اذا كان المسار السوري الاسرائيلي "مات"، كما يصرّ بعض المراقبين الاسرائيليين، فسينتقل التركيز مرة اخرى الى المسار الفلسطيني الاسرائيلي، والانسحاب من لبنان، والدور الاميركي في هذا وذاك. أبرز اثنين من المعلقين الاسرائيليين، هيمي شاليف في "معاريف" وناحوم بارينا في "يديعوت احرونوت" كتبا هذا الاسبوع ان المسار السوري مات. غير ان هذا المسار أصبح مثل المتنبي ينعى ويموت، ثم ينتفض فيزول القبر والكفن. ربما قلنا اليوم، على طريقة مؤلفي روايات الخيال العلمي، ان جثة هذا المسار محفوظة في ثلاجة الى حين اكتشاف العلاج الذي يردها الى الحياة. اما الآن فالاهتمام منصب على المريض الفلسطيني في غرفة العناية الفائقة، وهو مريض الا ان لا خطر على حياته. وقف العمل على المسار السوري يعزز الموقف الفلسطيني في المفاوضات، فمن ناحية لم يعد المفاوض الفلسطيني تحت ضغط ان يترك الى النهاية، ومن ناحية اخرى لم يعد مضطراً الى الهرولة، او الى ان يبدو مهرولاً، او مستعداً لقبول اي حل يعرض عليه. ولعل الرئيس كلينتون كان يعني المسار الفلسطيني بقوله "حللنا كل شيء" بعد اجتماعه الماراثوني مع رئيس الوزراء ايهود باراك في البيت الأبيض، هذا اذا لم يكن يهذر أو يسخر تعليقاً على صعوبة المفاوضات. أبو عمار ودّع رئيس الوزراء الاسرائيلي، وهذا في طريقه من القاهرة الى واشنطن، بتهمة التطرف وانه "زعيم المستوطنين". غير ان هذا الكلام مجرد مزايدة سياسية، فباراك ليس يوسي ساريد أو يوسي بيلين، الا انه افضل كثيراً من بنيامين نتانياهو. وهو لمح فعلاً في الأيام الأخيرة الى مواقف جديدة يمكن ان تعتبر اساساً للمساومة. هو أشار الى انه يقبل دولة فلسطينية على 60 في المئة من الضفة الغربية ومعظم قطاع غزة، والى ترك القرى الفلسطينية حول القدس فهذا المفهوم من قوله انه لا يريد زيادة 50 ألف فلسطيني الى سكان القدس، وان يؤيد اتصال الأراضي الفلسطينية بعضاً ببعض لأنه لا يمكن ان يقوم كيان من 13 منطقة يتطلب الوصول من احداها الى الأخرى عبور نقاط تفتيش. المواقف الفلسطينية المقابلة معروفة، فأبو عمار على الرغم من شهرته في التنازل، لم يتراجع ابداً عن المسلمات الفلسطينية، من القدس العربية عاصمة لفلسطين، الى عودة اللاجئين او التعويض عليهم بحسب قرار الأممالمتحدة رقم 194، الى تفكيك المستوطنات، وانسحاب اسرائيل من الضفة الغربية الى حدود الرابع من حزيران يونيو 1967. باراك وأبو عمار يدركان في قرارة قلبيهما انهما لن يحصلا على ما يريدان، فالدولة الفلسطينية لن تقوم في 50 في المئة من أرض الضفة، وأبو عمار لن يحصل على مئة في المئة من هذه الأرض. وهو سيكون الرابح اذا حصل على 80 الى 90 في المئة من أرض الضفة، وسيكسب اكثر اذا قبل الاسرائيليون فكرة ان تكون القدس عاصمة مشتركة، حتى لو اصرّ الاسرائيليون على مبدأ السيادة الاسمية على المدينة المقدسة كلها. وعندما يطرح موضوع اللاجئين، فالارجح ان تساهم الولاياتالمتحدة في الحل، او تتبرع، كما انها مطالبة اليوم بتمويل الانسحاب الاسرائيلي من جنوبلبنان، وهو ما فعل باراك خلال لقائه مع الرئيس كلينتون في واشنطن. عندما كان المسار السوري الاسرائيلي "حيّاً" كان السؤال هل يستطيع باراك تأمين موافقة حكومته نفسها على اي اتفاق يعقده مع سورية، ثم هل يستطيع حشد تأييد كافٍ للاتفاق في استفتاء عام؟ واليوم السؤال هو هل يستطيع باراك "تمرير" اتفاق يعقده مع الفلسطينيين عبر المعارضة داخل حكومته وخارجها، ومن المستوطنين. باراك أشار الى انه مستعد للموافقة على انسحاب ثالث في حدود عشرة في المئة من الأراضي الفلسطينية، بدل واحد في المئة. غير ان مجلس المستوطنين، يؤيده بعض اعضاء الائتلاف الحكومي مثل حزب اسرائيل بعاليا والحزب الوطني الديني، يقول ان نتانياهو عرض واحد في المئة فقط، فأيده الاميركيون. والمستوطنون وزعوا ما زعموا انه محضر اجتماع كلينتون ونتانياهو في واي، وفيه حديث عن واحد في المئة فقط. المستوطنون طلعوا بلاءات تذكرنا باللاءات العربية القديمة، فهي ايضاً ثلاثة، فهم يقولون لا للانسحاب من القرى العربية حول القدس مثل أبو ديس والعيزرية وعناتا، ولا لتفكيك المستوطنات، ولا للانسحاب من اكثر من واحد في المئة في المرحلة الثالثة. اذا نجحت لاءات المستوطنين، فهناك "لا" رابعة هي لا للسلام، غير ان الاميركيين، وقد فشلوا في تحريك المسار السوري الاسرائيلي، الى درجة ان اصبح هناك شعور بأنه مات في غرفة العمليات، باتوا أكثر اصراراً على ايصال الفلسطينيين والاسرائيليين الى تسوية ضمن المواعيد المطروحة، من اتفاق الاطار الشهر المقبل، والرئيس كلينتون يأمل ان يجمع ابو عمار وباراك معه في واشنطن في اواسط أيار مايو، الى اعلان الدولة في 13 ايلول سبتمبر بموافقة صريحة او ضمنية من اسرائيل وحليفتها الولاياتالمتحدة.