الكتاب: سنوات الحريق رواية الكاتب: حمزة الحسن الناشر: دار الكنوز الأدبية - بيروت 2000 قبل هذه الرواية، باكورة اعمال حمزة الحسن المطبوعة، كنت قد قرأت روايته "الأولى" التي لم تصدر بعد: الأعزل. وكلا الروايتين سيرة ذاتية. و"سنوات الحريق"، تشير الى أكثر من فضيحة لأكثر من جهة! ابتداء بالسلطة العراقية ونظامها الجائر وانتهاء بأصغر تشكيلات المعارضة العراقية في المنفى. ويعود هذا لكون الكاتب اختار اصعب الطرق في مواجهة خطوب الحياة! وب"سنوات الحريق" أحرق حمزة الحسن كل الجسور وراءه بما في ذلك انتماؤه السياسي الذي كان وما زال السبب الأساس في الحياة الدرامية التي عاشها الأديب حيث "ترجل" وهو طفل صغير وشاخ وهو ما زال شاباً. ومن سوء طالع الكاتب انه يرى النسيج لكنه لا يرى العنكبوت على رغم انه قد يتحول الى اخطبوط يوماً ما! "سنوات الحريق" ستشدد عداء السلطة للأديب. وهنا أعني السلطة بمعناها الأشمل والأعم: الدولة، المجتمع، التقاليد، الدين، المرأة، الحركة السياسية، وبالطبع أصدقاء الأمس! وسيولد ضمن هذه الدوائر أعداء جدد، وسكاكين جديدة! فهل سيستطيع "الأعزل" فك الحصار؟ أم سيموت وحيداً مثل كاظم النجار وهو يصيح: حريق... حريق..! أم أن معجزة ستقع، أقصد ثمة مصالحة بين الذئب والحمل، بين القاتل والقتيل!؟ أشك في ذلك. ثمة أطروحة صاغها الماركسيون عن روايات غالب طعمة فرمان "بأنها سجل لتاريخ العراق السياسي"! وسرعان ما تبنتها الصحافة مرددة ذلك من دون الغوص في أعماق تلك الروايات! أما في "سنوات الحريق" فإننا لسنا أمام كتاب في التاريخ بل امام "مخاض" من الحقائق والمزاعم، من الواقع والخيال، أمام كاتب مجنون في رواية أكثر جنوناً، لذا أنصح القارئ قبل أن يبتدئ بقراءة الرواية ان يتجرد من رؤاه السابقة وتقاليد مجتمعه التي يمارسها في العلن ويغتصبها في السر! على القارئ المقبل طواعية على هذا الجحيم أن يغتسل أولاً، فلا أحد في سنوات الحريق يغسله قبل دفنه إن احترق. رواية حمزة الحسن تذكر بتصميم المدن الكبيرة! ولا سيما مدرسة الايطالي كوربوزييه، فإلى جانب مركز المدينة تتوزع في جميع انحائها مراكز أصغر ما يطلق عليها ميكرو سنتر. أمنا كوربوزييه فطور تصميم المدينة بجعلها شفافة مفتوحة! إذ حرر الطابق الأرضي من السكان وكرسه لوقوف السيارات فيما يبدأ الطابق الأعلى مرفوعاً على أعمدة وبالتالي يمكن الانسان ان يرى منظور المدينة كلها من أية نقطة فيها! فيشعر بالحرية والفضاء الرحب. وبذلك حطم كوربوزييه نظرة الانكليزي كولن ولسون: المدن الكبرى مؤامرة على شعور الانسان!. وهكذا ف"سنوات الحريق" رواية مبنية على "أعمدة كوربوزييه"، وعلى رغم ثقافة حمزة الحسن الموسوعية فلست متأكداً ما إذا كان قد أفاد من كوربوزييه! وهذا ليس مهماً، لكني أدرك تماماً أن "سنوات الحريق" قد أحرقت تماماً آخر اسوار الرواية التقليدية العقدة والحل المبنية على أسس رواية القرن التاسع عشر، والروسية بالذات. لا مركز للرواية في خضم التناقضات الكثيرة والمختلفة. ولكن مع ذلك فلها مركز رئيس وبطل أساسهما الكاتب. وهذا مبرر تماماً لأن الرواية هي سيرة حياة الكاتب. هذا من الناحية الشكلية. أما فكرياً فالأنا هنا لها أبعاد وجودية. أنا مركز الكون وكل ما حولي يدور في فلكي! بما في ذلك المنظومات الشمسية البعيدة، والنجوم التي أفلت، لكن ضوءها لم يصلنا بعد على رغم سرعة الضوء.