على رغم تبرير كبار المسؤولين اليمنيين التسهيلات التي منحتها السلطات لعدد من اليهود للسياحة في اليمن، بأن هؤلاء يتحدرون من أصول يمنية، كانت ردود الفعل الداخلية أكبر مما توقعته الحكومة. أحزاب المعارضة دانت الحكومة واتهمتها بالسير في ركب التطبيع مع اسرائيل عبر السماح بالسياحة اليهودية التي اعتبرتها أوساط سياسية وشعبية وصحافية "خيانة للمبادئ والمواقف القومية العربية والاسلامية" لليمن حيال الصراع العربي - الاسرائيلي. وطالب بعض تلك الأوساط بإقالة الحكومة وسحب الثقة منها في مجلس النواب، كما أصدرت المعارضة بيانات ضد حكومة الدكتور عبدالكريم الأرياني بسبب السياح اليهود الذين وصلوا بأعداد محدودة الى اليمن خلال آذار مارس ونيسان ابريل الماضيين. وحده المؤتمر الشعبي العام الحزب الحاكم لم يصدر موقفاً واكتفى بالرد عبر صحافته على بيانات المعارضة تأكيد موقف اليمن الرافض التطبيع قبل تحقيق السلام العادل والشامل، وتبرير السماح ليهود من أصول يمنية بالسياحة في اليمن والتعرف الى مناطق ومواقع لليهود اليمنيين قبل هجرتهم بأنه لا يتجاوز الدستور والقوانين والمبادئ الوطنية. لكن سيل الانتقادات والاتهامات الموجهة الى الحكومة لم يتوقف، وفي خضمه استهدف الأرياني وبعض وزرائه بفتح ملفات "الفساد الحكومي" والفشل في تحقيق الاصلاحات الشاملة. وارتفعت درجة حساسية الحكومة والحزب الحاكم، وانبرت الصحف الرسمية وصحف الحزب تدافع عن الأرياني وحكومته في مواجهة أطراف بينها حزب التجمع اليمني للاصلاح الاسلامي المعارض باعتباره "حزباً ظلامياً يتأثر في مواقفه باتجاه قياداته المتشددة". ولأن الحركات الاسلامية غير مرغوب فيها دولياً وأميركياً، اعتبرت الحكومة و"المؤتمر" تجمع الاصلاح هدفاً أو خصماً سهلاً لمواجهة حملة الاتهامات بالتطبيع التدريجي مع اسرائيل. لكن تصريحات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب زعيم "التجمع" والقريب جداً الى الرئيس علي عبدالله صالح، بحكم مكانته القبلية والسياسية، كانت لها دلالات أخرى. إذ وجه انتقادات مباشرة وشديدة الى الأرياني، معتبراً اياه المسؤول الأول عن توريط اليمن بالتطبيع، وأنه "رئيس نفسه". وأعيد نشر تصريحات عبدالله الأحمر في صحيفة "الثورة" الرسمية مما اعتبرته المعارضة رسالة واضحة ومؤشراً الى تكريس ادانة الأرياني. لكن مراقبين رأوا في ذلك تأجيجاً للمواجهة بين الأحمر ورئيس الحكومة واتجاهاً الى توريط الأول بمواقف معينة، خصوصاً أن تصريحاته تضمنت الكثير مما لا يتفق وتوجهات الحكومة و"المؤتمر الشعبي العام"، وحتى الرئيس علي صالح. ومن النادر جداً ان يعاد نشر حوارات أو تصريحات صحافية للشيخ الأحمر في صحف الحكومة، علماً أن عبدالقادر باجمال نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية رأى ان ما قاله زعيم "التجمع" لا يعبر عن البرلمان بل يعكس مواقف حزبه، مستنداً الى عدم مناقشة المجلس غالبيته للمؤتمر قضية السياحة اليهودية في اليمن. وفي سياق المواجهة بين الحكومة ومعارضي هذه السياحة والتطبيع، جاءت فتوى علماء اليمن التي صاغها حوالى مئة من علماء الدين ينتمون الى الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة وبينهم مستقلون وقضاة وفقهاء ومرشدون من كل المذاهب الاسلامية يتقدمهم الشيخ عمر أحمد سيف المرشد العام للميثاق الوطني والشيخ عبدالمجيد الزنداني رئيس مجلس شورى "الاصلاح" والقاضي أحمد محمد زياره مفتي الجمهورية، والقاضي أحمد محمد الشامي زعيم حزب "الحق". وكانت الفتوى واضحة في تحريم أي تعامل مع اليهود، ويشمل ذلك السماح لهم بالسياحة في اليمن أو التطبيع بأي شكل استناداً الى "تعاليم الدين الاسلامي الحنيف وتاريخ اليهود المليء بالغدر ونقض العهود والتآمر على الاسلام والمسلمين واغتصاب الأراضي العربية في فلسطين ومحاربة العرب". كما حذر العلماء من استهداف اليهود اليمن عبر الاستيطان بالمال والأرض والعقارات، وحرمت الفتوى التعامل معهم بيعاً وشراء. وأصبحت الفتوى الخطر الأكبر الذي يواجه الحكومة، يضاف الى محاذير المواجهة مع معارضة متربصة وصحافة تتطلع الى نبش ملفات الفساد والتجاوزات. ويشكل ذلك نقطة انطلاق للمطالبة بتغيير يطاول الحكومة، بات حديث الناس.