بين الفتاة الفقيرة والشاب الغنيّ تنشأ العلاقة العاطفية بالمصادفة المرصودة، ويتجه بها الكاتب شكري أنيس فاخوري في اتجاهات مختلفة لا يدري هو، من الآن، الى أين، وكيف ستستقرّ، وما هي الظروف التي ستسيّرها، وإن يكن هو يدري، ومعه المخرج ألبير كيلو، ان عدد الحلقات لن يكون أقلّ من عدد حلقات "العاصفة" التي هبّت مرتين أولاً، ثم على النساء ثانياً، وها هي تهبّ على التي "اسمها... لا" مع تصوّر يريد ألاّ يحدث في المسلسل الجديد تكرار لما سبق، لا من حيث الوجوه، ولا من حيث المضمون، ولا من حيث الشخصيات. ذلك ان هذا النوع من التكرار يمكن أن يقتل جاذبية المتابعة لمسلسل جديد يفترض به جديداً في كل شيء، أو هكذا يوح الينا. فالكاتب فاخوري الذي يعتبر أحد أبرز نجوم الكتابة للتلفزيون في السنوات الأخيرة، استطاع أن يؤسّس حضوراً جدياً في هذا المجال الفني غير الحافل بأسماء كبيرة، على الأقل في مرحلة ما بعد الحرب اللبنانية، أي مرحلة عودة عجلة الانتاج المكثّف. وعلى رغم شعور المتابعين بأن مسلسلات فاخوري متشعبة طبيعياً تارة، واصطناعياً طوراً، وتارة تحتشد فيها الصور الانسانية العميقة في سناريو متماسك، وطوراً يعتريها ركود، فإن بعض تلك الايجابيات ينمو في حركة داخلية تتغلغل في ثنايا النص والحوار الساخن، وبعض تلك النواقص يحاول أن يتفشى فلا يغشى العمل ككل. ومن هنا تبدو قدرة فاخوري على التأليف، أي على الخيال، مفتوحة على احتمالات شتّى، تظل تستمدّ نضارة من تجربة مثقفة لكاتب لا يستكين. في المسلسل الجديد "اسمها... لا" لا يُخفى على أحد ان تلفزيون لبنان، وهو الجهة المنتجة، يعاني ضعفاً في الإمكانات المادية، لكن هذا التلفزيون، بحكم الخبرة الطويلة، يكاد يخلق من اللاشيء شيئاً، ما يعطي انطباعاً بأن خلف تلك الحركة الانتاجية إرادة لا تؤمن بالقناعة والاستسلام، وبهذا يغالب ديكور "اسمها... لا" ذاكرة الجمهور حتى لا يردّه الى ديكور "العاصفة"، ويجتهد مهندس الديكور الذي صمّم الديكورين بالأدوات نفسها، وربما بالشخصيات نفسها تقريباً كنصّ، من أجل أن يكون أميناً على التغيير، والتغيير ضروري في هذه الحال لأن المسافة الفاصلة بين "العاصفة" الأولى والثانية و"اسمها... لا" ليست كافية ليتحرّر ذهن المشاهد من المقارنة. وهكذا، فإن شكري أنيس فاخوري مدعوّ الى أن يتحرّر هو أولاً من ارتباطه العضوي بالتجربتين الماضيتين اللتين جعلتا له اسلوباً خاصاً لا يقوى على مقاومة سحره المستبد وهذا التحرر، الواعي دوره ووجوده، كفيل بكتابة صفحة جديدة ينتظر تلفزيون لبنان أن يكسبها من فاخوري، وينتظر فاخوري في المقابل، أن يكوِّنها لنفسه فيرى نفسه وقد ارتدت شكلاً آخر بأبعاد اخرى لا يستقيم نصٌّ جديد من دونها، وإلاّ فهذا النص استعادة أو في أكثر الاحتمالات تنويع لا ينوِّع... كما قيلَ ملحٌ لا يملِّح! أمام شكري أنيس فاخوري ان يخرج، تدريجاً أو دفعة واحدة، من الاستقرار على صورة محددة فرضتها كتاباته السابقة. والخروج يكون في اجتراح شخصيات أخرى ليس من الضروري أن تكون مما عرفنا منه من قبل. فخلق شخصيات جديدة، في ملامحها النفسيّة، وفي طبيعة تصرفاتها، وفي نطاق عملها، وفي شبكة علاقاتها مع ما ومن حولها، يعتق "اسمها... لا" مما يُخاف أن يقع فيه. وفاخوري، قادر على هذا الصنيع، حتى من دون أن تُوظَّف له مقومات انتاجية كبيرة، وقد اعتاد العمل تحت شعار ليس بالامكان "أكبر" مما كان في مرحلة كان فيها تلفزيون لبنان تحت خط الفقر بدرجات، فكيف إذا كان في المرحلة الحاضرة وقد صعد من تحت الخطّ نحو بعض الضوء المتاح؟ وبقدر ما يردنا "مكان" المسلسل الجديد "اسمها...لا" الى "مكان" المسلسل "العاصفة" الثنائية، نقترب من الملل في الصورة، والصورة المملّة قاتلة في التلفزيون، وبقدر ما نبتعد عن ذلك "المكان" وعن ذلك "الزمان" وعن تلك "الشخصيات"، ندنو من جماليّة قيل ان الشاشة الفضية لا تشبع منها، والقول صادق تماماً. بداية "اسمها... لا" سعت الى الاختلاف، وحققت مسعى طيباً، إلاّ أن الثورة على الذات، تعصم من خطأ غير إرادي أو من أخطاء "اضطرارية" مغلّفة بتبريرات لا تفيد. وختاماً لا بد من الاشارة الى الوجوه اللافتة التي يحفل بها المسلسل وفي طليعتها مجدي مشموشي وكارول سماحة وكارمن لبّس... وقد أضفى حضور هؤلاء طابعاً خاصاً على المسلسل.