انتصرت الصناعات الدفاعية الاوروبية على منافستها الاميركية في معركة جديدة على طائرات النقل الجوي العسكري، بموافقة وزارة الدفاع البريطانية رسمياً على شراء 25 طائرة نقل عسكري من طراز A400M من كونسورتيوم اوروبي بقيادة الآيرباص الاوروبية بالتعاون مع مجموعة "بريتش ايروسبيس" البريطانية، وشراء صواريخ جو-جو "ميتيور" التي ستسلح بها الطائرة الاوروبية "يوروفايتر". وتبلغ قيمة الصفقة خمسة بلايين جنيه استرليني، وذلك لدعم قوات التدخل السريع الاوروبية، المعدة للانتقال الى مناطق التوتر في العالم. ويعتبر الخبراء ان هذا القرار هو تحول تاريخي في اعتماد بريطانيا على البحرية والاساطيل لصالح السلاح الجوي. كان اعلان وزير الدفاع البريطاني جفري هوون في 16 ايار مايو الماضي في مجلس العموم البرلمان مفاجأة، لأن ضغوط الرئيس الاميركي بيل كلنتون وجهوده مع رئيس الوزراء توني بلير لتفضيل طائرات البوينغ والانظمة الصاروخية الاميركية ليست خافية، مستفيداً من العلاقة الخاصة بين واشنطنولندن. ولكن حرص بريطانيا على المضي في الطريق الاوروبي، مع عدم اغضاب الحليف الاميركي، اقترن بحجة قوية هذه المرة، لأن الصفقة تحقق انتعاشاً لمجموعة "بريتش ايروسبيس" يضمن ويوفر فرص عمل لحوالى عشرة آلاف بريطاني. لم تبلغ الضغوط الاميركية على بريطانيا حدّ التوتر لأن المشروع يستغرق سبع سنوات على الاقل، ربحت بوينغ الاميركية خلالها عقد استئجار لطائرات النقل وشراء صواريخ من "ريثيون" C17 و"غلوبماستر"وصواريخ "امرام" القصيرة المدى لتسليح طائرات اليوروفايتر. وكانت الصفقة التاريخية فرصة لتأكيد بريطانيا ما تحب تكراره بدورها القيادي في اوروبا، ولهذا قال وزير الدفاع انها ستؤكد ذلك بجهود اقناع المانيا وايطاليا واسبانيا وتركيا بدعم المشروع. ويتوقع ان تنضم السويد المتقدمة في الصناعة الجوية للمشروع. وفي خلفية ذلك ارقام مغرية هي: بليون جنيه لصواريخ جو-جو "ميتيور" التي تنتجها عملاقة صناعة السلاح البريطاني "ماترا وايروسبيس دايناميكس" تشكلّت في اندماج ضخم للايروسبيس البريطانية مع ماترا الفرنسية السنة الماضية، و5.3 بليون جنيه لشراء ال 25 طائرة النقل العسكري، و500 مليون جنيه لاستئجار طائرات النقل "غلوب ماستر" للسنوات السبع المقبلة. ويؤكد المراقبون "ان العقد يلخص معركة صناعة السلاح بين اوروبا واميركا". ويذكر ان جهود الرئيس كلنتون لاقناع الحكومة البريطانية للتخلي عن هذا العقد لصالح الصناعات الاميركية وصلت الى طريق مسدود بعد ضغوط تسعة شهور وجهت خلالها ثلاث رسائل اساسية الى بلير، لم تفلح على رغم عدم حماسة وزير الخزانة غوردن براون للأمر، بذريعة أن ريثيون الاميركية ارخص ب650 مليون جنيه من ميتيور الاوروبية. ولجأت ريثيون الى تخفيض سعرها من 700 الى 450 مليوناً لتحافظ على هيمنتها وتستمر في احتكار صناعة الصواريخ المتوسطة والطويلة المدى. ولهذا السبب اخّر رئيس الوزراء اعلان الموافقة على الطائرة الاوروبية في قمة الاتحاد الاوروبي في لشبونة، حتى لا تفسر موافقته على الصفقة خطوة تؤشر على التزام بريطانيا بالسياسة الدفاعية الاوروبية المشتركة. الى جانب اهمية الصفقة اوروبياً، فهي مهمة بريطانيا لأنها تنعش صناعة السلاح وتعوض عن الكساد في الصناعات الاخرى. ونجحت جهود حكومة بلير في ابرام عقود دفاعية منها عقد بيع الهند طائرات هوك للتدريب بعد 14 سنة من محاولات اقناعها باستبدال طائرات "لوكهيد مارتن" الاميركية بالطائرة البريطانية. وبلغت قيمة العقد الذي وافقت الهند عليه في الاسبوع الاخير من نيسان ابريل الماضي بليون جنيه مقابل 66 طائرة هوك. وجاء النجاح البريطاني ليسجل ضربة لطائرات ألفا الفرنسية التي كان مقرراً ان تحل محل طائرات ميغ 21 الروسية التي تسببت بمصرع عدد كبير من الطيارين الهنود. وهناك سبب آخر لعدم تصاعد التوتر بين لندنوواشنطن في سباق سوق السلاح هو استمرار الصلة بين عمالقة صناعة الفضاء، فستظل "بريتش ايروسبيس" ماضية في عقود فرعية مهمة مع شركة "لوكهيد" الاميركية للتزود بنظامها للدفاع الالكتروني المتوافق مع انظمة ماركوني-ايروسبيس الالكترونية. وبهذا فان صورة سباق صناعة السلاح الانكلو-اميركي ليست كلها من لونين، بل هناك مساحات رمادية كبيرة تجعل السباق رياضياً بين واشنطنولندن. ويذكر ان تركيز حكومة بلير على صادرات السلاح اثار في مطلع السنة الجارية جدلاً اعلامياً داخلياً حول تناسي القيم الاخلاقية في تلك السياسة، وهو امر اثير ايضاً تجاه السياسة الخارجية. * كاتب وصحافي سوري مقيم في بريطانيا.