كتاب "سيرة حياتي" الذي صدر في مطلع العام 2000 للفيلسوف العربي عبدالرحمن بدوي بدا حدثاً ثقافياً فريداً. فبدوي ظاهرة من أندر الظواهر في حياتنا الفكرية المعاصرة وهو بانتاجه وحده يمثل دار نشر كاملة. ومهما اختلفنا معه في الرأي أو الموقف فليس من الممكن إلا أن نقف من جهوده موقف الإجلال والإكبار بل الرهبة، على حد تعبير محمود أمين العالم الذي يقول: "ما خرجت في ما كتبت وأكتب حتى اليوم عن تقديري العميق لعبدالرحمن بدوي، سواء بالنسبة لشخصه أو لفلسفته الوجودية، أو لجهوده الجليلة - حقاً - في تحقيق تراثنا الفلسفي القديم أو ترجماته ودراساته لعيون الثقافة الأوروبية". أما الوجودية التي كتب فيها بدوي عام 1945 كتابه المهم "الزمان الوجودي" ثم دراسته "هل يمكن قيام أخلاق وجودية؟" عام 1953 فكانت في ذلك الوقت تياراً فكرياً ينتظم فئة من المثقفين متخذاً من تاريخنا الروحي العربي ومن التصوف الاسلامي مصدراً لفلسفة شاملة لهذه الفئة في هذا العصر. تتلمذ على أعلام الفكر في مصر مثل طه حسين الذي أشرف على رسالته للدكتوراه في عام 1943 عن الزمان الوجودي ومصطفى عبدالرازق الذي انبهر بدوي بقوة إيمانه وهو في مرحلة تمرد الشباب ورأى فيه نموذج الانسانية في بيئة ضاعت فيها قيم الانسان. وتتلمذ على أندريه لالاند والكسندر كواريه اللذين أشرفا على رسالته للماجستير باللغة الفرنسية عام 1941 في عنوان مشكلة الموت في الفلسفة الوجودية. وبدوي هو صاحب هذا الكمّ الهائل الذي يستحيل استيعابه واحتواؤه - منذ كتابه "نيتشه" وهو في الثانية والعشرين من عمره عام 1939 مروراً بديوانه "الحور والنور" حتى كتبه الأخيرة عن مذاهب الاسلاميين في جزئين بالعربية ثم الدفاع عن القرآن ضد مناوئيه، والدفاع عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ضد ناقديه باللغة الفرنسية وكذلك ما كتب عن هيغل وفلسفة الجمال عند هيغل باللغة العربية وهو ابن الثمانين ربيعاً. وأخيراً صدر هذا العام كتابه "سيرة حياتي" من جزئين مثيراً في الأوساط الثقافية العربية ضجة كبيرة. جاوزت أعمال بدوي مئة وخمسين كتاباً بوّبها ما بين مبتكرات، دراسات، وخلاصاً الفكر الأوروبي، دراسات اسلامية، وترجمات الروائع المئة وسلسلة الينابيع وسلسلة إسلاميكا، وهي تتنوع ما بين التأليف والتحقيق والترجمة والاعداد والابداع الشعري والقصصي بدأها في القاهرة منذ أواخر الثلاثينات وما زال يوافيها خارج الوطن منذ رحيله عنه عام 1967 وفي باريس حيث يقيم منذ عقد ونصف من الزمان. يصفه حسن حنفي بالفيلسوف الشامل ويرى أنه بمفرده مكتبة حية متنقلة تحتوي على تاريخ الفكر البشري. مشروعه هو التمهيد لأجيال مقبلة من دارسي الفلسفة وإعداد الخريطة العامة للفكر البشري لهم ليروا فيها الروح البشري وهو يعي ذاته. رأس قسم الفلسفة من جامعة عين شمس عند تأسيسها وهو لم يحصل بعد على درجة الاستاذية، واستحضر من أوروبا وجامعات مصر أساتذة يكبرونه سناً ومقاماً مثل دييس وأرناديز ويوسف مراد ومصطفى زيور