سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
النص الحرفي لاستقالة كبير المفاوضين الفلسطينيين من رئاسة مفاوضات الحل النهائي . عبدربه:وجود قناتين للتفاوض يسهل أسلوب المناورة الاسرائيلي يريدون تفتيت الوطن وتحويله الى كانتونات وعزله عن العرب
قدم رئيس الوفد الفلسطيني الى مفاوضات الوضع النهائي مع اسرائيل وزير الاعلام والثقافة ياسر عبدربه استقالته الى الرئيس ياسر عرفات من مسؤوليته في تلك المفاوضات احتجاجاً على المفاوضات السرية الجارية في السويد بين فريقين فلسطيني يضم رئيس المجلس التشريعي أحمد قريع أبو علاء وحسن عصفور، واسرائيلي يضم الوزير شلومو بن عامي والمحامي جلعاد شير. وتحمل رسالة الاستقالة تاريخ الثالث عشر من الشهر الجاري وفي ما يأتي نصها الكامل الذي حصلت عليه "الحياة": "السيد الرئيس حفظه الله تحية وبعد، علمت اليوم ان مفاوضات سرية حول الوضع النهائي قد بدأت في مكان خارج الوطن بين وفد فلسطيني يضم الاخوين أبو علاء وحسن عصفور وبين وفد اسرائيلي يضم شلومو بن عامي وجلعاد شير. لقد كنت مقتنعاً منذ بداية تسلمي لمهمة قيادة الوفد المفاوض وكنت أظن ان هذه تشكل أيضاً قناعة جماعية، بعدم ضرورة وجود أكثر من قناة تفاوضية واحدة، حيث ان سابقة اتفاق أوسلو لا ينبغي أن تتكرر الآن. فقد قادت ظروف استثنائية في حينه وأبرزها عدم اعتراف اسرائيل بمنظمة التحرير، واصرار اسرائيل على أن يكون التفاوض مع المنظمة سرياً، الى وجود قناتين، واحدة في واشنطن تدير مفاوضات علنية ورسمية، وأخرى سرية في أوسلو. غير أن ما يجري حالياً يمكن أن يسهل أسلوب المناورة الاسرائيلي، الذي يستخدم جميع الوسائل للمراوغة وكسب الوقت، وحتى يتهرب من تنفيذ الالتزامات التي وردت في جميع الاتفاقيات السابقة. إن حكومة باراك، التي لم يعد يشوب موقها أي غموض بعد مرور قرابة عام على تأسيسها، حاولت ولا تزال أن تلغي معظم التزامات المرحلة الانتقالية وأبرزها المرحلة الثالثة من إعادة الانتشار. ووصل الأمر الى درجة استخدام ذرائع في غاية الابتذال لتأجيل وتعطيل الانسحاب الأمني الجزئي من ثلاثة قرى حول القدس رغم التزام باراك بذلك مرات عدة. ويحاول باراك كما نعرف جميعاً، تمرير سياسة المماطلة في المفاوضات هذه، اما عبر استخدام حجة وجود متاعب حكومية داخلية لديه، أو بإدعاء الحاجة الى انشاء قناة تفاوضية خلقية تكون أكثر سرية من قناة التفاوض الرسمية. ومن المفارقات الطريفة ان مكتب رئيس حكومة اسرائيل ذاته هو الذي قام بخرق سرية المفاوضات على الدوام بما في ذلك تسريب المعلومات عن اللقاء الأخير بين الاخوين ابو علاء وعصفور وبين بن عامي وشير. ولا غرابة في الأمر لأن هذا التسريب يخدم الغرض السياسي نفسه الذي يسعى لتحقيقه السيد باراك، وهو امتصاص رد الفعل والتوتر الفلسطيني والعربي والدولي المحتمل، من خلال اشاعة الوهم بوجود عملية سياسية "جادة" حصلت فيها انطلاقة جديدة عبر مسار تفاوضي سري مواز. انها لعبة استهلاك الزمن على مسارنا، وهي أيضاً سياسة التخدير بواسطة الوعود والاجراءات الشكلية والألاعيب التفاوضية التي لا تكلف شيئاً. وهي قبل ذلك كله سياسة استخدام الزمن المستهلك لزرع المزيد من الوقائع الاستيطانية المدمرة على الأرض، ورسم "حدود" لوجودنا الجغرافي والبشري عبر سياسة فرض الأمر الواقع تلك. انني واثق من أن أحداً من الاخوة المساهمين في المفاوضات ليس أقل صلابة مني أو من صائب. وهو كذلك ليس أكثر مرونة عندما تتطلب مصالحنا الوطنية ذلك، وبما لا يمس بالجوهر الأساسي من حقوقنا. وأظن يا سيدي الرئيس انني لست في حاجة أيضاً وبعد كل هذه العقود التي قضيتها عضواً في قيادة منظمة التحرير وفي مهام ومواقع مختلفة لا أجد داعياً لسردها أو حتى التذكير ببعضها، لست في حاجة الى تأكيد أنني لا أخوض منافسة مع أحد على دور ما سياسي أو تفاوضي. كما أن ما قمت به في اطار المفاوضات رئيساً للوفد المفاوض حول الوضع النهائي، لم يكن سوى استجابة لقرار وطني. وأنا لم أتعامل مع هذا الدور إلا باعتباره مهمة وطنية جديدة، وليس منصباً أو موقعاً للنفوذ. ولذلك