كانت عاصفة حقيقية بالنسبة الى الممثل فادي ابراهيم عندما وقف أمام الكاميرا ليلعب دور "نادر صبّاغ" في "العاصفة تهب مرتين"... ذلك المسلسل الأطول في تاريخ الأعمال التلفزيونية اللبنانية. فقد عرف فادي بعد الحلقات الخمس الأُول وبداية فكرة التطويل في المسلسل، كيف يدوزن أوتار حضوره كممثل، ورد الفعل الجماهيري الإيجابي على العمل أعطاه شحنة استثنائية كبيرة مكّنته من أن يضع يده على تفاصيل دقيقة في تجربته الأدائية وأن يبرزها في إطار درامي طرحه الكاتب شكري أنيس فاخوري، وأحسن فادي التقاطه والغوص فيه وتجسيده. ومع أن خبرة فادي في الأعمال التمثيلية كانت قد توهّجت أكثر فأكثر إثر "بطولات" في المسرح وعلى الشاشة الصغيرة، إلا أن "العاصفة تهبّ مرتين" فتحت أمامه أبواباً مغلقة سواء على الصعيد الشخصي أو على الصعيد الفني. فالشهرة عند أي ممثل هي نقطة الإرتكاز وبها يرضي غروره المهني المتأصّل منذ اللحظة الأولى لتماسه حتى كهاوٍ مع الخشبة أو مع الاستديو، وفادي حصل على شهرته "النجومية" عبر هذا المسلسل، وكان ضرورياً أن تغلي تحت هذه الشهرة دربةٌ ومران، وأن يبرز تحدّ صعب، لأن كل الماضي في مسيرته الفنية مند نهاية السبعينات حتى منتصف التسعينات كان عادياً وأحياناً دون العادي في تأثيره الشعبي، بينما "العاصفة" طرحه كرقم رئيسي بين الممثلين الشباب، سيّما بعد أسئلة حرجة كان يطرحها النقد الثقافي والفني حول إمكانية قيام الجيل الجديد بالنهوض بأعباء هذا النوع الفني الأدائي الذي لم يشهد "ظواهر" أساسية، أو حالات نادرة تضيف إليه علامات بارزة مؤثرة، في الوقت الذي توقف فيه الجيل السابق عن إسهامات مضيئة، بسبب تكرار الأدوار والشخصيات والأعمال أو بسبب جمود الإنتاج ومراوحته في حدود لا تغني ولا تسمن من جوع! وخلف هذ الإطار الإيجابي الذي وضع فادي ابراهيم نفسه فيه أو وضعه مسلسل "العاصفة" فيه، كان يدور قلق على شكل استفهام مربك هو: هل فادي ابراهيم اكتفى من الشهرة و"النجومية" بهذا المنحى، أم أن في أعماقه يتحرك توجّه نحو الأبعد؟ والأبعد بالنسبة الى النقاد هو أن فادي ابراهيم اعتمد، خاطئاً، في أسلوبه الأدائي، على مظهر خارجي تمثّل في حركات وجه معيّنة لم يتخلّص منها حتى في أدق المواقف صعوبة في سياق المسلسل، وتلك الحركات تلخصت في "بوزات" كان فادي يمارسها عامداً متعمداً معتبراً أنها دليله الى التأثير في المشاهدين، حتى في حالات الصدق. وهذا الأسلوب على ما يبدو ترسّخ في قواعد فادي النفسية التمثيلية حتى امتد "بعجره وبجره" الى وجوده في المسلسل الجديد "نساء في العاصفة"، فحكم الكثيرون عليه بأنه مشوب بتكرار وبإعادة استحضار "نادر صبّاغ"، ومع ذلك لم يلتفت فادي بتأنٍ الى هذه الملاحظة الدقيقة والخطرة، بل تجاوزها مبقياً على ما كان في العاصفة التي هبّت مرتين، حاضراً في النساء اللواتي جرفتهن العاصفة مجدداً كأن شيئاً لم يكن! ولعلّ هذه نقطة "تاريخية" في فن التمثيل اللبناني، تحوّلت الى "تراث" ترفضه وتتمرّد عليه ذهنية معاصرة متأثرة بمدارس تمثيل عالمية إبداعية. فقبل فادي ابراهيم هناك أكثر من ممثل نجم في لبنان، كانت هذه طريقته في مواجهة الكاميرا عبر مظاهر "خارجية" كادت تصير المعادل الأول لوجوده، وانتشرت هذه الطريقة بشكل فجّ أخرج فن التمثيل في بعض "أوضاعه" من انفعال إنساني عميق الى افتعال ذاتي برّاني. وهؤلاء الممثلون الذين احتلّوا مواقع متقدمة في خريطة العمل التلفزيوني لم يستطيعوا التخلّي عن مظهريتهم و"استعراض مفاتنهم" حتى بعد زمن طويل. من هنا كان خوفٌ من ان تنتمي نجومية فادي ابراهيم في التمثيل الى هذا الكادر الإصطناعي، خصوصاً وإن مشاهد التلفزيون في نهايات القرن صار أكثر تطلّباً، في عالم عربي تأثّر بشدّة بتقنيات حديثة ليس على صعيد الآلة والتجهيز فحسب، بل أيضاً على صعيد تقمّص الشخصية والتنقيب في مستوياتها كافة، وما كان يرضي الجمهور، والنفس أولاً، عند الممثل، في السابق، لم يعد هو عينه ما يرضي الممثل اليوم، سيّما الممثل المتطلّع الى حيوية مشرقة ونبض ثري في التعاطي مع التمثيل كاحتراف ومسؤولية وأداة خلق. بلغ فادي ابراهيم في "العاصفة تهب مرتين" وبعده "نساء في العاصفة" العاصفة حقاً، وإن يكن متشائمون يقولون انها عاصفة ستقتلع كل ما بناه... في لحظات، بينما يقول متفائلون أنها "عاصفة" مهما نُظِّر حولها، تبقى منصّة أطلقت مواهب أثبتت مصداقية.