ثلاثة أيام أخرى وينهي مهرجان «آرتيسينما» في بيروت نشاطات دورته السادسة. والحقيقة أن برنامج هذا المهرجان السينمائي الغني والطموح عرف كيف يترك لأيامه الأخيرة بعض اجمل عروضه وفعالياته. فهو بعدما قدّم لجمهوره في أيامه الأولى أفلاماً من الصعب القول إن ثمة في لبنان فرصاً حقيقية أخرى لمشاهدتها، من «الشجرة» لجولي برتوتشيللي، إلى «كوباكابانا» وغيرهما، هاهو يستكمل العروض متيحاً بفضلها للمتفرج أن يشعر وكأنه يخوض جزءاً من مغامرة العروض المستقلة في مهرجان «كان» الذي سبق له أن عرض معظم هذه الأفلام. بالنسبة إلى العروض والفعاليات المتبقية حتى الأحد المقبل، لا شك في ان فيلم الاختتام سيكون المكافأة الكبرى للجمهور. فالمهرجان يبدو موفقاً في عرض الفيلم الثاني للثنائي الفرنسي/الإيراني المؤلف من مرجان ساترابي وفنسان بارانو... وكان هذان حققا شهرة ونجاحاً (وسجالاً حاداً على خلفية غضب السلطات الرسمية الإيرانية من فيلمهما الأول الذي حقق بالرسوم المتحركة اقتباساً من كتاب ساترابي «برسبوليس» وهو غضب وصل يومها إلى لبنان مانعاً عرض الفيلم لتكون النتيجة انتشار عشرات ألوف النسخ من أسطواناته المدمّجة لدى الهواة وغيرهم). فيلم الثنائي الجديد لن يثير غضباً كثيراً هذه المرة حتى ولو كان بدوره ايرانيّ الموضوع، ذلك أن الفيلم - وعنوانه «دجاج بالخوخ» - يحكي هذه المرة حكاية إيرانية تعود إلى سنوات الخمسين من القرن العشرين، أي قبل ثورة الملالي، عن واحد من اشهر موسيقيي زمنه، ناصر علي خان، الذي فقد الرغبة في العزف والعيش والعمل بعدما كسرت كمانه فانروى في سريره ينتظر الموت مستعيداً ذكرياته بكل ما فيها من أفراح وأحزان، نجاحات وإخفاقات وصولاً إلى كشفه لنفسه عن قصة حب مدهشة عبرها في حياته. هذه المرة لم تحقق ساترابي وشريكها فيلمهما بالرسوم المتحركة، بل بواسطة ممثلين عالميين من أبرزهم: كيارا ماستروياني وماثيو امالريك وماريا دي مديروس بالإضافة إلى الهزلي المغربي جمال دبوز. وقبل فيلم ساترابي/بارانو الذي يعرض في بيروت الأحد المقبل، قبل شهر من بدء عروضه العالمية، سيتاح للجمهور البيروتي أيضاً فرصة نادرة لمشاهدة آخر فيلم تمكن المخرج الشيلي الأصل والذي كان يعيش بين فرنسا والبرتغال، راؤول رويث، من إنجازه وعرضه قبل رحيله بفترة من الزمن وهو «أسرار لسبونة»، الذي اعتبره النقاد واحداً من افضل الأفلام الأوروبية التي عرضت في السنوات الأخيرة، كما اعتبروه واحداً من اكثر أفلام رويث جماهيرية ومقدرة على الوصول إلى جمهور عريض بعدما كانت كلّ الأفلام التي حققها هذا المبدع بين فرنسا والبرتغال طوال اكثر من ثلث قرن - تلت نفيه الطوعي من وطنه الشيلي إثر انقلاب بينوشيت الفاشي ضد حكم الاشتراكي الليندي الذي كان رويث من مؤيديه -، أفلاماً نخبوية وصعبة موضوعات ولغة سينمائية. والجدير بالذكر أن عرض فيلم رويث الأخير هذا سيأتي في العروض البيروتية ضمن إطار تكريم خاص لذكرى مبدع سينمائي حقيقيّ لم يسبق، لحدّ علمنا، أن عرض ايّ من أفلامه عرضاً تجارياً في بيروت أو في غيرها من العواصم العربية.