فانني اليوم أجرؤ على الاعتراض الصريح على السير في طريق لن يكون من ورائه أي جدوى غير اعطاء حكومة باراك الفرصة لكسب المزيد من الوقت. ان هذه الحكومة ترغب في إقناع قطاع أساسي من الرأي العام عندنا وعندهم وجميع القوى العالمية المهتمة بالتسوية على مسارنا، بأن هنالك أملاً وفرصة متاحة يوفرها العمل الذي بدأ على هذا المسار التفاوضي الخلفي "الجديد"!! وخلال ذلك يستطيعون دفع الجميع نحو موقف انتظاري، وتأجيل تطبيق القسم الأعظم من التزامات اتفاق المرحلة الانتقالية وبخاصة المرحلة الثالثة من إعادة الانتشار، وتجميد مسارنا بانتظار رؤية ما ستسفر عنه الأمور في المسارين اللبناني والسوري. لقد كشفت الخارطة التي عرضت علينا في ايلات ان نهجهم القديم لا يزال على حاله، أي نهج تفتيت ما بقي لنا من أرض وطناً الى كانتونات وعزله عن محيطه العربي، وقبول قيام كيان فلسطيني وفق تلك الرؤية لا يزيد عن كونه محمية ضعيفة وخاضعة وتابعة. ان هذا المخطط هو الذي يشكل حجر الزاوية في مشروع هذه الحكومة والمفاوض الاسرائيلي. ولا يجب أن تخدع أحد أقوال رئيس وزراء اسرائيل بأنها خارطة "غير رسمية" أو قول رئيس فريق قناة التفاوض السرية السيد شلومو بن عامي. "بأنه كان من الخطأ تقديم هذه الخارطة لنا". اننا ندرك ان حكومة اسرائيل ستقوم بتقديم نسخ أخرى لتلك الخارطة معدلة ومحسنة جزئياً، ولكن تلك التعديلات والتحسينات لا تلغي قطعاً التصور الرئيسي الذي بنيت عليه الخارطة، أي فكرة الكانتونات. ولا استبعد ان يطرح علينا أيضاً اقامة حكم اداري وظيفي على أجزاء من شرقي القدس حتى تتخلص اسرائيل من عبء السكان الفلسطينيين ابناء القدس، من دون المساس ب"سيادتها" على المدينة بكاملها. وهذا أسوأ وأخطر سيناريو ممكن، بل هو أسوأ من استمرار الوضع الحالي الذي يتعامل معه العالم بأسره على أنه احتلال صريح ومكشوف. ولا أظن ان في جعبة اسرائيل حلاً لقضية اللاجئين غير التعويض الدولي ولا شيء سواه، مع امكانية قبولها لجمع شمل بعض العائلات، وهو أمر ذو نطاق محدود للغاية. ان حكومة اسرائيل تعمل على مساومتنا لقبول ذلك كله، الكانتونات والحلول المشوهة للقدس واللاجئين، مقابل اعترافها بدولة فلسطينية داخل تلك الحدود التي رسمتها، وبعد اقتطاع اجزاء مهمة من أرضنا لصالح الاستيطان والمستوطنات، في الثالث عشر من أيلول سبتمبر المقبل. كل ذلك يضاف الى كونها لا تريد اعطاء الأولوية للمسار الفلسطيني حالياً. لذلك كله، وحتى اساهم ولو بقسط محدود في عملية محاصرة هذا النهج، ولاقفال الطرق أمام اسلوب اللعب على قنوات تفاوضية فلسطينية متعددة ومتوازية، وحتى يقصر حبل المراوغة والتلاعب واشاعة الأوهام التي تشكل بمجموعها أدوات بارزة في التكتيك السياسي الاسرائيلي، فانني ارجو ان تتخذ يا سيادة الرئيس قراراً واضحاً بالاقتصار على قناة تفاوضية فلسطينية واحدة مع وفد اسرائيلي مفوض بذلك. أضيف الى ذلك ضرورة ان يتولى هذا الشأن المصيري الخطير وهو التفاوض على مجمل مستقبل وطننا وشعبنا فريق واحد لا مجموعة فرق تفتقر الى التنسيق ووحدة العمل، بل وربما ينشأ بينها تنافس غير مبرر دافعه الرغبة في تحقيق "النجاح" في المفاوضات!! ولا يفوتني ان أذكر هنا بأن الجانبين الأميركي والاسرائيلي عرضا علينا في الاسبوع الفائت ان "نتخلى" عن التفاوض على القضايا الرئيسية - الأرض واللاجئين - وأن نتركها لمسار تفاوضي آخر، وان يقتصر دورنا أنا وصائب على التفاوض على أمور فنية ووظيفية مثل الاقتصاد والبيئة!! وجرى رفض ذلك فوراً كما تعلم يا سيدي الرئيس. انني يا سيدي من القيادات التي صنعت اتفاق اوسلو وسعت الى تجاوز نقاط ضعفه، ولست من القيادات التي صنعها اتفاق اوسلو وتسعى بالتالي الى صيانته بجميع نواقصه. ولا أريد أن أندم يوماً على كوني لم أساعد ولو بشكل محدود في تصويب شيء من ممارساتنا ولو اقتصر هذا التصويب على تنظيم اسلوبنا التفاوضي، فهذا أضعف الإيمان. لذا أكرر رجائي بتوحيد المسار التفاوضي، وحتى أسهل هذه العملية فانني أتقدم باستقالتي من مسؤوليتي في مفاوضات الوضع النهائي. ياسر عبدربه".