فلاديمير بوتين يقوم بدور البطولة في مسرحية الانتخابات الرئاسية ويتولى الدور الثانوي الزعيم الشيوعي غينادي زيوغانوف، فيما سيغدو تسعة مرشحين آخرين مجرد "كومبارس". وقد حدد يوم العرض وهو 26 آذار مارس ولكن لم يتقرر بعد ما إذا ستكون المسرحية من فصل واحد في حال فوز بوتين في الجولة الأولى أو من فصلين الأرجح ان ينافسه في الجولة الثانية زيوغانوف ولكن من دون أي حظ فعلي في الفوز. فكل أدوات السلطة وخزائن المال ووسائل الاعلام تحت تصرف صاحب الكرملين الحالي. ورغم تأكيد بوتين على ان الانتخابات "لا صلة لها" بالحرب الشيشانية، إلا ان أحداً لا ينكر ان شعبية عقيد المخابرات السابق الذي لم يكن معروفاً الا لدى الخاصة ارتفعت من الصفر تقريباً الى 62 - 64 في المئة منذ ان تولى ادارة العمليات العسكرية نيابة عن بوريس يلتسن رئيس الدولة آنذاك والذي آثر ان ينزوي في بيته الريفي ثم تنازل رسمياً لصالح بوتين في 31 كانون الأول ديسمبر الماضي. وكان ذلك الموقف الميلودرامي مجرد مشهد سريع في عملية نقل السلطة وتغيير اسلوب الحكم. فالحملة القوقازية بدأت قبل ثلاثة اشهر من تنازل يلتسن لتصبح مؤشراً الى ماهية العهد الجديد. وأراد بوتين ان يضرب في الشيشان ضربة ترتعد لها الفرائص في كل روسيا وتغدو ايذاناً بانتهاء ما سماه "زمن تخلخل آليات الحكم". وحصل الكرملين على ذرائع قوية أهمها مهاجمة قادة ميدانيين شيشانيين أراضي جمهورية داغستان المجاورة ومحاولتهم قلب نظام الحكم فيها. واذا كانت هذه الحقيقة لا تدحض فإن هناك تساؤلات كثيرة عن صحة الاتهامات التي وجهت الى "شيشانيين" بتفجير عمارات سكنية في موسكو وبويناكسك وفولغودونسك. وعلى أي حال فقد استثمرت موسكو الحجج، الواقعية والمفتعلة، لتجهيز الحملة القوقازية الثانية وأدارها بوتين والجنرالات في صورة تختلف عن الحرب الأولى. فقد استخدمت بكثافة عالية الطائرات والراجمات والمدفعية لضرب المدن والمواقع الشيشانية في اطار ما سماه وزير الدفاع ايغور سيرغييف ب"معارك من دون تماس مع الخصم". وأدى ذلك الى تقليص الخسائر بين القوات الفيديرالية رغم الأكلاف الباهظة لهذا الاسلوب على الشيشان والشيشانيين. وخلافاً لما حصل قبل خمس سنوات فإن الحرب الحالية اندلعت على خلفية مساندة شعبية واسعة داخل روسيا، واعتبرها الرأي العام تعبيراً عن عودة السلطة القوية الى الحكم. وباستثناء احتجاجات "شكلية" صرفة لم يتخذ الغرب أي خطوات فعلية للضغط على روسيا وحملها على وقف القتال والشروع في مفاوضات. بل ان زيارات وزراء خارجية الولاياتالمتحدة وفرنسا والمانيا وايطاليا وأخيراً بريطانيا الى موسكو أظهرت ان الغرب سلم بأن بوتين سيحكم روسيا لمدة طويلة قد تستمر 11 سنة، اذ ان الكرملين أعلن منذ الآن انه سيقترح تعديلاً دستورياً يجعل الولاية سبع سنوات بدلاً من أربع، وبما ان القانون الاساسي يسمح بانتخاب رئيس الدولة لفترتين، فإن عهد بوتين قد يمتد حتى عام 2011. ويرسم الإعلام الرسمي صورة بوتين بوصفه قائداً متواضعاً وقوياً، ليبرالياً في الاقتصاد ومحافظاً فيما يخص الأخلاق والتقاليد الروسية، منفتحاً على العالم دون استخذاء. الا ان المرشح الأقوى للرئاسة أخذ صفات كبار منافسيه وصنع منها "خلطة" يريد ان تؤمن له الفوز بأغلبية ساحقة يمكن اعتبارها تفويضاً شعبياً لإجراء تغييرات جذرية. وخلافاً ليلتسن، فإن بوتين انتبه الى دور القوات المسلحة واخذ يتحدث عن الجنرالات بوصفهم "أبطالاً قوميين" وتغاضى عن الكثير مما ارتكبوه أثناء الحرب الشيشانية. ولئن كان ذلك مصدر قوة لبوتين الآن فإنه يمكن ان يصبح خطراً على سلطته حينما تنتهي الحرب الشيشانية ويطالب المنتصرون بالاستحقاقات وبدور سياسي. وفي رسالته الى الناخبين عرض بوتين أفكاره عبر شعارات بعضها بسيط الى حد السذاجة مثل "العمل النزيه أبسط من السرقة" والبعض الآخر حمّال أوجه، فهو يقول ان "الديموقراطية هي ديكتاتورية القانون" من دون الإشارة الى ان الديموقراطية مجرد اسلوب وليست نظام حكم. ويقدم أطروحة خطيرة مثل "كلما زادت قوة الدولة زادت حرية الفرد". وربما كان بوتين متأثراً بماضي بلاده حيث طرحت شعارات مماثلة في الثلاثينات، اذ ان مستشاريه اقتبسوا له من تجربة المانيا التي عاش فيها سنوات طوالاً كواحد من مسؤولي محطة المخابرات السوفياتية في درسدن. وأثارت احتمالات قيام حكم فردي مخاوف لدى الليبراليين الذين بدأ بعضهم يتحدث عن "ديكتاتورية" يتمخض عنها تحالف غير معلن بين بوتين والشيوعيين. وان كانت روسيا مقبلة على نظام توتاليتاري جديد فإن مصدر الخطر هذه المرة من اليمين وليس من اليسار. اذ ان مرحلة اقتسام الملكية انتهت وانتفت بذلك الحاجة الى "الانفتاح" والديموقراطية، وبدأت تحل مرحلة حماية الملكية من "تطاولات" محتملة. وليس واضحاً اذا كان بوتين سيقبل ان يكون قبضة حديدية تحركها "العائلة" التي كانت في عهد يلتسن تملك المال والقرار معاً. ولكن لوحظ ان برنامجه الانتخابي خلا تقريباً من أي اشارة الى مكافحة الفساد والرشوة. وفي اجتماع مع زهاء 500 شخص سيمثلونه في الحملة الانتخابية سئل بوتين عما اذا كان ينوي شن حرب على المرتشين فقال: "سنطخهم" بعد ان يتم تحديد اسلوب "الطخ" ومكانه. وبذا كرر القائم بأعمال رئيس الدولة عبارة كان قالها عن القادة الميدانيين الشيشانيين عندما اكد انه ينوي ان "يطخهم ولو كانوا في المراحيض". وهذا الخطاب الذي يحاكي لغة الشارع قد يكون "زلة لسان" مقصودة للتقرب من العامة، الا انه يمكن ان يكون تجسيداً لطبع الرئيس الذي سيحكم روسيا في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.