لو كان في كتاب "غينيس" للارقام القياسية فصل يسجل اكبر عدد من المؤتمرات الفاشلة في العالم، فربما استحقت دول القارة الافريقية اللقب بجدارة. نقول ذلك، شاهدين على سلسلة طويلة من اللقاءات الافريقية جرت منذ بداية السنة وقبلها بزخم يخيل لمتابعه انه سينتهي الى حلول او الى اتجاه لحل جزء من مشاكل شعوب القارة. لكن اللقاءات تتواصل استكمالاً لبعضها في حين تتخذ الاتجاهات كل الطرق باستثناء طريق الحل. الاحد الماضي اجتمع الاثيوبيون والاريتريون للمرة الاولى في مفاوضات غير مباشرة في الجزائر العاصمة، في محاولة لاقرار خطة وضعتها منظمة الوحدة الافريقية قبل نحو عامين لانهاء الحرب على مناطق حدودية بدأت بين البلدين في مثل هذا الاسبوع من 1989. وما بين بداية الحرب والاحد الماضي، تدخلت عشرات الدول التي اوفدت مبعوثين في رحلات مكوكية لمفاوضات غير مباشرة بين البلدين، وباءت كلها بالفشل. وسجل البلدان خلال هذه الفترة عشرات الالاف من القتلى والجرحى والمشردين لدى كل منهما. وفي يوم الاحد ذاته وفي العاصمة نفسها، عقدت قمة جمعت رؤساء ست دول افريقية برعاية الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الذي هو رئيس الدورة الحالية لمنظمة الوحدة الافريقية، في محاولة جديدة لانهاء الحرب الاهلية في الكونغو الديموقراطية. وذلك على رغم توقيع اطراف النزاع في تموز يوليو الماضي على اتفاق لوساكا زامبيا لانهاء الحرب التي تورطت فيها سبع دول. وخلصت تلك القمة الى التأكيد على ضرورة تنفيذ اتفاق لوساكا، وناشدت مجلس الامن "سرعة تنفيذ المرحلة الثانية من خطة نشر قوات قوات للامم المتحدة لتعزيز التقدم الذي تحقق حتى الان". ذلك مع ان اركان القمة: الرؤساء الجزائري بوتفليقة والكونغولي لوران كابيلا والجنوب افريقي ثابو مبيكي والنيجيري اولوسيغون اباسنجو والموزامبيقي جواكيم شيسانو والمالي الفا عمر كوناري، يعرفون ان الاممالمتحدة لن تنشر قواتها إلا في حال التزام كل الاطراف المعنية وقف النار. ولم تكن كل الاطراف المعنية زيمبابوي وناميبيا وانغولا ورواندا واوغندا، والثوار مشاركة في القمة، لكنها عقدت، من دون ان تنسى الاشادة في بيانها الختامي ب "النتائج المشجعة" التي حققتها!. والثلثاء الماضي افتتح الرئيس الجيبوتي اسماعيل عمر غيللي مؤتمراً للمصالحة الوطنية الصومالية في منتجع عرتا القريب من جيبوتي العاصمة، يهدف الى إنهاء الحرب المستمرة منذ نحو عشر سنوات. ويقول غيللي عن مبادرته للسلام في هذا البلد الذي قضت الحروب والمجاعات فيه على حوالي نصف مليون من سكانه العشرة ملايين وشردت مليوناً آخر، انها تختلف عن المبادرات الاثنتي عشرة السابقة، وانها تستبعد امراء الحرب وزعماء الميليشيات من المشاركة في المؤتمر إلا بصفتهم الشخصية المدنية. وفي المقابل تعطي دوراً اكبر لشرائح "المجتمع المدني"، الذي يضم منظمات صومالية تُعنى بشؤون حقوق الانسان والثقافة والمرأة والتعليم والشباب. وشارك في هذا المؤتمر حوالي 400 شخص من تلك الشرائح وزعيم حرب واحد بصفته الشخصية، هو زعيم "التحالف لانقاذ الصومال" علي مهدي محمد. وهذا الاخير كان يسيطر على جزء من الشطر الشمالي من العاصمة مقديشو حيث فقد اخيراً معظم سطوته عليها، خصوصاً بعدما سطا افراد من ميليشياته في العام الماضي على خزنته لتسلم رواتبهم بانفسهم بعد تأخر في الدفع لشهور عدة. ولما لم يكن في الخزنة ما يكفي لتسديد رواتبهم اخذوا الاسلحة وباعوها. فصار علي مهدي امير حرب من دون سلاح او ميليشيا. مبادرة غيللي تختلف فعلاً عن ال 12 التي سبقتها، وربما كانت الافضل نظرياً. إذ لا يختلف إثنان على ان سبب استمرار الحرب هو النزاع الجاري بين الميليشيات، وما يفعله غيللي هو استبعادهم. وهو يقول، فوق ذلك، إنه سيفرض عقوبات عليهم في حال حاولوا عرقلة او عدم تنفيذ ما سيقرره المجتمعون في مؤتمر عرتا. لكن غيللي الذي يحكم بلداً يعيش على المساعدات الخارجية ولا يزيد عدد سكانه عن 500 الف شخص، لم يذكر في خطته كيف سيفرض