اعلنت اثيوبيا في شكل مفاجئ أمس انها سحبت قواتها من غرب اريتريا، مشيرة في الوقت نفسه الى أن ذلك لا يعني توقف الحرب المستمرة منذ عامين واشتدت في 12 من الشهر الجاري. واعتبرت اريتريا ان الجيش الاثيوبي "انسحب مجبراً لعدم قدرته على مواصلة القتال". وفيما استمرت المعارك على الجبهة الشرقية، ساد تفاؤل حذر في اليوم الأول للمفاوضات الاثيوبية - الاريترية غير المباشرة التي بدأت أمس في الجزائر. وقال المبعوث الخاص للرئيس الجزائري أحمد اويحيى الذي يشرف على المفاوضات، ان النقطة السلبية الوحيدة التي ظهرت أمس هي اصرار كل طرف على ان يسحب الطرف الآخر قواته خارج مناطق النزاع. قالت الناطقة باسم الحكومة الاثيوبية سولومي تاديسي ل"الحياة" في اديس ابابا امس، "ان الجيش الاثيوبي انسحب من المناطق الغربية والوسطى الاريترية، بعدما نفذ مهمته بنجاح واسترد الأراضي التي احتلتها اريتريا في أيار مايو 1998". وأضافت ان القتال سيستمر "حتى انسحاب الاريتريين من كل الأراضي الأخرى التي احتلوها". وقالت انها لا تستطيع أن تؤكد انسحاب القوات الاريترية من منطقة بادا الشرقية. لكنها أكدت ان المعارك كانت متوقفة تقريباً على كل الجبهات خلال الأيام الثلاثة الماضية. وعلى رغم أن اعلان انسحاب القوات الاثيوبية أمس كان مفاجأة لكثيرين في اديس ابابا، إلا أنه كان متوقعاً في أي لحظة. ويعتقد بعض هؤلاء المراقبين بأن الفراغ الذي سيحدثه الانسحاب الاثيوبي يمكن أن يكون فرصة ذهبية للمعارضة الاريترية المسلحة المترقبة على الحدود منذ تجدد القتال لتنال نصيبها من الانتصارات الاثيوبية. ويرى بعض الديبلوماسيين الغربيين في اديس ابابا انه من الصعب تأكيد انسحاب القوات الاثيوبية بهذه السرعة، خصوصاً ان اثيوبيا كانت حتى يوم أول من أمس تؤكد انها لن تنسحب من الأراضي الاريترية الا بعد استرداد كل شبر من أراضيها التي تدعي انها تابعة لها. وربما كان اعلان الانسحاب أمس يهدف الى تأكيد انه ليس لدى اثيوبيا مطامع توسعية في الأراضي الاريترية. وفي اسمرا، قال الناطق باسم الرئاسة الاريترية يماني غبري مسكل ل"الحياة" امس ان القوات الاريترية "أجبرت الجيش الاثيوبي على الانسحاب من مناطق اقليم القاش - بركة". واستبعد تجدد اندلاع معارك قريباً على الجبهة الغربية "لعدم قدرة الجيش الاثيوبي على القتال بعد الهزائم التي مني بها في الأيام الأخيرة". وأضاف: "ان اثيوبيا تعرضت لهزيمة ساحقة، وفقدت 70 ألف جندي بين قتيل وجريح في الجبهات المختلفة. كما اسقطت دفاعاتنا تسع طائرات حربية". وتابع "أن اثيوبيا أضحت ضعيفة، وخرجت بجيش منهك لا يستطيع القتال مرة أخرى". واعتبر ان اثيوبيا لم تحقق أي نجاح في أهدافها المعلنة المتمثلة في احتلال أسمرا، وتدمير القدرات العسكرية للقوات الاريترية واسقاط حكومة اسمرا. وقال الناطق الرئاسي الاريتري، "ان القوات الاثيوبية دمرت المنشآت الحكومية كالمدارس والمستشفيات في سنعفي وبارنتو". وعن الوضع في الجبهات الأخرى قال ناطق عسكري اريتري، انها "شبه هادئة"، لكن يوم أول من أمس "شهد قصفاً اثيوبياً مركزاً استمر ساعتين على مدينة عدي قيح" التي تبعد مسافة 60 كيلومتراً من اسمرا. من جهة أخرى، بدأت أمس في الجزائر جولة جديدة من المفاوضات "الجوارية" غير المباشرة بين اثيوبيا واريتريا تحت اشراف وزير الدولة وزير العدل الممثل الشخصي للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة المكلف ملف النزاع في القرن الافريقي السيد أحمد اويحيى. وقالت مصادر رسمية ان المحادثات "ستتواصل لأيام عدة من دون تحديد فترة زمنية على الرغم من الأجواء الايجابية". وتركزت لقاءات اويحيى في اليوم الأول على معرفة المواقف المبدئية لكل بلد ومدى تمسك كل طرف بالمواقف المعلنة في شأن التوصل الى تسوية للنزاع. وبدأ اويحيى المفاوضات مع وزير الخارجية الاثيوبي سيوم مسفن الذي عرض ملاحظاته على النقاط التي لا تزال عالقة، خصوصاً الترتيبات التقنية لخطة السلام الافريقية. ثم اجتمع في المساء مع وزير الخارجية الاريتري هايلي ولد تنسائي. ويتوقع ان تركز المحادثات اليوم على معالجة الترتيبات التقنية للسلام التي يرجح أن تحصل تعديلات فيها استناداً الى التطورات العسكرية الأخيرة. وكان لافتاً سماح الرئاسة الجزائرية للصحافيين بدخول اقامة "الميثاق" الرسمية حيث تعقد الاجتماعات والتي ميزها الطابع التفاؤلي لمسؤولي البلدين في إمكان التوصل الى تسوية سلمية خلال جولة المفاوضات غير المباشرة. وعن اصرار القوات الاثيوبية على مواصلة القتال على الرغم من انسحاب القوات الاريترية من مناطق النزاع، قال الوزير مسفن: "الحقيقة في الميدان أمر آخر ... ان اريتريا ما زالت تحتل أراضي في الشمال الشرقي لاثيوبيا وهو سبب كاف لمواصلة القتال". وقال الوزير الاريتري ولد تنسائي ان بلاده تلتزم العمل على تقدم مسار السلام الذي أعدته منظمة الوحدة الافريقية، خصوصاً المفاوضات غير المباشرة "من أجل تسوية النزاع نهائياً". واتهم اثيوبيا "بمحاولة غزو اريتريا" مشيراً الى ان "عمليات القصف التي جرت الاثنين طالت أهدافاً عسكرية ومدنية خلافاً لما صرحت به اديس ابابا من انها استهدفت مواقع عسكرية فقط". وقال اويحيى ان هناك "نقاط خلاف" لا تزال قائمة في المحادثات. وأضاف: "من المبكر جداً التحدث عن النتيجة النهائية"، لكنه اعتبر ان "نقطة الخلاف في هذه المحادثات تبقى المواقف المتناقضة للجانبين". خصوصاً تلك المتعلقة ب"انسحابات قوات البلدين". وقال ان كلا من اريتريا واثيوبيا يعتبر ان الطرف الآخر يجب ان ينسحب اولاً.