فيما تستمر القيادة الفلسطينية الرسمية على طريق التسوية المنفردة مع اسرائيل الذي بدأته في أوسلو في 1993 تواصل مجموعات فلسطينية مستقلة وباحثون مؤيدون للقضية التمسك بحق الفلسطينيين في كل أرض فلسطين التاريخية، بغض النظر عن نتيجة المفاوضات الحالية واقتراب نهاية المهلة المحددة للاتفاق على الوضع النهائي في أيلول سبتمبر المقبل. من بين النشاطات في هذا الاتجاه المساعي لتحديد أرضية قانونية لحق اللاجئين الفلسطينيين في استعادة ممتلكاتهم التي استولت عليها اسرائيل بعد طردهم من ديارهم في 1948، أو التعويض عن تلك الممتلكات. وسلطت باحثة قانونية أخيراً الضوء على حكم أصدرته المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان قبل أربع سنوات لمصلحة سيدة من القسم اليوناني لقبرص صودرت ممتلكاتها في القسم الذي تسيطر عليه تركيا. وحكمت المحكمة على تركيا باعادة الممتلكات والتعويض عن الأضرار. ورجحت البروفسورة المشاركة سوزان أكرم من كلية الحقوق في جامعة بوسطن أن الحكم هو السابقة الواضحة الوحيدة التي قد تسمح للاجئين الفلسطينيين - البعض منهم حاليا يحمل جنسيات أوروبية - بمقاضاة اسرائيل على الأراضي والممتلكات التي صادرتها منهم. وتلقى مساعي البروفسورة أكرم لصالح الفلسطينيين دعما من الخبير الدولي المرموق في شؤون اللاجئين غاي غودوين - غيل وفريق طلبة القانون في جامعة بوسطن. وشاركت خلال السنة في ندوتين عن الموضوع في بروكسيلوبوسطن، اضافة الى ندوة نظمها في واشنطن أوائل الشهر الحالي مركز تحليل السياسات حول فلسطين. البروفسورة أكرم أميركية من أصل باكستاني، وهي حالياً باحثة زائرة في جامعة القدس في القدسالشرقيةالمحتلة. وكانت السيدة اليونانية القبرصية تيتينا لويزيدو وهي مواطنة يونانية في الوقت نفسه رفعت الى المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان في 1989 قضية طالبت فيها باستعادة ممتلكاتها المصادرة في القسم الشمالي من قبرص الواقع تحت سيطرة تركيا. وحكمت المحكمة في كانون الأول 1996 على تركيا بدفع 640 ألف دولار الى لويزيدو تعويضاً عن الممتلكات وأيضاً عن الاضرار النفسية التي سببتها المصادرة. وكانت تركيا غزت الجزيرة في 1974 واحتلت الثلث الشمالي منها. وادى ذلك الى لجوء نحو مئتي ألف قبرصي يوناني من تلك المنطقة. واذا انصاعت تركيا لحكم المحكمة سيفتح ذلك الطريق أمام عودة كل اللاجئين الى ديارهم. ويقدر ان العقوبة الجماعية على تركيا قد تصل الى 16 بليون دولار. ووجدت المحكمة الأوروبية في قرارها أن اجراءات تركيا حرمت السيدة لويزيدو من"كل امكانات الاستعمال والتمتع بممتلكاتها" في مدينة كيرينا في شمال الجزيرة. وركز القرار على "استمرار انتهاك" تركيا لحقوق لويزيدو. وأكد أن حكومة أنقرة هي "الطرف الوحيد المسؤول" عن شمال قبرص، في اشارة الى عدم الاعتراف الدولي ب"جمهورية شمال قبرص التركية" التي اعلنت في 1983. وكان مجلس الأمن اعتبر في القرار 541 أن الاعلان غير قانوني ودعا المجتمع الدولي الى عدم الاعتراف بأية دولة في الجزيرة عدا جمهورية قبرص. وادعت تركيا امام المحكمة ان السيدة لويزيدو فقدت ممتلكاتها في 1985 حسب المادة 150 من دستور "جمهورية شمال قبرص التركية" التي تنص على مصادرة الممتلكات التي هجرها اصحابها بعد 1975 - وهو وضع يشابه الى حد ما وضع الفلسطينيين. كما ادعت تركيا ان قوانينها لا تسرى على شمال قبرص، رغم وجود قوات تركية وعدد كبير من المستوطنين الأتراك في المنطقة. ولم تستجب تركيا حتى الآن لقرار المحكمة. ويرى كثيرون من المراقبين أن الخلاف يهدد ترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي وعضويتها للمجلس الأوروبي. ولاحظت البروفسورة أكرم ان اللاجئين الفلسطينيين لا يجدون حاليا جهة قضائية مباشرة للاستماع الى دعاوى الاستعادة أو التعويض ضد اسرائيل. ذلك ان المرجع القانوني المعتاد في هذه الحالات هو البلد الذي تقع فيه الممتلكات، أي اسرائيل. لكن البروفسورة أوضحت أن القانون الاسرائيلي في جوهره يمنع الفلسطينيين من اقامة دعاوى من هذا النوع. مع ذلك فقد اعتبرت ان هناك جهات قضائية من ثلاثة أنواع يمكن اللجوء اليها. النوع الأول هو الدولي، أي المحكمة الدولية في لاهاي، والثاني الاقليمي، أي المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان، والثالث جهة قضائية تقوم "تحت رعاية المواثيق الدولية أو حسب المعاهدات". وارتأت ان الجهة الأنسب في هذا المجال هي المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان. ورغم ان اسرائيل ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي أو المجلس الأوروبي فقد تم أوائل الشهر الجاري اقرار اتفاق تعاون بين اسرائيل والاتحاد الأوروبي. وسعت اسرائيل الى عقد الاتفاق منذ خمس سنوات، وامتنعت فرنسا وبلجيكا عن اقراره أثناء وجود بنيامين نتانياهو في السلطة. ومن بين ما ينص عليه الاتفاق عقد اجتماع سنوى على مستوى الوزراء للاشراف على التقدم. ورغم الافتقار الى الموارد عبّرت البروفسورة عن الثقة ب"احتمال كبير بالنجاح" لحملة في أوروبا تطالب الاتحاد الأوروبي بربط اتفاقاته التجارية مع اسرائيل بخضوعها لاحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان أو "اقرار قانون في اسرائيل يسمح للفلسطينيين برفع دعاوى الاستعادة والتعويض". الاتجاه الثاني الممكن للتحرك كما ذكرت البروفسورة أكرم هو متابعة قضايا جديدة مشابهة لتلك التي رفعتها لويزيدو يمكن ان يستفيد منها الفلسطينيون. وقالت ان هناك ثلاث قضايا من هذا النوع رفعها منفصلا ثلاثة أشخاص، بريطاني واسترالي وأميركي، كلهم من أصل قبرصي لاستراد ممتلكات لهم في شمال قبرص. واعتبرت أن القضايا تقدم "امتحاناً لمدى فاعلية السابقة التي شكلتها قضية لويزيدو"، وتسمح بدراسة امكان رفع دعاوى فلسطينية مشابهة الى المحكمة الأوروبية. واذا تقرر ذلك على عرائض الدعاوى ان تستند الى "ابحاث دقيقة وتتطلب فريقا من المحامين الأوروبيين من ذوي الخبرة في الترافع امام المحكمة الأوروبية". * صحافي عربي مقيم في واشنطن.