وحلمي مراد وغيرهم. عمل مستشاراً ثقافياً في برن على مدى ثلاث سنوات في الخمسينات بعد الثورة المصرية. ويجيد الكثير من اللغات كالفرنسية والألمانية والاسبانية والايطالية والانكليزية والفارسية والتركية واليونانية واللاتينية. واحتفلت مصر والعالم العربي عام 1997 بذكرى مرور 80 عاماً على مولده، وحصل في العام الماضي على جائزة مبارك التي تمثل أعلى أوسمة التكريم في جمهورية مصر العربية. ولا غرو في ذلك فهو صاحب مشروع نهضوي كبير في ثلاثة ميادين للبحث: 1 - الاستفادة من الفكر الغربي والتعريف بتياراته وأعلامه في الفكر والأدب، 2 - البحث في التراث العربي الاسلامي ومعرفة مكوناته بتأصيل جذوره ومكوناته النظرية، 3 - العمل على تحقيق النهضة بالابداع الفلسفي والأدبي. ومن يطّلع على سيرته يعرف أنه خاض الحياة السياسية إذ كان عضواً في حزب مصر الفتاة من 1938 الى 1940 ثم عضواً في اللجنة العليا للحزب الوطني من 1944 الى 1952. واختير في كانون الثاني يناير 1953 عضواً في لجنة الدستور وأسهم فيها خصوصاً في وضع المواد الخاصة بالحريات والواجبات في دستور 1954. وكانت هذه التجربة الأخيرة وراء اعتزاله السياسة إذ لم يأخذ القائمون على الثورة بهذا الدستور ووضعوا بدلاً منه دستور 1956. وهو في "هموم الشباب" يجمع بين تجربته الاجتماعية السياسية، وتجربته العاطفية الوجدانية إذ يهدي هذا الكتاب الى تلك الأفعى الرهيبة التي أوقعت الشاب في الخطيئة وأنزلته الى قاع الحياة. ويطلب من الله لها الغفران، ويوقع باسم شهيد الشباب. لا ريب أن لهاتين التجربتين أثرهما في اعتزال الفيلسوف وتفرغه للبحث العلمي الى حد الزهد في الدنيا والعزوف عن الزواج والأهل والخلان. مسيرة فكرية لا تحكم إنتاج بدوي الغزير والمتنوع ضرورة النسق الفكري الوجودي وحده ولكنه يتبع في بعض أركانه اعتبارات وظيفية تاريخية عالية وأخرى شخصية ومادية آنية. وبالجدل الحادث بين هذه الضرورات والاعتبارات يتشكل ضرب من التناسق المتوتر الذي يجمع بين أعماله. بدأ وهو طالب في الجامعة ينشد الانسان الأعلى وأخلاق السادة مع نيتشه وكتابه "هكذا تكلم زرادشت" وأضاف بعد رسالته في الماجيستير حول "مشكلة الموت في الفلسفة المعاصرة" كتابه الأصيل الأساس حول "الزمان الوجودي" ثم انتقل وهو في عنفوان سورته الإبداعية الى الوفاء بمهمته الموقعية التاريخية كحلقة وصل بين الفكر الغربي والفكر العربي الاسلامي كناقل ومترجم للكفر الغربي ثم كباحث ومنقب في التراث العربي الاسلامي مترجماً أعمال المستشرقين ثم محققاً ومقدماً جوانب هذا التراث لكشف مكوناته وتأصيل جذوره. غلبت على هذا العارب الوسيط المتنقل بين الغرب والشرق همومه النابعة من نسقه الفلسفي ونزوعه الأدبي حتى يمكننا أن نقول: إن زمانه الوجودي الخاص كان بوتقة التقت فيها ابداعاته مع ترجماته وتحقيقاته جامعة بين الزمان التاريخي الحضاري والزمان الروحي الفائق للتاريخ. وعلى رغم أننا نغلب هذه القراءة التفهمية التوحيدية للجهود الخارقة لهذا