المصادفة وحدها جعلت فيلمين في مصر وفيلماً واحداً في لبنان تصوّر أو تحضر للتصوير في وقت واحد تقريباً، ويجمع بينها أنها جميعاً الأفلام الأولى لمخرجيها، وإن أعمار مخرجيها تدور من حول الثلاثين. ففي مصر، أنجز أحمد عاطف تصوير فيلمه "عمر2000" وهو ينكبّ الآن على وضع اللمسات النهائية له. وهناك أيضاً أنهى خالد يوسف تصوير آخر لقطات فيلمه "العاصفة" ليبدأ قريباً أشغاله التقنية. وفي لبنان يستعد المخرج الشاب ميشال كمون للبدء قريباً بتصوير فيلمه "تو". قد لا يكون أي من الثلاثة مجهولاً، وإن لم يكن كمخرج أفلام روائية طويلة. فأحمد عاطف معروف كناقد، في العربية والفرنسية، وخالد يوسف سبق له أن عمل مع يوسف شاهين مساعد مخرج ومخرجاً منفذاً ومشاركاً في كتابة السيناريو لفيلمين على الأقل هما "المصير" و"الآخر". أما ميشال كمون، فإن ثلاثة أفلام قصيرة حققها خلال السنوات الفائتة كانت كفيلة أن يجعل له مكانة متميزة بين أبناء الجيل الجديد من سينمائيي ما بعد الحرب اللبنانيين. ولكن على رغم حضورهم السينمائي السابق، كان من غير المؤكد أن يتمكن أي منهم من الحصول على إنتاج يمكنه من تحقيق فيلمه. ومع هذا، حدثت "المعجزة الصغيرة" وتحققت، أو هي في طريقها إلى أن تتحقق. أفلام كان تحقيقها يعتبر، لوهلة، من سابع المستحيلات وسط مناخ سينمائي يعبق بالمرارة والانسداد. و"المعجزة الصغيرة" اتخذت في كل حال من الحالات الثلاث سمات مختلفة. فخالد يوسف وجد لدى شركة يوسف شاهين، وفي حماسة المنتج غابي خوري ابن اخت صاحب "المصير" من ساند مشروعه منذ البداية وجعله ممكناً. وأحمد عاطف وجد الدعم التام من الممثل الشاب خالد النبوي ابن المدرسة الشاهينية بدوره، ومن شركة "شعاع" التي رضيت بتمويل "عمر 2000"، على رغم عدم وضوح مصائر معظم الأفلام التي أنتجتها حتى الآن. أما ميشال كمون في بيروت، فقطع نصف الطريق ولا يزال عليه أن يكمل النصف الآخر قبل أن تكتمل "معجزته الصغيرة". والآن إذا أضفنا الى هؤلاء الثلاثة، عاطف عكاشة في مصر الذي تمكن من تحقيق فيلمه الأول "الأبواب المغلقة" وإنجاحه، ثم ساندرا نشأت، في مصر أيضاً، وقد وصلت الى فيلمها الثاني، وعرجنا على تونس لنشاهد كيف أن مفيدة التلاتلي تمكنت - على رغم مرارة الوضع هناك أيضاً - من تحقيق فيلمها الثاني "موسم الرجال" وإيصاله الى كان، ثم إذا نظرنا بعض الشيء الى الوراء ورصدنا النجاحات التي حققها مخرج شاب آخر، من لبنان هذه المرة، هو زياد دويري عبر فيلمه الأول "بيروت الغربية"... تصبح أمامنا صورة شبه مكتملة ومدهشة لسينما يصفها جيل شاب، لم يكن له وجود ولم يكن ثمة أمل بأن يوجد منذ عشر سنوات فقط. ففي ذلك الحين، عند بداية سنوات التسعين، حين أسفرت كارثة حرب الخليج الثانية، عن انهيار كبير في عالم الثقافة والصحافة والإبداع والفكر العربي عموماً، بات من غير الواضح هل تقوم، بعد، قائمة لنهضة عربية إبداعية، خصوصاً إذا بدا أن الفضائيات قضت على كل شيء وأن المواطن العربي صار أكثر انشغالاً من أن يعير شيئاً من وقته لنتاجات ثقافية أو أدبية أو فنية جادة. وفي مجال السينما، خصوصاً، كانت الصورة أكثر قتامة، وتدور على سؤال أساسي: من أين سيأتي مخضرمو السينما بما يكفي من أموال لتحقيق ما يريدون تحقيقه من أفلام؟ وكان الحديث يتناول المخضرمين بكل حيرة، ولم يكن أحد يجرؤ على الدنو من مشكلة أكثر صعوبة تتعلق بحصول الشبان على إمكان تمويل أفلامهم الأولى. لكن الجواب أتى من مجاهل الواقع لا من عالم الأحلام والنظريات: حدثت تلك المعجزة، وبدأت تتوالد الأجيال متتالية، خصوصاً في لبنان ومصر، وبعض الشيء في تونس والمغرب. ونهضت سينما شابة تنتج أفلاماً وربما تيارات. وها نحن الآن نقترب من نهاية القرن والسينما لم تمت، بل تولد من جديد، وتولد أجمل على رغم كل مراراتها. بفضل من؟ ولماذا؟ وكيف؟ أسئلة ينبغي ألا تهمنا كثيراً الآن. ما يجب أن يهمنا واقع أن السينما موجودة، وأفلامها تتحقق. ما يهمنا أن الشبان قادمون... أكثر وأكثر... بأفلامهم المدهشة أكثر وأكثر.