تبدو جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة في مصر أكبر الخاسرين من قرار لجنة شؤون الأحزاب المصرية تجميد نشاط حزب العمل. فالعلاقة بين الجماعة والحزب اللذين دخلا في تحالف انتخابي في شباط فبراير العام 1987 ظلت مفيدة للطرفين.اذ استغل "الإخوان" مقار الحزب في عقد مؤتمرات وندوات اثناء الأزمات العديدة التي مروا بها مع الحكومة. وبقيت صحيفة "الشعب" نافذة مهمة استغلها "الإخوان" في نشر مقال اسبوعي للمرشد العام للجماعة أو نائبه يحمل وجهة نظر التنظيم في قضايا الوطن والمواطنين، وكذلك رسائل من المرشد إلى عناصر "الإخوان" في كل مكان إلى درجة أن توجيهات كانت تصدر من مقر "الإخوان" الى عناصر الجماعة في المحافظات توجب عليهم شراء "الشعب" لدعمها من جانب وللتعرف على اخبار الجماعة وتوجيهاتها من جانب آخر. لكن الحزب كان أيضاً ضحية ل"الإخوان". فمنذ تأسيسه العام 1979 وحتى 1987 لم يكن هناك ما يقلق الدولة منه فهو يعارض مثل غيره من الأحزاب. ولم تصل معارضته أبداً درجة العداء للنظام التي وصلت إليها بعد تحالفه مع الجماعة. وكانت الانتخابات التي جرت العام 1984 سبباً في تحالف "الإخوان" مع حزب الوفد الليبرالي. وبدا هذا التحالف منطقيا بين جماعة محظورة يسعى قادتها الى دخول البرلمان عبر بوابة حزب معترف به يتمتع بالمشروعية لكون الانتخابات جرت بنظام "القوائم المطلقة" أي محظور على غير المنتمين للأحزاب المشاركة فيها، وحزب يحمل تراثا وتاريخا حافلا لكنه يفتقد الجماهير فوجد في "الإخوان" ثقلاً كبيراًَ. وعاشت الجماعة واحدة من أصعب فتراتها حينما تم حل البرلمان في شباط فبراير العام 1987 بعدما قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم شرعية البرلمان لكون الانتخابات جرت بطريقة غير دستورية حيث حرمت المستقلين من غير المنتمين للأحزاب المشاركة فيها. وأعلن الوفد فض التحالف مع "الإخوان" الذين شعروا بإحباط شديد لكونهم فقدوا ثمانية مقاعد في البرلمان كانوا حصلوا عليها تحت غطاء "الوفد" ولأن الوقت كان ضيقاً، إذ أن الانتخابات التالية كانت ستجرى في نيسان ابريل من العام نفسه تلاقت مصالح "الإخوان" مع "العمل". وكان طموح الجماعة يرتقي الى الفوز بعدد أكبر من المقاعد في الانتخابات التي جرت بنظام "القائمة النسبية"، إذ خصص لكل دائرة انتخابية قائمة ومقعد واحد للمستقلين. والتقط الأمين العام لحزب العمل عادل حسين الخيط وذهب الى "الإخوان" يعرض عليهم التحالف الذي بدا وقتها غير منطقي. ودارت تساؤلات عن كيفية الاتساق بين جماعة إسلامية تضع في أولوياتها محاربة الاشتراكيين وحزب قام على أسس اشتراكية. لكن المصالح تغلبت، اذ وجد "الإخوان" في الحزب غطاءً مناسباً وفي صحيفته نافذة واسعة بعدما حرموا من التعبير عن آرائهم في صحيفة "الوفد". في مقابل ذلك وجد حزب "العمل" الذي فشل في الوصول الى البرلمان في انتخابات العام 1984 في كتلة "الإخوان" الانتخابية رصيداً مهماً مكنه بالفعل من الوصول الى مجلس الشعب. ولأن الحزب كان يموج بخلافات ما بين جناحيه الاشتراكي والاسلامي سعى حسين الى تدعيم قواعده وكان الملجأ أمامه جماعة "الإخوان" التي دخل 35 من رموزها البرلمان في انتخابات 1987. ووجدت الجماعة نفسها مجبرة على أن ترد الجميل فجيشت أعضاءها لمناصرة جناح حسين داخل الحزب، ووقع آلاف "الاخوان" استمارات عضوية الحزب لتصبح الغالبية في الجمعية العامة للأعضاء أصحاب الفكر الاسلامي ليفوز جناح حسين في كل الانتخابات الداخلية ويتمكن من توطيد نفوذه من خلال تحكمه في تشكيل الأمانة العامة للحزب والمكتب التنفيذي، واختيار القائمين على صحيفة "الشعب". و على رغم أن الاعتقاد بأن خسارة الحزب من قرار التجميد يفوق خسارة "الإخوان" على أساس أن جناح حسين صار بلا ريش يعتمد عليه في التحليق في حين أن قرار التجميد لم يضر "الإخوان" من الناحية التنظيمية إذ أن قواعد الجماعة موجودة، فإن الظروف التي تمر بها الجماعة حالياً والتي ظلت رغم قرار حلها العام 1954 والإجراءات التي عصفت بها في العهد الناصري وكذلك ما لحق بها من أضرار نتيجة الخلافات الداخلية التي تفجرت بين شيوخها وجيل الشباب، وأخيراً فقدانها النقابات المهنية التي استغلتها لسنوات كمنابر لها، على رغم كل ذلك يعاني "الإخوان" مشاكل لا حصر لها. ويبدو أن وطأة الإجراءات التي يعانيها "الإخوان" والمشاكل التي تعصف بتنظيمهم كانت وراء ما اعتبرته أوساط الحكومة تصعيداً من جانبهم وذلك حينما "ركبوا" حملة حزب العمل ضد المسؤولين عن نشر رواية "وليمة لأعشاب البحر". فالبيان الذي اصدره "الإخوان" ضد الرواية حوى من وجهة نظر الحكومة تحريضاً على الخروج عن القانون وفُسرت تظاهرات طلاب وطالبات الأزهر على أنها جاءت استجابة له. ولأن الخط الأحمر الذي لا تقبله الحكومة دائماً هو مسألة تحريك الجماهير فإن عقاب "الإخوان" عن طريق تجميد نشاط حزب العمل يكاد يفوق العقاب الذي تعرضوا له عقب تورطهم في المسيرة التي خرجت في نيسان ابريل العام 1994 من مقر نقابة المحامين التي كانوا يسيطرون على مجلسها مما اسفر عن صدام بين المحامين والشرطة، وما تبع ذلك من حملة منهجية عليهم لاتزال مستمرة حتى الان.