شهدت لندن خلال اليومين الأخيرين تباعاً غياب شخصيتين من بين الأشهر والأطول حضوراً في المشهد الثقافي والفني. إذ أعلنت أول من أمس وفاة باربرا كارتلاند 98 عاماً، الروائية الرومنسية التي تعتبر من بين الأوسع رواجاً وربما الأغزر انتاجاً في العالم، فيما توفي أمس السير جون غليغود 96 عاماً، آخر ذلك الجيل اللامع من الممثلين الكلاسيكيين الذي ضم لورنس اوليفييه ومايكل ريدغريف ورالف ريتشاردسون. كان غليغود لعب في الثلاثينات دور"هاملت"، في اداء اعتبر الأعظم حتى الآن لتلك الشخصية الشكسبيرية. إلا أن حياته الفنية لم تقتصر على مسرحيات شكسبير والمسرح الكلاسيكي عموماً، بل نشط أيضاً في مجال السينما، حيث ظهر في اكثر من خمسين فيلماً. وجاءت وفاته اثناء العمل في لندن على فيلم "الكارثة" المأخوذ عن مسرحية لصموئيل بيكيت. وقال عنه كاتب سيرته المسرحي البريطاني شيريدان مورلي: "لم نخسر بوفاته الممثل الأعظم فحسب بل أيضاً الرجل الذي كان صلة الوصل مع مسرح العصر الفيكتوري". وأضاف: "قام بدوره الأخير على المسرح منذ عشر سنوات، لكنه استمر في التمثيل والتسجيل الاذاعي حتى نيسان ابريل" الماضي. أما باربرا كارتلاند، فاعتبرت دوماً من بين أطرف شخصيات بريطانيا أكثر مما هي روائية، رغم كمية انتاجها الهائلة في هذا المجال. وهي مضرب المثل في العقلية الارستقراطية والتمسك بالمنظور الرومنسي التقليدي في العلاقة بين الرجل والمرأة الذي يرى كثيرون انه أصبح طي الماضي. ومن بين أقوالها في هذا السياق: "المشكلة ان انكلترا تريد الجنس، لكني لا أكتب عن الجنس!". ويعرف انها الجدة بالتبني للراحلة ديانا أميرة ويلز، لكنها لم تكن من بين المدعوين الى زفاف الأميرة وولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز. واذا كان هناك اجماع على تواضع مستواها الفني، فإن كثيرين يعزون ذلك الى سرعتها الخارقة في التأليف. إذ كانت في أوجها تكتب روايتين في الشهر، وزاد عدد مؤلفاتها على 700 كتاب - وذلك عدا مساهماتها الصحافية والاذاعية الكثيفة. لكن تندر الأوساط الثقافية بكتاباتها ومواقفها لم يمنع انتشارها الواسع في بريطانيا وترجمتها الى أكثر لغات العالم. وفي 1988 منحها الرئيس جاك شيراك، الذي كان عمدة باريس وقتها، ميدالية ذهبية بمناسبة وصول مبيعاتها في فرنسا الى 30 مليون نسخة. ومن المعجبين بها أيضا، حسب صحيفة "ديلي ميل" العقيد معمر القذافي. في 1990 أرسلت كارتلاند الى صحف بريطانيا الرئيسية مقالة تأبينية عن نفسها. وكتبت: "تحملت دوماً قسطاً من المضايقة، واحيانا السخرية، من الصحافة، لكن وجدت منها أيضاً الكثير من الود". وها هي الصحافة البريطانية تؤبنها حقيقة الآن، وبالمزيج نفسه. وكتب الناقد والروائي غيلبرت أدير، الذي تقصّد قراءة مجموعة من رواياتها بعدما اكتشف ان غالبية المثقفين لم تقرأ، بل في احيان كثيرة لم تر عياناً أيا من تلك الكتب: "بدا لي من الأدلة ان قرّاءها، كلهم وحيثما كانوا، يشبهون الأطفال، لأنهم يريدون سماع القصة نفسها مراراً وتكراراً". لكن هناك الكثير منهم بالتأكيد. فقد ذكرت صحيفة "غارديان" في تأبينها ان المكتبات العامة في مقاطعة اسكس ضمت في 1995 أكثر من ثلاثمئة من رواياتها، اي نحو نصف انتاجها، فيما هناك الآن في مكتبة "أمازون" الكبرى على الانترنت مئة من تلك الروايات.