خسرت العملة الاوروبية الموحدة، اليورو"، اكثر من 23 في المئة من قيمتها ازاء الدولار الاميركي منذ اعتمدتها 11 دولة في الاتحاد الاوروبي الذي يضم 15 دولة قبل 15 شهراً. وسجل اليورو الاسبوع الماضي مستويات متدنية جديدة، على رغم تدخل البنك المركزي الاوروبي الخميس برفعه سعر الفائدة الرئيسي من 3.5 الى 3.75 في المئة، مخترقاً الحاجز المهم، 91 سنتاً، ازاء الدولار الاميركي. وقال البنك الاوروبي انه تدخل "لدرء الخطر الصعودي لاستقرار الاسعار"، او بمعنى آخر لتجنب عودة التضخم، والتي قد تنجم عن "التوسع الاقتصادي القوي في منطقة اليورو والنمو المتزايد للاقراض، والمستوى الحالي لسعر صرفه". وهذه رابع زيادة في اسعار الفائدة يعلنها البنك المركزي الاوروبي منذ تشرين الثاني نوفمبر الماضي. الا انها كانت متوقعة ولم تتأثر بها الاسواق. كما انها لم تتأثر بتصريحات المستشار الالماني غيرهارد شرودر او وزير المال الفرنسي لوران فابيوس اللذين دافعا فيها عن العمالة الاوروبية المنهكة. وجاء كلام شرودر قبل اجتماع مجلس صنع القرار في البنك الاوروبي الخميس الماضي حيث اعلن رفع سعر الفائدة. وقال المستشار الالماني انه لا يفهم لماذا يتخذ المتداولون مثل هذا الموقف المتشائم ازاء اليورو، على رغم ان الثوابت الاقتصادية في منطقته يورو زون "جيدة". من جهته، قال فابيوس انه يعتقد ان اليورو سيصبح قوياً عندما يسير الاتحاد الاوروبي نحو وحدة سياسية واقتصادية أوثق. واعرب عن اعتقاده بأن ما يحدث ليس هبوطاً لليورو بقدر ما هو تحسن قوي للدولار الاميركي! غير ان للمتداولين رأيا آخر. فهم يقولون ان المستثمرين توقفوا عن شراء اليورو، وتخلص عدد كبير منهم من مراكزهم فيه للحد من الخسائر، بعدما فشلت العملة الاوروبية في الاستفادة من التقلبات الاخيرة في اسواق الاسهم الاميركية. فيما يعتقد اقتصاديون اوروبيون ان استعادة الثقة باليورو تتطلب المزيد من الاصلاحات البنيوية في الدول ال11 الاخرى خصوصاً في مجالي الضرائب والموازنة، وذلك لحفز النمو. وما يساهم ايضاً في اضعاف اليورو، التوقعات برفع اسعار الفائدة الاميركية في ايار مايو المقبل، خصوصاً بعد نشر بيانات جديدة اظهرت نمو اجمالي الناتج المحلي في الولاياتالمتحدة بنسبة 5.4 في المئة مقابل توقعات ب6 في المئة، وارتفاع تكاليف التشغيل بنسبة 1.4 في المئة، هي الاسرع منذ 1991 واكبر من التوقعات، ما يرجح اتجاه مجلس الاحتياط الفيديرالي البنك المركزي الاميركي الى رفع اسعار الفائدة ربما بنسبة 0.5 في المئة هذه المرة بدلاً من 0.25 المتوقعة. واذا قرر مجلس الاحتياط التخلي هكذا عن سياسة الرفع التدريجي للفائدة، فذلك ان رئيسه ألن غرينسبان نبّه اكثر من مرة الى تأثير ارتفاع مؤشر تكاليف التشغيل على وضع التضخم اكثر من غيره من المؤشرات. وقد تضرر اليورو ايضاً من تضافر عوامل سياسية اوروبية، خصوصاً عدم الاستقرار السياسي في ايطاليا، مع استقالة رئيس الوزراء ماسيمو داليما، والمخاوف من عودة التوتر الى العلاقات بين النمسا والاتحاد الاوروبي، بسبب توزير حزب يورغ هايدر، وما قد يتعين على بلاده لجهة درس الانسحاب من الاتحاد. ولفت أحد محلّلي تحرك العملات الى ان السلطات الاوروبية قد تكون ايضاً منقسمة على نفسها في شأن دعم اليورو، لأن الاقتصاد الاوروبي يعتمد كثيراً على نمو الصادرات، واي عملة اوروبية