لا يمل الاميركيون من الوقوف في طوابير للحصول على سلعة أو خدمة، وتبدو مشاهد الصفوف الطويلة امام المحال والشركات وصالات السينما والمسرح وحتى امام الهواتف العمومية عادية ومألوفة، لكن الطوابير التي وقف فيها الاميركيون امام صالات السينما التي تعرض فيلم "قواعد الاشتباك" RULES OF ENGAGEMENT فاقت غيرها من الطوابير. ويبدو أن الاميركيين يقبلون دائماً على ترسيخ ما ألفوا عليه وما ثبت في عقولهم ليزيدوه تثبيتاً. وعلى رغم ان صانعي الفيلم يعون تلك الحقيقة إلا أنهم أرادوا أن تكتمل الصورة بالمزج بين مشاهد تسيء الى العرب واخرى صارت ضرورية لتحقيق النجاح التجاري كالعنف والجنس اضافة الى قليل من الكوميديا. وفشلت محاولات الجاليات العربية والجمعيات والمنظمات العاملة في مجال مكافحة التمييز العنصري في منع عرض الفيلم أو اقناع شركة "بارامونت" المنتجة بحذف بعض المشاهد، وهم رأوا أن النية لم تكن حسنة لدى مسؤول الشركة إذ على رغم أن عشرات الأفلام الاخرى حملت المعاني ذاتها إلا أن خطورة "قواعد الاشتباك" أو "قوانين الحرب" كما أسماه آخرون، تكمن في انه خرج في وقت كاد يترسخ فيه الاعتقاد لدى الاميركيين بأن الإسلام مرادف للإرهاب وان العربي مرادف للجهل والتخلف والعنصرية. ولم تر "بارامونت" في الفيلم ما يسيء الى العرب او المسلمين، وتجاهلت مطالبات "اللجنة الاميركية العربية لمناهضات التفرقة" بمنع عرض الفيلم الذي حقق في عطلة نهاية الاسبوع الماضي أعلى الايرادات، محققاً 15 مليون دولار. وكانت اللجنة ارسلت خطاباً الى الشركة اكدت فيه ان الفيلم يدخل في إطار الافلام التي تحط من قدر شعب بأكمله عن قصد وتعمد تماماً مثلما كانت افلام: "مولد امة" و"يهودي الى الابد" و"أمير مصر". ولاحظت اللجنة ان مشاهد الفيلم عن العرب جاءت كلها سلبية ولم تبرز فيهم أي شيء ايجابي، حتى الاطفال العرب في الفيلم ظهروا وهم يلوحون باستخدام اسلحة اوتوماتيكية الى رجال المارينز الذين يتولون حراسة السفارة الاميركية في اليمن، حيث تدور أحداث الفيلم. ودائماً كانت تخرج من هؤلاء الاطفال عبارات السباب والشتائم ضد اميركا والاميركيين. اما المجتمع اليمني في الفيلم فظهر على صورة مجتمع متخلف مناهض للاميركيين المتحضرين. والصورة النمطية للعرب بدت وكأنها لم تتغير فكل السيدات محجبات ومنقبات وكل الرجال لا يرتدون إلا الجلاليب والكل يصرخ بعبارات غاضبة ضد اميركا، واليمنيون لا يمرون امام مقر السفارة إلا ويصوبوا اسحلتهم في وجه الاميركيين المسالمين. الشعب اليمني في الفيلم عنيف ودائماً يرتكب السلوك المعيب، فالكل يكذب حتى رجال الشرطة والاطباء كلهم كذابون وفي الخلفية دائماً، اصوات تصدر من اجهزة كاسيت تطالب بالاعتداء على الاميركيين وقتلهم. وأوضح رئيس اللجنة السيد حسن ابيش انه اجرى في كانون الثاني يناير الماضي اتصالات مع "بارامونت" ابدى فيها قلقه من تأثير عرض الفيلم على وضع الاميركيين العرب ونظرة المجتمع إليهم. لكن مسؤولي الشركة لم يبدوا أي تعاون. واضاف: "يمكننا الآن فهم إصرار الشركة على عدم فتح حوار معنا ورفضها مشاهدتنا للفيلم قبل عرضه تجارياً". ورأى أن الشركة "ساهمت في جعل الحياة اليومية لكل العرب الاميركيين صعبة وخطرة"، وتابع "تحادثت مع نائب رئيس الشركة بلايزر نوتو فوجدته متجاهلاً تماماً لأي مطالب". واعتبر ابيش أن ما ظهر في الفيلم "لا تضاهيه اي صورة سلبية اخرى للعرب والثقافة العربية في أي فيلم آخر". وانتهى الى أن "الصور السلبية عن العرب في الفيلم لا يمكن حصرها، في حين يمكن حصر الصور الايجابية بسهولة لكونها غير موجودة". ويتساءل العرب الاميركيون عن الاسباب التي جعلت "بارامونت" تختار اليمن مسرحاً لاحداث الفيلم. تلك هي الصورة التي تعتبر العربي "الآخر" في الثقافة الاميركية المعاصرة، وتصور العرب رجالاً ونساء وأطفالاً بأنهم "الاعداء والارهابيون الذين يجب حصدهم".