الفيلسوف الشامل إلا أن بعض أعماله يخرج عن نطاق هذه الوحدة المتوترة. فإذا كانت دراساته الأوروبية حول "المنطق الصوري والمنطق الرياضي" و"المنهج التاريخي" و"مناهج البحث العلمي" وسلسلة خلاصة الفكر الأوروبي ومنها "أفلاطون" و"أرسطو" و"ربيع الفكر اليوناني" و"خريف الفكر اليوناني" و"فلسفة العصور الوسطى" وتحقيقاته الخاصة بنصوص أرسطو وشروحها بالعربية هي دراسات يطبق فيها دوره التاريخي كمعلم وليس كفيلسوف من دون أن يتناقض ذلك مع توجهه الرومانتيقي ونسقه الوجودي، فهناك ترجمات لأعمال أوروبية تتناقض مع فلسفته الوجودية مثل مسرحيات الكاتب الماركسي برشت دائرة الطباشير القوقازية، والأم الشجاعة والانسان الطيب في ستسوان أو مسرحيات مثل "الدرس" ليوجين يونسكو التي تتناقض مع اتجاهه في النقد الأدبي والتي يخصها بالنقد والسخرية اللاذعة في كتابه الأخير "سيرة حياتي". والحق أن بدوي يفسر ذلك بقوله إنه كان من واجبه أن يقدم روائع هذا الفكر بتياراته المختلفة، مما يعني أن حياد منطق المعلم والوسيط تغلّب هنا على مذهبية الفيلسوف أو بالأحرى على همومه ونزوعاته الفلسفية. أما ترجمة بدوي كتاب جان بول سارتر "الوجود والعدم" فهي تبدو للوهلة الأولى موصولة بضرورات فلسفته الوجودية حتى أن المرء يتساءل لماذا لم يضطلع الفيلسوف مبكراً بهذه الترجمة؟ بيد أن من المعروف لكل من قرأ من قبل كتاب بدوي "دراسات في الفلسفة الوجودية" أو قرأ أخيراً "سيرة حياتي" مقدار استهانته بهذا الكتاب وبكتابه الذي يصفه بأنه لم يكن فيلسوفاً وإنما أديباً شوه الوجودية. والواقع أن بدوي يؤكد بنفسه أنه لم يترجم هذا الكتاب إلا تحت إلحاح الناشر الذي تولى بنفسه مراجعة "البروفات" قبل طباعته الحافلة بقائمة من الأخطاء سجلها بدوي في 16 صفحة بأكملها. بدأ النزوع الرومانتيقي الذاتي عند عبدالرحمن بدوي بعدمية من نوع خاص تتمرد على أخلاق العبيد وتتسامى نحو أخلاق السادة. ثم تفوق على نفسه بصلافة تصور قدرة "الأنا وحدي" على رأب المسافة بين الذات والموضوع في جدلية ترفض نوعية التركيب الديالكتيكي لدى هيغل وتدّعي تجاوز "القصدية" الهوسرلية في ضم المثالي الأعلى والمادي الأدنى في ذات الإنسان المتوحد. كان بدوي في عليائه فوق غمامته الكونية يخاطب الغرب والغرب لا يراه. يكتب الى العالم والعالم لا يقرأ لغته. فلم يقيض لكتابه "الزمان الوجودي" - وهو الذي فاق الجميع بترجماته من مختلف اللغات الى العربية - أن ينقله صاحبه أو غيره من أقرانه أو المهمومين به الى لغة اتصال أوروبية. مد يدوي ذراعية قِبَلَ المشرق، ذراعه اليسرى تحمل لواء التمرد والعصيان وتنقب في تاريخ الإلحاد في الإسلام والشخصيات القلقة فيه ومذاهبه وفرقه مقتفياً خطى ماسينيون وهنري كوربان وبول كراوس وآسين بلاثيوس... وذراعه اليمنى تتعمق في فهم هذا التراث وتبحث في التصوف الاسلامي عن تأصيل عربي إسلامي لجذور شجرة الوجودية التي يراها زيتونة كونية لا شرقية ولا غربية. وانتهت به أسفاره في مشارق الأرض ومغاربها