في تمام الثامنة من مساء الخميس الماضي، كان من المقرر أن يفتتح الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات المؤتمر الأول للخبراء الفلسطينيين حول مفاوضات الوضع النهائي عبر المشاركه في حفلة عشاء إفتتاحية خاصة، الا أن الرئيس هاتف الامينة العامة لمؤسسة "مفتاح" الدكتورة حنان عشراوي ليعلمها بانشغاله في تلك الليلة بالذات. ذلك ان التحضيرات للقاء بينه وبين رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك كانت تجري على قدم وساق. وأكدت مصادر فلسطينية مطلعة ل"الحياة" أن اللقاء الذي ضم أيضا أمين سر اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير محمود عباس أبو مازن ورئيس الوفد التفاوضي ياسر عبدربه تناول سبل وضع آلية للمفاوضات التي ستنطلق خلال أيام للتوصل الى "اتفاق إطار" لمفاوضات الوضع النهائي في غضون خمسة أشهر كما اتفق عليه في اتفاق شرم الشيخ الأخير. وألقى خبر اللقاء الذي سربه في ما يبدو مكتب باراك نفسه لصحيفة "جيروسلم بوست" الاسرائيلية الصادرة باللغة الانكليزية بظلاله على فعاليات المؤتمر والمشاركين فيه من أكاديميين وخبراء وسياسيين ساهموا في وضع حجر الاساس للعملية السياسية القائمة بين الفلسطينيين والاسرائيليين ومنهم أحمد قريع أبو علاء رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني الذي يعيد اسمه الى الاذهان عملية المفاوضات السرية التي جرت في أوسلو التي أفضت الى التوقيع على الاتفاق المرحلي الاول بين الطرفين. وانشغل المشاركون لبعض الوقت في أروقة قاعة المؤتمر بتحليل مؤشرات هذا اللقاء بين قائل بأنها عودة الى "المفاوضات السرية" وقائل بأنها مجرد لقاء يجري بين أعلى هرمي المستويين السياسيين من الجانبين. وأكد "أبو علاء" من ناحيته أن لا مجال في مفاوضات الحل النهائي لاجراء مفاوضات سرية مؤكدا أن "قناة المفاوضات هي التي أعلن عنها وفريق التفاوض هو ذاته الذي تم تسليم قائمة بأسماء المشاركين فيه للجانب الاسرائيلي" برئاسة وزير الاعلام والثقافة ياسر عبدربه. وأشار "أبو علاء" الى أن الاستراتيجية الفلسطيني التي "لا يمكن التزحزح عنها تتمثل بوجوب انسحاب اسرائيل لحدود ما قبل حرب 1967 بما فيها القدسالشرقية خالية من المستوطنات وقضية اللاجئين وما عدا ذلك قابل للتفاوض". واعتبرت عشرواي الامينة العامة للمؤسسة الفلسطينية للحوار الدولي والديمقراطية مفتاح أن لقاء عرفات - باراك الخميس الذي استمر حتى ساعات فجر أمس الجمعة جزء من "اللقاءات السياسية التي تجري لاطلاق عملية معينة" مؤكدة أن المفاوضات حول الوضع النهائي تستلزم اعداداً حقيقياً من قبل خبراء من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني و"مشاركة تكاملية ومهنية وفعالة من قبل الشعب الفلسطيني بأسره". وقالت عشراوي ل"الحياة" أن مفتاح المفاوضات مع اسرائيل يكمن في ايجاد اطار الزامي، اطار ردع ومراقبة وتدخل ومسائلة وتحكيم يصل الى حد انزال العقوبات بهذه الدولة اذا بقيت مصرة أن تكون خارجة عن القانون الدولي". وأوضحت أن الفلسطينيين يجب أن لا يدخلوا في هذه المفاوضات من منطلق الضعف وعليهم "عدم الخوف من القوة الموضوعية للدولة الاسرائيلية لأنه يوجد أمامنا قوى مختلفة يحب الاستفادة منها ونعلم كيف نستغلها فالقضية الفلسطينية قضية قوية". وفي هذا الخصوص يعكف خبراء ومهنيون فلسطينيون في القانون الدولي والحدود مثل أحمد الخالدي الذي شارك في المؤتمر وفي الشؤون الاسرائيلية مثل محمد زيد وعزمي بشارة وفي المياه مثل عبدالرحمن التميمي والمستوطنات والقدس خليل تفكجي وخليل شقاقي واللاجئين سليم تماري وأسعد عبدالرحمن وغيرهم كثير، على اعداد "أوراق استراتيجية" يعتمدها المفاوض الفلسطيني في محادثاته مع الاسرائيليين. وإذا كان الفلسطينيون يعدون العدة لاجراء مفاوضات مع الاسرائيليين من منطلق الحق الفلسطيني المستند للشرعية الدولية وقرارات الاممالمتحدة الكثيرة المتعلقة بالقضية الفلسطينية إبتداء من قرار تقسيم فلسطين الطبيعية الى دولتين واحدة لليهود وأخرى للشعب الفلسطيني، فان الخبراء في الشأن الاسرائيلي يؤكدون أن حكومة باراك التي تحظى "بالاجماع القومي الاسرائيلي" تسعى من ناحيتها الى تغيير مرجعيات الشرعية الدولية من خلال وضع "اتفاق اطار" لمفاوضات الوضع النهائي لنسف أسس الاستعدادات الفلسطينية هذه. وفي هذا الصدد اشار النائب العربي في الكنيست