قوية ستخفض حجم الصادرات بجعل السلع الاوروبية اكثر كلفة للمستوردين في الخارج. ورأى انه تبعاً لذلك، لا يستطيع اليورو المحافظة على اي تحسن ولو كان طفيفاً، يسجله من حين لآخر، ما يجعله عرضة لهجمات المضاربين الذين يتخلصون منه لاختبار المدى الذي يمكن ان يهبط اليه. في المقابل، استطاع الدولار الاميركي تجاوز انعكاسات انخفاض اسواق الاسهم الاميركية الاسبوع الماضي. واظهر استطلاع اجراه الاتحاد الاوروبي ونشر مؤخراً، ان المعارضة للعملة الموحدة تزايدت في الدول التي لا تزال خارج منطقة اليورو، وفي عدد من الدول داخلها، في الاشهر التي اعقبت اطلاقه في 1 كانون الثاني يناير 1999. وقال الاستطلاع الذي نشرته "يورو باروميتر"، ان شعبية العملة الاوروبية في الدول ال15 للاتحاد انخفضت من 64 في المئة في الايام التي سبقت اطلاقها الى 60 في خريف 1999، فيما كان اليورو يضعف ازاء العملات الاخرى. وعلى رغم ان الاستطلاع يظهر ان الدعم للعملة الموحدة بقي مستقراً نوعاً ما بين ربيع 1999 وخريف العام نفسه في الدول ال11 عند 68 في المئة، الا انه لاحظ تزايد المعارضة للعملة في شكل ملموس في فنلندا، لوكسمبورغ، فرنسا، المانيا واسبانيا وهي كلها في منطقة اليورو. فيما زاد الدعم لها في اليونان، التي تسعى الى الانضمام الى العملة الموحدة في كانون الثاني 2001. كما تزايدت المعارضة في الفترة نفسها في الدول الثلاث التي لم تقرر بعد ما إذا كانت ستقدم طلباً لاعتماد اليورو، وهي بريطانيا والسويد والدانمارك. وقالت الدراسة ايضاً ان 59 في المئة من الاشخاص الذين تم استطلاع آرائهم في بريطانيا في خريف 1999 كانوا يعارضون اليورو، مقابل 55 في المئة في ربيع العام نفسه، بينما اعربت نسبة 25 في المئة منهم فقط عن تأييدها العملة الموحدة. وفي اطار الجدل القائم حول أسباب تدهور سعره، يعتقد الاقتصادي الفرنسي باتريك ارتوس ان نظراءه الأوروبيين يتجنبون الاعتراف بالاسباب الحقيقية لضعف العملة الموحدة. ونقلت عنه صحيفة "هيرالد تريبيون" أخيراً ان ادارة البنك المركزي الأوروبي لا تقوم بعمل جيد. ويقول ارتوس، الذي عمل في البنك المركزي الفرنسي لمدة عشرة أعوام، قبل الانضمام الى "كيس دي ديبو" التابعة للدولة الفرنسية، ان أول أسباب الضعف ان منطقة اليورو ليست منطقة اقتصادية قوية الآن، مشيراً الى ان رؤوس الاموال الطويلة الأمد تهجرها بمعدل 220 بليون دولار سنوياً، منها 120 بليونا قيمة استثمارات مباشرة من قبل الصناعة فيما تذهب 100 بليون الى استثمارات في محافظ، مثل الاسهم أو السندات. وفي رد غير مباشر على التأكيدات المتكررة للبنك المركزي الأوروبي ورئيسه فيم دويزنبرغ، عن "الثوابت الاقتصادية القوية" في منطقة اليورو، واحتمالات التحسن للعملة الموحدة، يشير ارتوس الى ان هروب الأموال "حقيقة" ذات معنى أعمق من التفسيرات المبسطة التي يقدمها البنك الأوروبي، معتبراً ان اليورو في منحدر بنيوي، وهو سيبقى في اتجاه نزولي الى ان تبدأ دول غير منضوية تحت لواء العملة الموحدة في الاستثمار في منطقته. ويضيف الاقتصادي الفرنسي محذراً: "طالما اننا غير قادرين على الحد من تدفق رؤوس الأموال الى الخارج، فإننا معرضون لرؤية اليورو تحت مستوى 90 سنتاً إزاء الدولار". فيما لم يستبعد مصرف "رويال بنك اوف سكوتلند" انخفاض العملة الاوروبية الى مستوى80 سنتاً! أنطوان أ. خوري