الى مغادرة الوطن ثم التوطن الأخير في باريس موطن "غربته الغربية". لكن غربة العارب الغريب في محطة توطنه الأخيرة في باريس غربة من نوع الغربة القصوى: غربة مستورة تأتيه من باطنه. وغربة ظاهرة تفرضها الأحداث الآنية بسبب حملات البعض في الغرب ضد الإسلام والمسلمين، فإذا به بعد أن ذرف على السبعين يترافع على حد قوله لنا: "باسم الوطن وباسم الدين" دفاعاً عن إسلام لم يبرح يوماً حومته ولم يخرج أبداً عن جبته على رغم ما شاع عنه من أحكام إبان تغوره الحائر من دون رادع أو حائل في صميم الحياة الروحية لهذا الدين وتنقيبه الشقي الثائر عن مظاهر القلق الوجودي والاضطراب الميتافيزيقي العنيف في تراثه لدى "أولئك الذين أشاعوا سورة التوتر الحي معرضين عن الظاهر الساذج المستقيم الى الباطن الشائك الزاخر بالمتناقضات". مارس بدوي حريته في قراءة تراث الفكر الاسلامي في محاولة لتأصيل الوجودية بقدرة وجرأة ومعاناة ذاتية حتى اننا كثيراً ما نجده وهو يتحدث عن بعض السابقين يتحدث عن ذاته حديث الروح التي تتحد بالروح. فهو يؤكد الوجود الذاتي الذي يحل عبر مراحل التجريد الصوفي محل الوجود الموضوعي. ليصل الى منتهى تأكيد الذات في فكرة "الانسان الكامل" لدى ابن عربي ومن بعده لدى عبدالقادر الجيلي وهي تعادل فكرة كيركيغورد عن "الأوحد" الذي "يحيا في ذاته... الوحدة وطنه الحقيقي" فالمعنى الأعمق للأوحد "هو شعوره بأنه فريسة أو ضحية وبالتالي فعليه أن يحقق الاستشهاد وأن يشعر دائماً بالمثول أمام الله". لذلك انكب بدوي على أبي حيان التوحيدي، يحلل شخصيته وأحواله النفسية ويعيش تجاربه الحية وكأنه يتكلم عن نفسه، فيقول: "وصاحبنا "التوحيدي" لقى الأهوال من الأحياء، عرف الشقاء الذي لا يستحقه، بينما وجد التافهين يرتفعون الى أعلى مراتب الرياسة والشرف في الدنيا. وسعى ما استطاع لطلب المثالة بين الناس ولعقد الرياسة بينهم ولمد الجاه عندهم فحرم ذلك كله. وزاد من شعوره بالألم أنه طلب المجد عند أناس مهنتهم مهنته أعني حرفة الأدب، لكنهم بلغوا مراتب الوزارة، وهو لم ينل إلا البؤس والحرمان، وظن أنهم أقدر الناس على معرفة قدره فلم يلق منهم إلا كل نكران وتحقير وإهانة لكل كرامة...". ويتحدث بدوي عن الغربة الوجودية الباطنة فيقول في مقدمة "الاشارات الإلهية لأبي حيان التوحيدي": "لقد أحس التوحيدي بأنه "غريب" في كل شيء: غريب في وطنه، غريب عن أحبابه، غريب عن كل ما في الوجود من أشياء وأحياء، فكان موضوع "الغريب" هذا من أبلغ ما سطره قلمه، وفيه ملامح وجودية لا يخطئها النظر من أول وهلة، ولهذا كان الباعث لي إلى تلمس العناصر الوجودية في كتابته. يقول التوحيدي: "قد قيل: الغريب من جفاه الحبيب. وأنا أقول: .... بل الغريب من هو في غربته غريب". أي روعة في هذه العبارة التي تبدو في صورة التناقض الوهمي. .... فالغربة إنما تأتيه من باطنه، إذ عليه أن يسلو عن الموجود، والموجود هنا يشمل كل شيء: الموجود بالمعنى المادي، والموجود بالمعنى الروحي، والموجود