سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حصيلة عام 2000 - كلها في أزمة على رغم "المضحكين الجدد" والشركة الاحتكارية ويقظة القطاع العام . السينما العربية: موسم الهجرة المتسارعة الى الوراء ... كماً ونوعاً
نهاية العام 1999، وفي معرض تقويم الموسم السينمائي المنصرم، آنذاك، أشار نقاد كثيرون الى أن ذلك الموسم، في مصر وخارجها، كان من الضحالة وقلة الانتاج أوصلا السينما العربية الى حضيض كمي على الأقل - ما بعده من حضيض. والذين قالوا ذلك الكلام لم يكن في مقدورهم ان يتصوروا أن العام الذي يليه سيكون أسوأ، ودائماً على مستوى الكمية، علماً ان السينما المصرية كادت وحدها تكون منقذ النوعية عبر مجموعة من الأفلام. وهو نفسه ما كان حدث في العام السابق. اليوم حين يسعى المرء الى وضع جردة عما انتج خلال العام 2000، سيصعب عليه إيجاد أي بارقة تفاؤل. فالأمر يبدو كأن الانتاج يسير حتى النقطة الصفر، من دون ان يجد من يرحمه. ومع هذا ثمة العشرات من السينمائيين الشبان، موزعين على مختلف الدول العربية، ويعيش بعضهم في الخارج، يحمل كل منهم مشروعاً يحاول أن يجد طرقاً لتمويله وتحقيقه، لكن التمويل غائب، أو يكاد، على رغم ان التجارب التي حققها شباب في الاعوام الفائتة أكدت نجاحاً، ولو نسبياً، حتى أن أفضل ما عرض كان الافلام الأولى أو الثانية لمخرجين لا يزالون يؤمنون بأن في امكان السينما ان تفعل الكثير. ولكن المشكلة تكمن في ان النجاح لا يشكل شفعة لأحد، وكذلك في أن جديد الساحة هذه المرة هو السقوط، الكلي أو النسبي، حتى للأفلام المدموغة بأنها تجارية وجماهيرية. التجاريون حتى في هذا الاطار نلاحظ مثلاً، التراجع - ولو النسبي - الذي يطاول "قيماً" تجارية كانت مؤكدة. ففي مقدمة ما عرض هذا العام كانت هناك أفلام "المضحكين الجدد"، من محمد هنيدي الى علاء ولي الدين الى أحمد السقا، الا ان أياً من "بليه ودماغه العالية" أو "الناظر" أو "شجيع السيما" لم يحقق الأرقام التي كانت مأمولة، والتي كان ارتفاعها في المواسم السابقة مشجعاً حتى للسينمائيين الأكثر جدية. وفي مقابل هؤلاء حافظ عادل إمام في "هالو أميركا" على مواقعه، فيما تراجعت اسهم منافسته الأبدية على عرش النجومية، نادية الجندي تراجعاً ملحوظاً، اذ لم يحقق فيلمها "بونو بونو" ما كان مأمولاً منه. يدل هذا ان الأزمة السينمائية العامة بدأت تطاول حتى السينما التجارية الصرف، فكيف بالسينما الأقل تجارية: السينما الأكثر صعوبة وجدية؟ هنا ثمة خطر حقيقي، ولو كان هناك من أهل المهمة من لا يزال يؤمن ببعث قريب. فحين يعجز فيلم رائع مثل "أرض الخوف"، على رغم وجود أحمد زكي فيه، عن تحقيق مدخول طيب، وحين يفشل "جنة الشياطين" فيلم اسامة فوزي الرائع الذي راهن عليه بطله ومنتجه محمود حميدة طويلاً، في استقطاب الجمهور. وحين يسحب فيلم "المدينة" ليسري نصرالله و"عرق البلح" لرضوان الكاشف من الصالات بعد أيام العرض الأولى، يصح التساؤل: لمن ولماذا، أصلاً، تمنع هذه السينما الجيدة؟ وما فائدة اقدام شبان جدد مثل عاطف حتاتة وأحمد عاطف وربما خالد يوسف أيضاً على المغامرة من جديد؟ راجع عن عاطف حتاتة وأحمد عاطف في مكان آخر من هذا الملحق. السينما المصرية، هذا العام، لم تفتقر الى الانتاجات الجيدة، بما في ذلك تجربة نور الشريف الاخراجية الأولى، في "العاشقان" وتجربة محمد أبو سيف في "أولى ثانوي"؟ ولم تفتقر الى أفلام جريئة كما في "كلام الليل" لإيناس الدغيدي... الا ان هذا كله لم يغر الجمهور، فما الذي يغريه خلال الموسم المقبل؟ اليوم ثمة حركة انتاجية في القاهرة تبدأ بيوسف شاهين الذي ينجز فيلمه الأخير "سكوت هنصوّر"، وتصل الى ايناس الدغيدي التي تبدأ بتصوير "مذكرات مراهقة" بعدما انجزت "الوردة الحمراء" الذي لم يعرض بعد. ويمر هذا بمجدي أحمد علي الذي ما ان انجز فيلماً جديداً حتى بدأ يعد لفيلمه التالي، وكذلك حال اسامة فوزي ورضوان الكاشف، وغيرهم. وساندرا شأت انجزت "ليه خلتني احبك؟" وهي فنانة يمكن المراهنة عليها بالطبع. ولكن ما هو مستقبل هذه الحركة كلها؟ هذا السؤال يتبع من واقع ان هذه الانتاجات كلها لا علاقة لها بمقاييس السوق. معظمها تنتجه الشركة العربية العملاقة الجديدة، ومعظمها مرتبط بمزاج المنتجين. فهل يكون مصيرها في النهاية مصير أفلام عدة - بعضها متميز - انجزت خلال السنوات الأخيرة ولم تعرض بعد؟ اذا كانت هذه حال مصر فما هي، يا ترى، حال العرب الآخرين؟ وعود وتأملات في لبنان حقق بعض الأفلام الروائية الطويلة وعرض بعضها. من أبرز ما عرض "طيف المدينة" لجان شمعون، الذي لم يرَ فيه المتفرجون أكثر من استطراد لأفلام عدة من النوع نفسه حققت في السنوات الماضية. فيلم لم يفاجئ ولم يأت بجديد، اللهم إلا عبر كونه مثل نقلة مخرجه جان شمعون من عالم السينما التسجيلية الى عالم السينما الروائية. والبعض قال: ليته لم يفعل. وهو القول نفسه الذي كان جبه به قبل شهور من ذلك فيلم المخضرمة رندا الشهال الروائي "متحدثات" أو "متحضرات" الذي لم يعرض، بعد، في بيروت لأسباب رقابية، يرى البعض أنها - في نهاية الأمر - انقذت الفيلم من حكم الجمهور. الى جانب "طيف المدينة" قدم لبنان بضع شرائط اخرى من الصعب ايجاد خانة تصنف فيها، منها "أثقل فيلم" وهو عبارة عن تهريج تلفزيوني لقي لنفسه جمهوراً في الصالات ضحكاً ومرحاً، كما يفعل أبطال الفيلم ولم يضف الى السينما الحقيقية شيئاً. ومنها فيلم عن الاستقلال عنوانه "الفجر" ذكر بأردأ البرامج التلفزيونية الوطنية. وفي الوقت نفسه يرتد خائبين كل أولئك السينمائيين الشبان اللبنانيين الواعدين الذين حاولوا العثور على من يمول مشاريعهم الطموحة والجدية وفشلوا، ومنهم ميشال كمون الذي كتب سيناريواً متميزاً ولا يزال يناطح الصخور لتحقيقه وهو يفقد تفاؤله يوماً بعد يوم. ترى هل يكون هناك مستقبل ما للسينما اللبنانية؟ قبل عامين حين عرض "بيروت الغربية" لزياد دويري وفاز بالجوائز وزار عواصم العالم، ثم تبعه صنوه "اشباح بيروت لغسان سلهب" كان ثمة تفاؤل لا يدري أحد أين تراه اختفى اليوم. قبل أيام قال وزير الثقافة اللبناني الجديد غسان سلامة انه يزمع ان يولي السينما اهتمامه. فهل يفعل حقاً؟ على الاجابة عن هذا السؤال تتوقف، سينمائياً، امور كثيرة. ولكن أفليس على الوزير، قبل التفكير جدياً بانقاذ السينما اللبنانية أن يفكر بأن الانقاذ يمر أولاً عبر اصلاح مؤسساتها البيروقراطية التي لم تحقق شيئاً طوال سنوات، على رغم كل ما انفق عليها، وعن طريقها؟ في سورية، محاولة لا تزال خجولة حتى الآن لاصلاح مؤسسة السينما، تمثلت حتى الآن في ابدال مديرها العام. محمد الأحمد المدير الجديد، ناقد معروف وهو مطلع في شكل جيد على ملف السينما، ومناصر لما هو متقدم منها. وكان، ناقداً، من دعاة التعاون العربي الذي قد يكون فيه بعض حلول لمشكلات السينمات المحلية. وهو يحمل طموحات كثيرة. ولكن ما الذي يمكنه حقاً في وقت يقال إن المطلوب منه تحجيم المؤسسة أكثر وأكثر، لا الانفلاش بها، في وقت يعيش مجد السينما السورية منذ ثلاث سنوات على فيلمين استهلكتهما المهرجانات "نسيم الروح" لعبداللطيف عبدالحميد، و"تراب الغرباء" لسمير ذكرى ومستقبلها على مشروعين ملا الحديث عنهما مجلدين من دون ان نرى لهما طحناً حتى الآن واحد يفترض ان يكون لأسامة محمد والثاني لمحمد ملص؟ السينما السورية اليوم عند النقطة الصفر. الصفر وما وراءه حال السينما التونسية تبدو أفضل بعض الشيء. ولكن كماً فقط. اذ على رغم الجوائز الكثيرة التي نالها "أفضل فيلم تونسي حقق هذا العام" بحسب تعبير ناقد فرنسي، وهو "موسم الرجال" لمفيدة تلاتلي، وعلى رغم فوز فيلم تونسي ثان هو "حلو ومرّ" للناصر قطاري العائد بعد غياب ربع قرن، فإن أفضل ما في هذه السينما يظل منتمياً الى ماضيها. وهو واقع لا يمكن ل"غداً نحترق" او "كسوة" او ما يشابههما من دحضه. وما يقال عن السينما التونسية يقال عن المغربية التي، اذ تتراجع نوعياً، تتقدم تجارياً، اذ ان بعض الأفلام المغربية يحقق في الصالات المحلية نجاحات تجعل السينما المغربية قادرة على ان تمول نفسها بنفسها. حدث هذا قبل مدة ل"مكتوب" نبيل عيوش و"نساء" سعد الشرايبي و"بيضاوة" عبدالقادر الأقطع، ويحدث من جديد ل"علي زادة" عيوش نفسه، و"عطش" الشرايبي... في هذا الاطار تبدو السينما المغربية في خير، وإن كان يصعب على المرء ان يقارب بين "ضفائر" جلالي فرحاتي أي فيلمه الأخير وأفلام سابقة له من طينة "شاطئ الأطفال الضائعين"، ويصعب عليه كذلك ان يجد ما يكفي من المبررات لكي يفسر تراجع فريدة بليزيد في "كيد النساء" 2000 عن "باب السماء مفتوح" 1985. في مقابل هذا، يمكن ان يحمد ل"عطش" سعد الشرايبي جرأته الموضوعية، اذ ان الفيلم يعود الى ان يطرح، عبر حكاية تاريخية تدور احداثها اوائل الخمسينات، ايام الاستعمار الفرنسي للمغرب، مسألة ندر ان تطرقت اليها الفنون العربية، بما فيها السينما: مسألة مصير الأفراد الصغار حيال احداث كبيرة تلتهمهم وتلتهم حياتهم وبراءتهم؟ في اعتقادنا ان هذا السؤال المحوري في الفيلم الذي يقبل جدالاً كبيراً في شأن جودته الفنية، ولكن من المؤكد ان موضوعه يصيب في الصميم. وفي هذا الاطار، يبدو هذا الفيلم قريباً، في موضوعه، من بعض ما في فيلم جان شمعون اللبناني "طيف المدينة". فهنا ايضاً لدينا البراءة في مواجهة الحرب، والفرد في مواجهة كسوة المجموع. الطرح الصائب لهذه المسألة الشائكة لا يعني طبعاً ان الفيلمين، وكل على طريقته، عثرا على الوسائل الأفضل، فنياً لطرح الموضوع. كل ما في الأمر انها محاولة جديدة في الطرح نعتقد ان الأوان حان للبدء بالتوغل فيها، مع كل ما يحمله هذا من ضروب المجازفة السياسية والاجتماعية. وما يقال عن "عطش" و"طيف المدينة" هنا، يمكن قوله عن واحد من الجوانب الفكرية في فيلم "العاصفة" لخالد يوسف. وهو عرض في مهرجان القاهرة الأخير وأثار ضجة كبيرة. فهذا الفيلم الجيد، يطرح بدوره، وإن في شكل اكثر التباساً، مسألة مصير الأبرياء حيال صراعات تتجاوزهم وتتجاوز ارادتهم ويجدون انفسهم منخرطين فيها. هنا، في مقابل حرب الاستقلال في "عطش" والحرب اللبنانية في "طيف المدينة"، لدينا حرب الخليج الثانية في "العاصفة". ولدينا خصوصاً صرخة يسرا الاحتجاجية وهي ترى ولديها الشابين يساقان الى الحرب، على رغمهما، واحد في صف الجيش العراقي والثاني في صف الجيش المصري المنضوي تحت لواء قوات التحالف. هنا، وخارج اطار الصراخ الوطني والقومي المعتاد، يطرح السؤال الشائك والمر ليكشف عن وعي جديد، قد يكون خجولاً بعد، لكنه وعي قائم ونامٍ، ولا يمكن احداً قمعه من الآن وصاعداً. وحسناً تفعل السينما اذا تتبناه. فماذا غير هذا في السينما العربية خلال هذا العام؟ لا شيء كثيراً. الجزائر عادت مع وصول عبدالعزيز بوتفليقة الى الحكم واستتباب شبهة هدوء، وعاد مرزاق علواش يصور فيها. وفيها صور الراحل محي الدين مدور فيلمه "جبل باية"، الذي لولا رحيل مخرجه والمآسي التي واكبت تصويره لما كان من شأنه ان يلفت احداً. وفي المقابل ساعدت فرنسا عدداً من السينمائيين الجزائريين على "البقاء" فكانت افلام مثل "حريم مدام عثمان"، في مقابل المساعدة الهولندية التي مكّنت كريم طريدية من تحقيق "الصحافيون". وتراكمت في الوقت نفسه السيناريوهات آتية الى مكاتب المؤسسات الأوروبية من سينمائيين عرب يطلبون العون، من دون ان يجدوه. وهذا الواقع الأخير يطرح بدوره اسئلته: ماذا بعد؟ اذا كان المال المحلي غائباً، والقطاعات العامة، او ما يتبقى منها، تصفى، والانتاج المشترك يتباطأ حتى درجة العدم، فأي مستقبل للسينما العربية، ذلكم هو السؤال الشائك الآن. وفي انتظار ان ينجلي غبار التجربة الجديدة في مصر الشركة الاحتكارية التي تسخو حتى الآن في تقديم العون مثيرة اسئلة قلقة وحائرة، وغبار التبديل الحاصل في المؤسسة السورية، وما سيؤول اليه المصير الجزائري وكذلك في انتظار الخطوة التالية لوزير الثقافة اللبناني... يظل في امكاننا ان نقول إن الموسم المنتهي كان في حقيقة امره موسم الهجرة الى الوراء، كماً ونوعاً، وحتى على صعيد النجاحات التجارية البحت التي كنا نهجوها قبل عام وقد نحنّ اليها قريباً.