لا أحد في تونس يمكنه الإجابة عن تساؤل مثير: لماذا اختار اتحاد الكرة في تونس يوم الخميس 11 أيار مايو الحالي لاجراء مباراة الموسم بين الناديين الأكثر احترافاً والمؤهلين لنيل لقب الدوري الترجي التونسي والنجم الساحلي. فيوم الأحد هو العطلة الأسبوعية في البلاد ولا شيء يخفف من أمسيته "الطويلة" سوى الذهاب الى المقهى أو اقتطاع تذكرة الدخول لأحد الملاعب. ويبدو ان اتحاد الكرة التونسي مصرّ على دعم ظاهرة هجرة الجماهير التونسية للمدرجات وان هواجس الانضباط والهدوء دفعته لتنظيم هذا اللقاء المثير بكل المقاييس عشية اليوم حيث يكون الجميع في المكاتب ومواقع العمل، وليس المدرجات. وتشهد مدينة سوسة جوهرة الساحل التونسي استعدادات استثنائية لهذه المباراة غير العادية، شعارها تشديد اجراءات السلامة والبحث عن أفضل الطرق لمنع أي تماس بين جماهير الناديين "الأكثر عداوة في تونس" وتقديم صورة جميلة للدوري التونسي الذي كاد أن "يموت" من كثرة انقطاعاته وغياب مذاق ومتعة الفرجة. ويحتل الترجي الصدارة الدوري ب46 نقطة وأفضل خط هجوم وأحسن دفاع، كما يتصدر لاعبه الشاب علي الزيتوني 19 عاماً طليعة الهدافين ب17 هدفاً. والترجي يُعد عميد الأندية التونسية وتأسس في عام 1919 وفي رصيده 14 لقباً للدوري و13 كأساً وعدة ألقاب عربية وقارية. وقطع نادي باب سويقه خطوات مهمة على درب الاحتراف الشامل حيث تبلغ موازنته 6 ملايين دينار ويتمتع ببنية تحتية حديثة تشمل فندق 5 نجوم ومركز لتكوين اليافعين وملاعب معشبة وادارة مجهزة بأدوات الاتصال الحديث. ويُعد سليم شيبوب لاعب كرة الطائرة سابقاً بالنادي وصهر الرئيس بن علي الرجل القوي لكرة القدم التونسية في عقد التسعينات وبداية الألفية الثالثة ومع ثقافته الكروية الشاملة وشبكة علاقاته المحلية والدولية الممتدة فإن "سي سليم" كما يحلو كشاف الأصفر والأحمر مناداته يعتبر قريباً جداً من اللاعبين ويجيد الإنصات الى مشاكلهم والأهم من ذلك لا يوجد في قاموسه سوى كلمة وحيدة: الانتصار. ويعتبر الترجي التونسي من أنجع الأندية التونسية في انتداب اللاعبين محلياً أو قارياً ولعل آخر اكتشافاته النيجيري جوليوس أغواها مفاجأة كأس امم أفريقيا 2000. وتأسس النجم الساحلي سنة 1925، وهو نادي الساحل التونسي الأول ونادي رئاسة الوزراء المفضل، فالهادي نويرة الوزير الأول في السبعينات وأب الانفتاح الاقتصادي، والهادي البكوش والوزير الأول الحالي عبد الغنوشي من أحبائه، أما الدكتور حامد القروي الوزير الأول طيلة عقد التسعينات فقد ترأس نادي جوهرة الساحل لما يزيد عن عقدين من الزمن. ومن سوسة برز عبدالمجيد الشتالي أفضل المدربين التوانسة وعبدالسلام عظومة وعثمان جنيح رئيس النجم حالياً. وبالإضافة الى ثقافته الكروية الواسعة و"دهائه" الساحلي فإن جنيح يجيد فن الانتظار ويعرف من أين تؤكل الكتف ولا يخضع لضغط وعواطف الجماهير. وبعد سنوات الجفاف الأخيرة تمكن جنيح وبمساعدة لوجستية مهمة من صهره محمد ادريس أحد كبار رجال الأعمال في تونس أن يعيد للنجمة الحمراء بريقها. وبعد رحيل "عصفور الساحل" زبير بية تمكن جنيح من خلق جيل يحمل اليوم أمل كرة القدم الساحلية وبالأحرى التونسية أمثال المهاجم زياد الجزيري والبشير المقعدي وقيس الغضبان وعماد المعذبي... وإذ يمثل الترجي التونسي العمود الفقري لمنتخب تونس فإن شباب النجم هم وقود المستقبل. ويتقدم الترجي التونسي عن النجم الساحلي في ترتيب أول دوري محترف في تونس هذا الموسم بأربع نقاط، لذلك فإن هزيمة الترجي ستعيد توزيع الأوراق من جديد. ولذلك يمكن فهم طبيعة الرهان في هذه المباراة بل لنقل الرهانات، رهان الساحل الطامح الى زعزعة نادي العاصمة، مركز القرار ومغادرة موقع الوصافة، وطموح لاعبين شبان يحلمون بالمجد والشهرة ولذة التتويج بعد أن شبع منها لاعبو الترجي طويلاً. وسعي لطفي البنزرتي الى كتابة اسمه في لائحة الذهب الى جانب مدرب الترجي يوسف الزواوي. ويؤكد جنيح ان مقعد الزعامة في تونس يتسع لأكثر من سليم شيبوب، وحلم السواحلية ان يكونوا أول فريق تونسي "يقهر" الترجي أسطورة التسعينات.