ليس عندي ما أقوله عن الشعر للشعراء، أو حتى لقرّاء الشعر. فالشعر في تجربتنا الحية ليس واحداً بل متعدد، ونحن نعرف الشعر بالشعر أكثر مما نعرفه بالحديث عنه. فالشعر حاجة قبل أن يكون فناً أو لغة أو كتابة. أستطيع حتى أن أقول إن الشعر هو تجربة داخلية عميقة سابق عن الكلام. لأن الإنسان قبل أن يتكلم كان يحسّ ويحلم ويقلق ويشعر بالفقدان ويفرح وينتشي ويتّحد بالطبيعة ويتساءل عن المصير ويخاف ويحب. لهذا نحتاج الى الشعر حتى ونحن نفتقده، وحاجتنا إليه هي الدليل على أنه موجود. ولقد تحدّثنا كثيراً عن الشعر في العصور الماضية. وتحدّثنا عنه أكثر في نصف القرن الماضي، حتى بدا كأنّنا نبتعد عن الشعر بقدر ما نكثر الحديث عنه. لأننا في هذه الحالة نتحدث عن غائب، نعرفه بغيره ولا نقابله وجهاً لوجه. لقد حلّت الشعرية محل الشعر الذي أصبح لغطاً في الأروقة المغلقة بدل أن يكون نشيداً في المعتقلات أو غناء تحت الشرفات. لكن حاجتنا اليوم للشعر أقوى منها في أي يوم مضى. لقد أصبح ضرورة لاستقرار الحياة، كأنها الضرورة التي كانت تدفع الإنسان لأن يغنّي ليبدّد الظلمة والخوف في العصور التي سبقت الحضارة. إننا نعيش اليوم في مدن بلا أعياد ولا مواكب ولا عشاق ولا حدائق، تحت سقوف بلا أحلام، وسموات بلا أقمار ولا آلهة. نعيش في الوحشة التي تسبق القصيدة، في الصمت الذي يسبق النشيد.