بالمعنى الميتافيزيقي: الأول بالزهد في الحياة والعزوف عن الدنيا، والثاني بالعلاء المستمر في معراج التطور الروحي.... والمعنى الثالث، أي الميتافيزيقي يكون بتأمل فكرة الفناء: الفناء الفردي على هيئة الموت للأحياء، والفناء العام على هيئة الانطواء للوجود كله في حضن الوجود الواحد". ويعقد بدوي الصلة بين كل من التوحيدي وكافكا وغابرييل مارسيل حول مفاهيم التسليم والرجاء ورابطة الصلاة ومناجاة الذات وانتساج الوجود من الأضداد. فبدوي الذي خاطب روح أستاذه مصطفى عبدالرازق قائلاً: "فمن لي اليوم بمن يردني من العصيان الى الإيمان، ومن الثورة الى الإذعان" يتحدث عن الإذعان والتسليم لدى التوحيدي فيقول: "وهل آلم للنفس وادعى الى خيبة الأمل، بل واليأس من الحياة كلها، من أن تعتقد وتؤمن إيماناً واسعاً بجدوى ما تبذله في الدنيا من مجهود، ثم ترى عما قليل أن مصيرك قد تحدد بنفسه ومن تلقاء نفسه وكأنك لم تشارك فيه أدنى مشاركة؟!". وتبقى رؤية المصير الخاص لغزاً محيراً لدى بدوي الذي يقول في أول سطور "سيرة حياتي" ويكرر قوله مرتين على الغلاف الخلفي لجزئي هذا الكتاب الأخير: "بالصدفة أتيت الى هذا العالم، وبالصدفة سأغادر هذا العالم!..... وواهم إذاً من يظن أن ثم ترتيباً أو عناية أو غاية. إنما هي أسباب عارضة يدفع بعضها بعضاً فتؤدي الى إيجاد من يوجد وإعدام من يعدم". نعم يثير هذا الرأي التساؤل حول تناقضات إيمانه التي ربما لا نجد لها حلاً إلا في مفهوم التناقض أو اللامعقول الذي يتأصل فيه الإيمان لدى كيركيغورد. أما أحكامه الحدية المتناثرة في "سيرة حياتي" والمشحونة بالتحقير والكراهية التي تكاد تذهب برونق أسلوبه الأدبي الرفيع وتبدد قيمة الدروس المستفادة من تاريخه المجيد، فنحن لا نملك إلا أن نبحث في كتاباته عن تفسير نفسي وفلسفي لها ربما نجده في عدد من سطور وصفه السابق لنفسية أبي حيان التوحيدي أو في تحليله في كتاب "دراسات في الفلسفة الوجودية" أسلوب الفيلسوف الوجودي الاسباني أونامونو الذي كتب عن نفسه: "أودعت في كتبي حرارة وحياة حتى تقرأ. وأودعت فيها وجداناً: وجدان الكراهية والازدراء، ووجدان التحقير مرات عدة. هذا أمر لا أنكره، لكن هل الحرارة لا تصدر إلا عما يسمونه الحب؟". ويعلق بدوي على هذه الاعترافات بقوله: "ذلك لأن السلام... هو في العادة كذب وسبات. وهو لا يريد أن يعيش في سلام مع الناس ولا مع نفسه. إنه يطلب الحرب، الحرب في داخل نفسه. وشعاره هو: "الحقيقة قبل السلام!". ربما لا تجدي هذه القراءة "التفهمية" أو لا تشفي الغليل! فلنترك الكلمة الأخيرة إذاً لعبدالرحمن بدوي الذي يلعق بحكمة على انقلاب علاقة الود والإعجاب بين كانط ومحنته عندما كتب محنته "إن فلسفة كانط هي محض هراء!"، بينما راح كانط يصفه بأنه "صديق زائف بل وغدار خبيث!". فالقول الفصل هنا وهناك هو قوله: "ولكم يفسد الهوى حكم بني الانسان حتى أعقلهم!". * صدرت السيرة في جزءين عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، عمان 2000.