منذ أن أعلن الكوميديان البريطاني ساشا كوهين عن نيته تقديم فيلم ساخر عن ديكتاتور عربي, والجمهور في لهفةٍ لمعرفة كيف سيكون شكل سخريته من العرب وهل سيُسيء لهم كما أساء سابقاً للكازاخستانيين في فيلم (بورات), وقد زاد حجم الانتظار حين بثّت شركة بارامونت المنتجة للفيلم إعلاناً قصيراً منتصف ديسمبر الماضي يظهر فيه ساشا كوهين بشخصية تقترب من شخصية الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي؛ مُحاطاً بحرس من النساء ومرتدياً ملابس غريبة ذات ألوان متضاربة. الفيلم الذي انطلقت عروضه في صالات السينما العالمية قبل أسبوعين من الآن, تحت عنوان (الديكتاتور-The Dictator), يقدم حكاية ديكتاتور عربي يدعى علاء الدين ويحكم دولة اسمها "واديا", ويُحاكي في تصرفاته الرئيس معمر القذافي من حيث جنونه وطغيانه ورغبته في امتلاك القوة النووية ليحرق بها العالم. المشاهد الأولى للفيلم تأخذنا في رحلة تعريفية بواقع هذا الزعيم وطريقة إدارته لدولته؛ الإعدامات التي ينفذها لأتفه الأسباب, لياليه الحمراء التي يقضيها مع عدد غير محدود من النساء, ومختبراته العلمية التي سخّرها لخدمة أهدافه الشيطانية. ترسم لنا هذه البداية شكل الحياة العابثة التي يعيشها الزعيم "الديكتاتور" والتي ستتوقف وتنقلب رأساً على عقب عندما يعلم أن الأممالمتحدة تنوي معاقبته بشدة, فيقرر الذهاب إلى أمريكا وهناك يتعرض لمكيدة تقصيه عن الحكم وتجعل بلاده رهينة لسياسيين فاسدين ينوون السيطرة على ثروته النفطية. الفيلم رغم أنه يدعي السخرية من شخصية "الزعيم الديكتاتور" فقط, إلا أنه لم يسلم من النظرة الغربية النمطية تجاه العرب والمسلمين, فالمظهر العام لهم داخل الفيلم لا يخلو من إشارات التخلف والهمجية والشهوانية وهي الصفات الأزلية الملازمة للنظرة الاستشراقية منذ بدايات الاستعمار الغربي للمشرق الإسلامي, ويكرسها الفيلم عبر مشاهد جانبية لشخصيات أخرى تنتمي لدولة "واديا", كما يتبنى بوضوح وجهة النظر الصهيونية تجاه الصراع العربي/الإسرائيلي, فلا يأتي ذكر اسم "إسرائيل" في ثنايا الفيلم إلا وتجد الديكتاتور وأفراد شعبه يمتعضون بنفس الدرجة, وكأنه يشير إلى أن كراهية إسرائيل هي أمر متفق عليه بين العرب مهما اختلفوا في توجهاتهم الفكرية والعقائدية. من ناحية فنية يعتبر الفيلم ساقط كوميدياً وأخلاقياً باعتبار نَفَسِه العنصري ضد العرب, ومع أنه حاول تعميم الإساءة لتشمل حتى السياسيين الأمريكيين الذين ظهروا هنا بمظهر الانتهازيين القتلة, إلا أن ذلك ضاع في غمرة تكريسه لتخلف العرب, وجهلهم, وعنفهم المتجذر في الأعماق والذي تجلى في مشهد تعذيب "الزعيم" في أمريكا حين ينصح معذبيه بأن يذهبوا للعالم العربي لمعرفة آخر إصدارات أدوات التعذيب وأكثرها تطوراً. الرسالة التي يبعثها الفيلم هي أن العرب متخلفون وغير قابلين للتطور, والأهم أنهم ليسوا أهلاً للثقة على الإطلاق, فمهما بعثوا من عبارات التطمين تجاه إسرائيل إلا أنهم في أعماقهم ينتظرون الفرصة للانقضاض عليها وتدميرها, ولو علم "الديكتاتور" أن زوجته "يهودية" فإنه سيعطي الأوامر بإعدامها على الفور.