الاسرائيلية عزمي بشارة المحاضر سابقا في قسم الفلسفة والدراسات الاستراتيجية في جامعة بير زيت الى أن باراك وحكومته يرون أن اتفاق اوسلو المرحلي لم يشتمل على "قواعد الحل الدائم" وأن الطرف الاسرائيلي سيستمر بالتفاوض كما أن أوسلو ما زالت قائمة ولن يعير اهتماما للصيغ القانونية الخاصة بالحق والعدالة والتي سيسعى الى تحليلها الى جزيئات وليس قضايا مبدئية. وقال أن "الخلاف بين حركة ميرتس أقصى اليسار الصهيوني وبين المستوطنين اليهود أقصى اليمين هو نقاش يدور تحت سقف لاءات باراك وهي: لا حق لعودة اللاجئين الى داخل الخط الاخضر، و 90 في المئة من المستوطنين وليس المستوطنات باقية تحت السيادة الاسرائيلية، ولا سيادة فلسطينية على الحدود مع الاردن ومصر". وزاد أن الموقف الاسرائيلي يقول بأنه "اذا تجاوز الفلسطينيون هذه اللاءات أي سلمنا بها يصبح بالامكان الحديث عن قدس جديدة أو توسيع حدودها الحالية والعودة للفلسطينيين في أراض احتلتها اسرائيل في العام 1967". وقال أنه اذا تمسك الفلسطينيون بالمبادئ التي أوردها "أبو مازن" في الاحتفال بانطلاق مفاوضات الوضع النهائي على حاجز ايرز قبل اسبوع "فلن يتم التوصل الى حل دائم". وخلص الى القول: "بهذا المعنى ستنتقل مفاوضات النهائي الى نقاش مفتوح بيننا وبين الاسرائيليين في شأن الحقوق لا يوجد فيه حل دائم للقضية الفلسطينية، وفي هذه الحالة مهم جدا أن ندخل العرب في هذا المزاج السياسي". وحذر بشارة من مغبة التوصل الى اتفاق اطار "فضفاض" يمكّن اسرائيل من تحقيق اهدافها في الوقت الذي يرى فيه الفلسطينيون انجازا كبيرا لهم. أما الدكتور محمد زيد فقد أشار الى المقولة الشهيرة "ان الفرق بين باراك وسلفه بنيامين نتانياهو هو كالفرق بين الكوكا كولا والبيبسي"، موضحا أن لاءات باراك تمثل "ذروة الظلم والغطرسة وربما مئة عام من الجريمة على انقاض اللاءات العربية التي انطلقت من الخرطوم غداة حرب الايام الستة ولم يتبق منها سوى الآهات". وأوضح أن الاستراتيجية الاسرائيلية لمفاوضات الحل النهائي تهدف الى ما دعا اليه باراك عندما كان رئيسا لاركان الجيش الاسرائيلي وهو الفصل السياسي الكلي بين الفلسطينيين والاسرائيليين، مشيرا الى قول باراك ان "الاحتلال لم يعد مربحا وصار عبئا" وذلك في ضوء الانتفاضة الشعبية الفلسطينية. وذّكر كيف كان هم شمعون بيريز وزير الخارجية آنذاك اقناع رئيس حكومته اسحق رابين بالتخلص من قطاع غزة وكيف حاول الاخير، من دون نجاح، اقناع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بالقبول باقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة قبل التفاوض حول الضفة الغربية. وبخصوص ال"لا" الاسرائيلية للعودة الى حدود الرابع من حزيران يونيو 1967، ذكر زيد باقوال الرئيس الاسرائيلي الحالي قبل خمسين عاما بأن بن غوريون ارتكب خطأ تاريخيا بعدم احتلاله الضفة الغربية في العام 1948 لأنها "هي سبب وجود الشعب الاسرائيلي". أما بالنسبة الى اللاجئين الفلسطينيين، فلن تسمح اسرائيل أبدا بعودتهم الى داخل الخط الاخضر لأنهم سيهددون وجود الدولة العبرية. ودلل الخبير الفلسطيني على ذلك بأقوال بيريز نفسه الذي قال أن اسرائيل تبذل قصارى جهدها لمنع تحويل اسرائيل الى دولة ثنائية القومية. وقال أن ما تسعى اسرائيل الى تحقيقه هو انشاء صندوق دولي ليس حتى لتعويض اللاجئين بل لتوطينهم في أماكن سكناهم الحالية. ورجح أن توافق اسرائيل على عودة النازحين الفلسطينيين اللاجئين من حرب 67 و"لكن هذا يستلزم من وجهة نظرها السيطرة على المعابر الفلسطينية لتحديد عدد هؤلاء". وقال: "اسرائيل لن تقبل بأن لا تكون لها سيطرة كاملة على المعابر". وأشار الى أن معاهدة السلام الاردنية - الاسرائيلية تنص على عدم جواز ادخال "جيش أجنبي" للضفة الشرقية من نهر الاردن، مضيفا "فما بالكم بالضفة الغربية لهذا النهر؟". وينطبق الامر ذاته على مدينة القدس التي لن يقبل الاسرائيليون بأي شي سوى ان تكون بشطريها الشرقي والغربي تحت السيادة الاسرائيلية الكاملة". وعلى أبعد تقدير ستوافق حكومة باراك على وثيقة "أبو مازن - بيلن" المزعومة وهي توسيع حدود القدس لتشمل ضاحية الرام وبلدة أبو ديس المتاخمتين لحدود القدس. ودعا الفلسطينيين الى استخدام ورقة التطبيع مع الدول العربية وعدم القبول بتأجيل قضيتي اللاجئين الفلسطينيينوالقدس كاستراتيجية وحيدة من شأنها افشال استراتيجية باراك.