أعلن الهادي بوجبل رئيس نادي النجم الخلادي لكرة القدم انسحابه من الرئاسة عقب اجتماع الجمعية العمومية لنادي ضاحية محافظة نابل السياحية. وتزامن هذا الانسحاب مع تدحرج الفريق إلى الدرجة الثانية في الدوري التونسي وتعكّر الحالة الصحية لرئيس النادي. والأهم من ذلك ان قيمة المصاريف التي قدمها بوجبل تجاوزت 720 ألف دينار في فترة رئاسته، وهو إذ يقف وأشقاؤه على "امبراطورية" اقتصادية محلياً، فإن مؤشرات المخاطرة تجاوزت كل الخطوط الحمر المسموح بها في عالم الأعمال. وتم في اعقاب هذه الجمعية العمومية انتخاب سعيد بوجبل رئيساً جديداً للنادي، في تواصل مع التقاليد "العائلية" في الجمع بين المؤسسة الاقتصادية والنادي. وتبرز الاحصائيات أن من مجموع 12 رئيساً للأندية التونسية، هناك 10 من رجال الأعمال من قطاعات السياحة والاعلام والصناعات التحويلية باستثناء خالد السعيدي، رئيس النادي البنزرتي، وهو مدير عام لمؤسسة النقل العمومي في محافظة بنزرت 60 كلم شمال العاصمة، وبلحسن الفقية رئيس الأولمبي للنقل وهو محام. ويرأس اتحاد الكرة في تونس الدكتور طارق بن مبارك، اللاعب السابق في الأولمبي الباجي وأصيل باجة محافظة السكر، وهو طبيب اسنان وله مسؤوليات سياسية متقدمة في الحزب الحاكم وعضو في البرلمان التونسي. ولأن يمر رؤساء الأندية إلى سدة الرئاسة عبر الانتخاب، فإن رئيس الاتحاد معين من وزارة الشباب والطفولة الممولة الرقم 1 لأهم مؤسسة رياضية في البلاد. وقد خلف ابن مبارك آخر عناقيد أصحاب الزي الأسود المحامون المنصف الفضيلي في جيل رؤساء الأندية في تونس. وعرفت الأندية التونسية في التأسيس ومراحل البناء سيطرة أصحاب الياقات البيضاء من كبار موظفي الدولة، وكذلك أصحاب المهن الحرة كالمحامين والأطباء. ويعد من أول المحامين الذين تولوا رئاسة الأندية الزعيم بورقيبة المحامي في بداية الثلاثينات، وأشهرهم العميد عبدالرحمن الهيلة الذي ترأس الترجي الرياضي في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات. وفي ظل تراجع قوة وحضور هذه الطبقة في البلاد، وكذلك تطور كرة القدم من الهواية إلى الاحتراف وما يتطلبه ذلك من تمويلات وبنى تحتية، قفز رجال الأعمال إلى سدة الأندية في تناسق تام مع سيطرتهم على الحياة الاقتصادية والاجتماعية. ويعتبر سليم شيبوب 41 عاماً، رئيس الترجي الرياضي، من أشهر مسيري الأندية وأكثرهم حضوراً محلياً وعربياً وقارياً. و"سي سليم"، كما يحلو لأحباء الترجي مناداته، لاعب سابق بنادي كرة اليد، وهو صهر الرئيس بن علي، ومن الجيل الجديد لرجال الأعمال التوانسة النشيطين. ويتمتع شيبوب بشبكة علاقات واسعة مع أصحاب القرار ورؤساء المؤسسات الاقتصادية وعالم الاستثمار، كما تربطه علاقات جيدة مع المسؤولين في الأندية السعودية - مركز القرار الرياضي العربي - والاشقاء في الجماهيرية، خصوصاً مع نجلي العقيد، محمد والساعدي القذافي. ولا يستمد "سي سليم" قوته من العلاقات فقط، بل أساساً من ايمانه بالتفكير العقلاني وتجنبه الاهواء، وكذلك اهتمامه الشديد بالجزئيات، فتجده في مهمة يعود لاعب كرة من ناد في الدرجة الثانية، أو يقدم مصروف جيب لأحد الأحباء أو في دردشة مع أحد لاعبي مركز تكوين اليافعين للترجي. وشهدت الصحف التونسية في بداية الدوري الماضي "معركة" مفتوحة بين أهم رئيسين للأندية، الترجي والافريقي، بطلاها شيبوب والشريف بالامين، دارت أساساً حول كيفية النهوض بكرة القدم التونسية. وبالامين 60 عاماً هو ابن عبدالحميد بالامين أحد رؤساء الافريقي التاريخيين، ولعل أهم ما ميز رئاسته قدرته على تحمل ضغوط مراكز القوى داخل النادي، ومواصلة المسيرة الافريقية في ظل سيطرة الترجي محلياً وقارياً في المواسم الأخيرة. واستطاع حمادي بوصبيع الخبير المصرفي وصاحب مؤسسة أهم مشروع غازي، عالميا،ً أن يحقق المصالحة بين الرئيسين لما يتمتع به من حكمة وبعد نظر. وبوصبيع يعد من أهم الممولين للنادي الافريقي، وككل رجل أعمال ناجح، يعتقد بأن الاستثمار الذي لا يحقق نتائج ايجابية غير مجد، لذلك يُقال إن "سي حمادي" غاضب من قيادة الافريقي وربما يفكر في تصعيد وجوه شابة لإخراج الافريقي من الخيبات. ولمواجهة "غول" الترجي، يسعى رؤساء الأندية الى تحقيق "شراكة" بينهما، هدفها تعديل الكفة وتحقيق التوازن. وهكذا يرتبط رئيس النجم الساحلي عثمان جنيح 50 عاماً بعلاقة جد وثيقة برئيس النادي الافريقي، لذلك نفهم ان النجم الساحلي انتدب 3 لاعبين من خيرة لاعبي الافريقي هذا الموسم هم فريد شوشان وفاروق الطرابلسي ورياض الجلاصي. وعثمان جنيح لاعب سابق في النجم ومنتخب تونس وهو رجل أعمال، والأهم من ذلك هو صهر محمد ادريس من كبار رجال الأعمال في تونس والممول الحقيقي للنجم الساحلي. ويشترك رجال الأعمال في الأندية التونسية في حرصهم على تجنب الاضواء وتقارير الجمعيات العمومية والأحاديث الصحافية. فأهم ممولي الأندية أمثال غزيز جيلاد وحمادي بوصبيع ومحمد ادريس لا يظهرون إلا لماماً، ولعل السؤال يبقى: ما هو مقدار استفادة هؤلاء من تمويل الأندية أو مَنْ يمول مَنْ!