عقوبات على مليشيات يتجاوز عدد افرادها بأضعافٍ عددَ جيشه الوطني. وكيف يضمن امكان السيطرة على آلاف من المسلحين الجائعين الذين فرزتهم الحرب ولا يخضعون لسيطرة ميليشيا او قبيلة. ربما كان غيللي يعتمد في مبادرته على دعم المجتمع الدولي الذي اعلن تأييده الكامل لمبادرته التي كان عرضها اولاً امام الجمعية العامة للامم المتحدة في ايلول سبتمر الماضي. لكن هذا المجتمع الدولي نفسه كان أيد كل المبادرات السابقة التي افشلها الصوماليون انفسهم. والى ذلك يعرف غيللي، وهو صومالي بالاصل وبلده كان جزءاً من الصومال الكبير، ان التركيبة المجتمعية في الصومال، حتى في اخر حكومة عرفها قبل الحرب العام 1991، تركيبة قبلية تعود الكلمة الفصل فيها لزعماء القبائل، وأن من شبه المستحيل استبدال هؤلاء برؤساء جمعيات لحقوق الانسان والاغاثة والتعليم والمرأة في ظل الخضوع للتقليد القبلي. وفي إطار اللقاءات ايضاً، عقدت في يوم افتتاح مؤتمر عرتا الصومالي، قمة في لندن لمجموعة العمل الوزارية التابعة لدول الكومنولث والمكلفة مراقبة انتهاكات المبادىء الديموقراطية وحقوق الانسان في دولها. وكان ابرز بند ناقشته مشكلة الاراضي الزراعية في زيمبابوي والتي لم تكن مدرجة على جدول اعمالها المخصصة اصلاً لمناقشة افغانستان. وكما كان متوقعاً، لم تقرر القمة فصل زيمبابوي او تعليق عضويتها في مجموعة دول الكومنولث. بل ابدت تشجيعها وتأييدها لزيارة الامين العام للكومنولث دون ماك-كينون الى هراري للاعراب عن قلق المجموعة إزاء غياب الامن واستمرار احتلال انصار الرئيس الزيمبابوي روبرت موغابي مزارع الاقلية البيضاء، وكذلك لعرض ارسال مراقبين للانتخابات التشريعية المقبلة لضمان نزاهتها. ولم يكن متوقعاً من القمة الوزارية اكثر من ذلك، خصوصاً ان فرض عقوبات عليها سيزيد الوضع الاقتصادي سوءاً، الى جانب ان المعارضة في البلد ترفض ان يتضرر السكان نتيجة اخطاء الرئيس. واذا لم يكن صعباً على موغابي تعبئة قدامى المحاربين في حرب الاستقلال لاحتلال بعض من مزارع البيض، فانه لم ينجح في جر بريطانيا الدولة المُستعمِرة سابقاً، الى حرب قديمة لم تعد شعاراتها الرنانة تحرك سوى المحاربين القدامى وامثالهم القليلين في العالم. فهو حاول باستمرار، منذ بدء الازمة في شباط فبراير الماضي، تدويلها وترويج الانطباع بأن احتلال السود مزارع البيض امتداد لمعركة التحرر الافريقي والكفاح ضد الاستعمار. وهي المعركة التي قادته الى حكم البلاد بعد استقلالها العام 1980، بعد إقصاء رفيقه في "الكفاح" جوشوا نكومو. حكومة حزب العمال البريطانية لم تنجر الى حملة موغابي، ورفضت في الوقت نفسه دعوات حزب المحافظين البريطاني الى فرض عقوبات على زيمبابوي ووقف المساعدات اليها وطردها من عضوية مجموعة دول الكومنولث. ورغم وقف الشحنات والامدادات العسكرية لها، بقي ان لندن مارست ديبلوماسية الهدوء والحوار البارد المعهود لدى الانكليز عموماً، فاعترفت بداية بالظلم الذي لحق بالسكان السود من جراء سيطرة البيض على افضل المزارع الخصبة في زيمبابوي ايام الاستعمار البريطاني، واعلنت صراحة أن ما حصل كان غير عادل. وأتبعت ذلك بعرضها مبلغ 57 مليون دولار للمساهمة في تمويل برنامج مناسب لاعادة توزيع الاراضي، مع التذكير بأن البرامج السابقة اسيء استخدامها، وان ال 30 مليون دولار التي دفعتها بريطانيا منذ 1980 لم تُنفق في إطار الخطة الموضوعة لها. فلندن لم تظهر في هذه الازمة كما يريد لها موغابي، اي بمظهر المنقذ للبيض والمدافع عن حقوقهم ضد السود. فخاضت المعركة الديبلوماسية بتركيزها على ان انتهاك القانون والنظام، الذي يفترض ان يطبقه موغابي، يهدد السود والبيض على السواء، كما يهدد بانهيار اقتصاد البلد عموماً. لذلك جاءت قرارت قمتها هادئة ايضاً، واخذت في الاعتبار ان موغابي يريد استخدام معركة المزارع لكسب اصوات السود في حملته الانتخابية. بيد ان المشكلة، هنا ايضاً، لم تُحل. وفيما كانت تتفاقم انفجرت في بلد افريقي آخر: سييراليون!