذهبية تخص ضحاياه بقيمة مليوني ريال يمني ولكنه نفى تهمة الاتجار بالأعضاء البشرية. ويبدو ان جرائم محمد آدم كثيرة لدرجة أنه لا يستطيع احصاءها وهو يؤكد أنه لا يتذكر عدد ضحاياه وان كانوا لا يقلون عن 50 خارج اليمن و16 داخلها. وأكد انه يمارس أعماله الاجرامية منذ عام 1976 وقال أنه سجن في اسرائيل ولبنان، وزعم انه شارك في الجهاد ضد الاسرائيليين ضمن جماعة أبو نضال. كريمة مطلق، والدة الضحية العراقية زينب مسعود الطالبة في كلية الطب، يطلقون عليها في اليمن "أم الشهيدات" ويعود اليها الفضل في كشف السفاح بإعتراف رجال الأمن أنفسهم. أصيبت بأزمة قلبية بعد معرفتها بمصير ابنتها الوحيدة التي بحثت عنها طيلة خمسة أشهر حتى قدمت الجاني الى أجهزة الأمن. والطالبة زينب مسعود عزيز، عمرها 21 عاماً حاصلة على نسبة 96 في المئة في الثانوية العامة في العراق وقدمت الى اليمن بداية 1998 للدراسة في كلية الطب في صنعاء. وقال خالها صبيح مطلق أنها اختفت في 13 كانون الأول ديسمبر الماضي عندما ذهبت لسحب ملفها من الكلية، وعندما تأخرت الى نهاية اليوم، توجهت أمها الى كل مكان بما فيه منزل السفاح آدم الذي كانت تشك فيه منذ أن قالت لها زميلات زينب أنها دخلت معه المشرحة. واسترجعت أم زينب اصرار السفاح قبل يوم من اختفاء ابنتها على الاتصال بها مرات عدة لكي تحضر الى المشرحة لاستلام جمجمة بلاستيكية للدراسة عليها. واحد من أسر الضحايا هو محمد أحمد عطية شقيق الطالبة حسن عطية في كلية الطب من ضلاع همدان قرب صنعاء، قال: "اختفت حسن في 14 محرم وحين تأخرت في ذلك اليوم، ذهبنا الى ضابط أمن الكلية واستمر البحث حتى مطلع اليوم التالي من دون جدوى". وأضاف وعلامات الألم والحسرة بادية عليه: "مات والدي كمداً وحزناً على أختي التي كان يثق بها كثيراً وكانت الوحيدة من القبيلة التي تدرس بالجامعة". وهدد بأن قبيلة ضلاع ستنتقم من الجاني والذين يقفون خلفه، شر انتقام، إذا لم تنزل به الدولة العقاب المناسب في أقرب وقت. ولم ينم الشارع اليمني بعد وطلاب جامعة صنعاء ينظمون كل يوم تقريباً مسيرة ايطالبون فيها بمحاكمة المسؤولين عن الحادث ومن يسمونهم "شركاء الجاني"، سواء كانوا أساتذة كلية الطب المتورطين أو رجال الأمن أو ادارة الجامعة، في ظل مؤشرات الى وجود عصابة دولية للاتجار في الأعضاء البشرية، بدليل ان كليتي الطالبة العراقية بيعتا بمبلغ 60 الف دولار، حسبما ورد في التحقيقات. وحاولت الحكومة اليمنية امتصاص غضب الناس تحاشياً لأزمة قد تفسد الاحتفالات بعيد الوحدة، لكنها أوقفت عميد كلية الطب الدكتور أحمد الحداد ونائبه وحرس الكلية عن العمل، بناء على تقرير من النيابة العامة. وشكل مجلس النواب اليمني لجنة برلمانية للتحقيق في القضية برئاسة المحامي محمد ناجي علاو الذي تحدث عن ملاحظة لافتة للانتباه وهي أن محمد آدم عثر لديه 500 ربطة عنق وملابس غالية الثمن وبدلات، لا تقل قيمة الواحدة عن 70 ألف ريال، ما يعزز الاقتناع بأن الدافع ليس الجنس أو الرغبة في قتل الجميلات المتبرجات فحسب. وأفادت أطراف قريبة من مصادر التحقيق أن آدم يعمل ضمن عصابة دولية تتاجر بالأعضاء الداخلية للفتيات وأن هناك يمنيين وعراقيين متورطون في الجرائم. وكشفت التحقيقات أن أكبر المستشفيات الخاصة في اليمن تتعامل مع السفاح آدم وتقوم بدور الوسيط في الصفقات. ورأى بعض المراقبين أن هناك اتجاهاً لتحميل آدم القضية بمفرده واعدامه بسرعة لتهدئة الرأي العام وإغلاق ملف سيظل فتحه مزعجاً للكثير من المسؤولين. ويعزز ذلك محاولة تصويره على أنه مختل العقل وشاذ جنسياً. ومن المفارقات أن زوجته ترتدي ملابس رثة ممزقة في الوقت الذي يرفل فيه بنعيم المال.