لم يحن البكاء على مايكروسوفت بعد. ربما لن يحين هذا الموعد في أي وقت في المستقبل المنظور. مناسبة هذه الفاتحة اقتراح الادعاء في القضية القضايا؟ التي رفعتها وزارة العدل الاميركية مع 19ولاية اميركية اختارت 17 ولاية تبنّي التوصية رسمياً على مايكروسوفت بخرق قانون المنافسة غير الشرعية وممارسة الاحتكار ولي الأذرع شطر مايكروسوفت شطرين عقاباً لها على ممارساتها: واحد مختص بانظمة تشغيل الكومبيوترات الشخصية، أي ويندوز وشقيقاته، والآخر بالبرمجيات الأخرى: حزمة مايكروسوفت، العاب، ادوات للانترنت، موسوعات الخ. ستحاول مايكروسوفت ان تعرقل تنفيذ هذا القرار على اساس ان شطر الشركة جزئين لن يكون في صالح المستهلك أي مستخدم برمجياتها وليس في صالح المساهمين في الشركة لكن يبدو ان فرصها ليست جيدة وهذا يفسر انهيار سعر اسهمها من نحو 110 دولارات إلى أقل من 70 دولاراً. ويبدو ان مايكروسوفت تسعى الى تجنيد جمع حاشد من الشهود والمستخدمين المدهوشين ببرمجيات مايكروسوفت لتقديمم إلى القاضي توماس بينفيلد جاكسون لعل هؤلاء يستطيعون البرهنة على ان قرار الشطر لا مسوّغ له. لكن القاضي جاكسون سيرفض هذا الطلب على الأرجح لأنه سبق ورفض طلباً مماثلاً قبل سنتين. القرار الذي توصل إليه القاضي يدين مايكروسوفت ادانة صريحة وفي مناسبات عدّة لذا قانونياً على الاقل يبدو ان مايكروسوفت فعلت الكثير مما اتهمت به كأن تربط برمجياتها ببرنامج التصفح "انترنت اكسبلورر" لاضعاف منافسه "نيتسكيب نافيغيتر" الذي طورته نيتسكيبب كوميونيكيشنز. لماذا تريد مايكروسوفت تأجيل تنفيذ توصية الشطر على الرغم من ان القاضي جاكسون كان قال نهاية الشهر الماضي انه يريد حلاً عاجلاً لهذه المشكلة لأنها تساهم مساهمة كبيرة في الاضطراب الذي شهدته وتشهده اسواق الأسهم الاميركية خصوصاً ناسداك حيث يدرج معظم اسهم شركات التقنية؟ لأنها تعتقد أن الرئيس الاميركي الذي سيخلف بيل كلينتون سيكون أكثر "تفهماً" من الرئيس الحالي وربما عرقل توصية الشطر او الغاها نهائياً. شخصياً لا أعتقد ان هذا سيحدث. اميركا دولة رأسمالية واسواقها مفتوحة لكنها لا تحتمل المنافسة غير الشرعية لانها تقتل روح السوق المفتوحة وتخنق المنافسة التي هي روح الاقتصاد الحر. في نهاية القرن التاسع عشر بدأت تحركات قضائية لوقف الاحتكار الذي مارسته شركة ستاندرد اويل العملاقة وفي بداية القرن العشرين شطرت الشركة ثم عادت الحكومة الاميركية وشطرت شركة "اي.تي أند تي" قبل عقدين تقريباً. ماذا سيحدث لنا؟ وماذا سيحدث لنا نحن المساكين مستخدمي برمجيات مايكروسوفت اذا اصبحت هذه الشركة شركتين ولم تعد القوانين تسمح ان يطّلع مبرمجو هذا الشطر على الرمز الكومبيوتري لبرمجيات الشطر الثاني؟ لن يحدث شيء. مايكروسوفت لم تنجح فقط في التضييق على المنافسة بل في خنقها. ذهب كل المنافسون ولم يبق واحد يستطيع الوقوف على قدميه. هذا يشمل انظمة التشغيل اساساً لكنه يشمل البرمجيات الرئيسية الموجودة في حزمة مكتب مايكروسوفت مثل وورد لمعالجة الكلمات واكسيل لاعداد جداول الحسابات الالكترونية وباور بوينت للعرض وغيرها. سيقول احد القراء: لينكس. لينكس نظام لا يزال يعيش على الهامش وسيظل يعيش على الهامش فترة طويلة. أبل لم تستطع اختراق سوق الكومبيوترات المتوافقة مع كومبيوترات "آي.بي.ام"، أي pc إلا اخيراً وفي صورة ضعيفة جداً والبرمجيات الجديدة التي ستخدم كل البيئات لا تزال في مراحل الاختبار. يجب ان يتذكر مستخدمو الكومبيوترات الشخصية شيئاً مهماً. توافر برنامج أقوى من البرنامج الذي نستخدمه حالياً لا يعني اننا مستعدون للانتقال اليه آلياً. العقل مثقل بكل جديد والوقت لم يعد متاحاً للتعلم لأن على مستخدم الكومبيوتر "هضم" كميات ضخمة من المعلومات هذه الايام. مثلاً فلان اشترى كومبيوتر من البائع الفلاني فيه نظام التشغيل والبرمجيات المناسبة والالعاب والاتصال بانترنت وهكذا. لا يستطيع هذا المستخدم ان يشتري نظام لينكس ويحمّله بنفسه. لينكس يمكن ان يكون افضل من نظام ويندوز وشقيقاته لكن تحميل هذا البرنامج ليس سهلاً على المستخدم العادي. من أين سيحصل على المساعدة؟ كيف سيضمن توافق البرامج في كومبيوتره مع لينكس؟ باختصار يمكن ان يحدث شيء لمايكروسوفت فتصبح شركتين واحدة اسمها مايكرو والثانية سوفت لكن هذا لن ينقذ المستخدم. ما لم تطلع الشركات المخنوقة الاخرى ببرمجيات ثوروية سهلة التركيب رخيصة الثمن لن يكون على المستخدم التعامل مع مايكروسوفت كما الحال الآن بل التعامل مع مايكرو والتعامل مع سوفت. أي ليس صداعاً واحداً بل اثنين. كان على وزارة العدل الاميركية ان تتدخل قبل ثماني سنوات وليس الآن. تكفي مصارعة برمجيات شركة واحدة هي مايكروسوفت. لماذا يجب علينا ان نصارع برمجيات شركتين؟ ثم العربية؟ ماذا سيحدث لفريق تطوير العربية في مايكروسوفت؟ هل سينشطر هو الآخر فيخدم قسم نظام التشغيل والآخر البرمجيات الباقية؟ لا اعتقد شخصياً ان ويندوز نظام عظيم لكنه نظام متوافر وشائع ويمكن شراؤه من أي مكان تقريباً وخلفه شركة ضخمة تستطيع خدمته. أيضاً برنامج التصفح انترنت اكسبلورر اعتبره افضل من نيتسكيب نافيغيتر وكلاهما متاح مجاناً لذا لا مشكلة هنا. إذا ضمن لنا القاضي جاكسون ورهطة إلا تتأثر جهود التعريب في مايكروسوفت فليشطر الشركة عشرين شطراً وليس اثنين فقط. برمجيات مايكروسوفت، على سوئها، لم تكن المذنبة ولم تجلب الخراب على رأس الشركة. بيل غيتس وقياداته مسؤول عن ممارسات كان يجب الا يقوم بها. الشركات المنافسة التي يمكن ان تستفيد من شطر مايكروسوفت يمكن ان تكون افضل من مايكروسوفت لكن يمكن ان تكون اسوأ منها. بدأت بالقول انني لا اعتقد ان الوضع سيتغير اكانت مايكروسوفت قسماً او قسمين. عشرات الملايين استثمرت المال والوقت في التعامل مع ويندوز وبرمجياته ولن ينتقل هؤلاء إلى نظام منافس. إذاً لا خشية. يمكن ان يختفي بيل غيتس لكن ما صنعه سيظل يطل علينا من شاشة الكومبيوتر زمناً طويلاً مقبلاً. [email protected]