كشف الجنرال محمد عطايلية المفتش العام للجيش الوطني الشعبي سابقاً، وقائد الناحية الاولى، والمقرب للرئيسين الراحل هواري بومدين والشاذلي بن جديد، ان انشاء "الحركة الوطنية للتواصل والتنمية" يهدف الى تبني برنامج الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ولكنه ليس حزباً تابعاً له. وقال ان اتصالات مع المسلحين حققت بعض النتائج، فالشيخ علي بن حجر استجاب للهدنة بفضل وساطته وان المجهودات لا تزال متواصلة مع مجموعة حسن حطاب، واضاف انه لا يستطيع، في هذا السياق القيام بأية مبادرة تخالف قناعات الرئيس، باعتبار انه الضمان الوحيد لهؤلاء المسلحين لتسليم انفسهم. ودعا الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الى اصدار عفو شامل وعادل عن بقية الجماعات الاسلامية المسلحة لطي الملف الامني نهائياً، على ان يشمل العفو سجناء الرأي، معتبراً العفو الذي شمل جيش الانقاذ ناقصاً. واوضح "ان الخطر لا يزال يهدد الجزائر". كما انتقد جبهة التحرير الوطني وشكك في شرعية قيادتها الحالية معتبراً ان المؤتمر الاخير لم ينتخب هذه القيادة ووصف "المؤامرة العلمية" على الامين العام السابق عبدالحميد مهري ب"الانقلاب غير الشرعي". اما بالنسبة لموقفه من الشيخ علي بن الحاج فيرى انه لا بد من اصداره "بيان هدنة" حتى يسمح له بالعفو، واعتبره السبيل الوحيد لمغادرته السجن. وللمرة الأولى يكشف ل"الحياة" ان احد اسرار الخلافات ما بين "ضباط فرنسا" و"ضباط التحرير" انفجرت في مؤتمر جبهة التحرير لعام 1964، واعترف ان سبب استقالته من الجيش هو تعيين الجنرال خالد نزار على رأس وزارة الدفاع الوطني، وحمل الشاذلي بن جديد مسؤولية تدهور الوضع في الجزائر، كما حمّلها لمن اوقفوا المسار الانتخابي بعد استقالته، معتقداً ان توقيف المسار الانتخابي في 11 كانون الثاني يناير 1992 لم يضع حداً للازمة وانما كان رأسها. لماذا انشأ الجنرال محمد عطايلية الحركة الوطنية للتواصل والتنمية؟ - قبل ان ننشئ هذه الحركة كانت لنا نشاطات لدعم ترشيح عبدالعزيز بوتفليقة، وعندما وصلنا الى هدفنا المنشود وهو فوزه برئاسيات 15 نيسان ابريل 1998، طرحت لجان المساندة للرئيس سؤالاً: وماذا بعد تحقيق الفوز؟ وما هو مصير الذين عملوا في اطار هذه اللجان الشعبية؟ وبعد مشاورات قررنا البقاء في تكتل للدفاع عن برنامج رئيس الجمهورية الذي ساندناه اثناء الحملة الانتخابية وكنا مخيّرين بين انشاء حزب او حركة، وتم الاتفاق على انشاء حركة. هل كان اعتماد الحركة على اساس قانون الجمعيات غير السياسية ام قانون الاحزاب؟ - على اساس جمعية وطنية وليست حزباً. ولكن قانون الجمعيات يمنع تحزب اعضائها وانتم تحملون شعار "الحركة الوطنية للتواصل والتنمية" وفق برنامج رئيس الجمهورية؟ - لسنا حزباً فعندما تأسسنا في 4 تموز يوليو 1999 كنا ضمن حركة تبنت برنامج الرئيس وما زلنا كذلك. هل هو التحضير لانشاء حزب للدخول في الانتخابات القادمة ام مواصلة المساندة فقط؟ - لم نكن نتوقع حجم المنخرطين في الحركة، ولهذا بمجرد ظهورنا وجدنا الاقبال عليها يزداد بشكل كبير، في جميع مدن الجزائر وحتى في القرى والارياف وهذا التجنيد قد يسمح بالترشيح في الانتخابات القادمة سواء الاشتراعية او المحلية. نلاحظ ان لديكم اكثر من 2500 جمعية، فهل تريدون الوصول الى السلطة عبر المجتمع المدني؟ - من الطبيعي ان يكون الهدف من التجنيد هو المنافسة النزيهة من اجل الوصول الى السلطة. المعروف عن الجنرال عطايلية انه قام باتصالات مع المسلحين بدأت بإقناع علي بن حجر امير كتيبة الدعوة والجهاد، كما ورد في تقرير بعث به هذا الاخير الى الشيخ عباسي مدني، وهو يواصل الاتصالات حالياً مع جماعات اسلامية مسلحة اخرى، فأين وصلت هذه الاتصالات؟ - المبادرة التي كانت مع الشيخ علي بن حجر استهدفت اقناعه بوضع السلاح واعلانه الهدنة، وذلك من اجل الجزائر لانه من دون هدنة لا يمكن للجزائر ان تخرج من الازمة، واذا لم توفر المجهودات لاطفاء النار فانه يصعب التحكم في الوضع الامني اليوم وغداً. واول شيء يجب ان تفكر فيه السلطة والمواطن على جميع المستويات هو التجنيد من اجل هدنة شاملة تمكننا من استرجاع الامن واعادة البناء الوطني. اذا كانت الهدنة قد نجحت مع الشيخ علي بن حجر فإننا لم نلمس نتائج الاتصالات التي تجرونها مع المجموعات المسلحة الاخرى مثل مجموعة حسن حطاب؟ - لا استطيع ان اقول لك ان الاتصالات لم تحقق شيئاً، ولا استطيع ان اؤكد انها نجحت، فالمجهودات لا تزال متواصلة. يفهم من هذا ان الاتصالات مع حطاب حققت بعض التقدم؟ - ما استطيع قوله، وتأكيده هو مواصلة الاجتهاد لتحقيق الهدنة والعفو الشامل والعادل ليضع جميع المسلحين اسلحتهم من اجل الجزائر ويطوى الملف الامني نهائياً. باعتباركم مفتشاً عاماً للجيش وقائداً عسكرياً للناحية الاولى، فما تقييمكم لوضعية المسلحين اليوم في الجبال؟ - أصرّ على ان المسألة ليست قضية تقديرات او تقييم لوضعية من بقوا في الجبال، وانما المسألة تتعلق بكيفية الوصول الى هدنة شاملة، ولا اعتقد ان الارقام مهمة في مثل هذه القضايا والمواقف فقد قلت في خطاب بالبليدة، بأنه يجب على الرئيس اتخاذ قرار العفو وهذا الكلام لم يقله سياسي واحد، وانا اؤكد عليه لانه لا خيار لنا الا هذا الطريق. اذا قمنا بهذا الامر فاعتقد اننا سنصل الى 90 في المئة إن لم يكن 100 في المئة. هل كنتم تتحدثون في اتصالاتكم باسم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة؟ - لا استطيع القيام بأية مبادرة تخالف قناعات الرئيس ومواقفه واجتهاداته، وما دمت قدمت نفسي للاتصال بقيادات هذه الجماعات، فإن الضمانات التي اقدمها هي انني اعمل من اجل استقطاب الامن الذي يعمل من اجله الرئيس. واذا لم يكن الرئيس ضامناً لعودة المسلحين، فكيف يضمنون حياتهم في حال تسليم أسلحتهم أو أنفسهم؟ فالرئيس في جميع الحالات هو الضمان الوحيد لأية هدنة. وكل الموجودين في الجبال سواء جماعة حطاب او غيره يحتاجون الى ضمانات لا يوفرها الا الرئيس ولا اعتقد انه باستطاعة مسلح ان يقدم نفسه للموت دون ضمانات ملموسة وواقعية تسمح له بالاندماج داخل المجتمع، ولهذا الححت على ضرورة ان يصدر الرئيس عفواً شاملاً وعادلاً عن جميع المسلحين بما فيهم المسجونين. هناك من يطلق على حركتهم اسم "حزب الرئيس" فماذا تقولون؟ - لسنا حزب الرئيس رغم تبنينا لبرنامجه، واعتقد ان الاحزاب الممثلة في حكومة احمد بن بيتور تدافع هي الأخرى عن برنامج الرئيس وليس عن برنامجها، فهل نسميها مجازاً حزب الرئيس. الجنرال عطايلية من قادة جبهة التحرير وكان عضواً في لجنتها المركزية ويحضر جميع مؤتمراتها: فكيف يتخلى اليوم عنها لينشئ حركة ربما تكون مناهضة لها؟ - اولاً حركتنا لن تكون ذات يوم مناهضة للمبادئ والثوابت التي قامت عليها جبهة التحرير الوطني، وهي اليوم لم تعد قادرة على القيام بواجبها، وعاجزة عن لعب الدور المنوط بها في المرحلة الراهنة، لقد حضرت مؤتمرها الاخير وما شاهدته جعلني اقتنع بضرورة الابتعاد عنها، ولم تكن في ذهني آنذاك فكرة انشاء الحركة. هل يعني ان الاطاحة بأمينها العام السابق عبدالحميد مهري في اطار ما يسمى ب"المؤامرة العلمية" هي التي دفعتك الى التخلي عن جبهة التحرير الوطني؟ - اعتقد ان هناك خلافاً كبيراً بين مرحلة عبدالحميد مهري ومرحلة بوعلام بن حمودة وما حدث في المؤتمر الاخير اكد لي عدم شرعية المؤتمر، لأن عملية انتخاب القيادة، لم تتم داخل المؤتمر، وانما عُينت بطريقة خاصة، ويكفي ان المؤتمر الاخير، لان جلسته رفعت قبل ان يزكى المؤتمرون من يمثلهم في القيادة، وهذه القيادة عيّنت نفسها بنفسها ولم يزكها احد. هل افهم من هذا ان الانقلاب على السيد عبدالحميد مهري غير شرعي؟ - بالنسبة لي شخصياً عملية غير شرعية، وحتى قيادتها الحالية غير شرعية، لانها غير مزكاة في المؤتمر. كأنك تؤكد ما يروج في داخل قيادة حزب جبهة التحرير الوطني، بأنكم تسعون للاطاحة بالقيادة الحالية في اطار "التشويش" عليها؟ - لا اعتقد انني اقوم ب"التشويش" على القيادة الحالية، وانما ما رأيته من مخالفات في القوانين يجعلني اتمسك بعدم شرعيتها، وانسحب دون ان اتحرك ضد قياداتها. تعتبر عائلات ضحايا الارهاب "العفو الشامل" الذي اصدره الرئيس بوتفليقة لصالح جماعة مدني مزراق غير شرعي، فماذا تقولون بصفتكم معنيين بالاتصالات مع بقية المسلحين لضمان العفو الشامل والعادل؟ - يظهر لي ان من يشككون في العفو مخطئون لأنه لا خيار لنا للخروج من الازمة الا العفو، فاذا لم يكن هناك عفو فماذا سيكون الأمر؟ اعتقد ان ال100 الف ضحية ستتضاعف، والافضل الوصول الى حل سلمي لتوقيف النزيف الدموي عن طريق العفو عوض مواصلة الحرب. ولست ضد من فقدوا افراداً من عائلاتهم خلال الازمة، او تضرروا من استمرارية العنف، وانما اقدّر فيهم ذلك، لأنني واحد من المتضررين من هذه الازمة بفقدان احد اقاربي، وأكرر انني واحد منهم، ولي ابن اختي قتل، ولا استطيع ان اكون ضد اختي، فالذي يموت نترحم عليه اما الاحياء فعلينا بضمان حياتهم… واعتبر تضييع الوقت في عدم حل الأزمة ربما يزيد في تعقيدها ومن يستطيع ان يستثمر في بلد يتقاتل فيه ابناؤه؟ واستبعد ان يغامر احد بحياته او بأمواله في الجزائر، في حال عدم توقف النزيف الدموي، وما دامت هناك ارادة شعبية تجسدت في الانتخابات حول مسعى الرئيس بوتفليقة فانه من الافضل العمل من اجل تحقيق تطلعات الشعب في الامن والاستقرار. بعد هدنة جماعة مدني مزراق وانتهاء فترة الوئام المدني هل نستطيع ان نقول ان الجزائر تجاوزت مرحلة الخطر؟ - لا اعتقد ذلك، فالخطر لا يزال، وهو يومي، والهدنة كانت مشلولة، لانها غير تامة، فقد شملت الجيش الاسلامي للانقاذ فقط، ولم تمس الجماعة الاسلامية المسلحةالجيا وما دامت لم تمسهم الهدنة يصعب ان يسلموا انفسهم. ولكن المساعي التي تقومون بها اليوم ربما تحقق هدنة اخرى تدعم الاولى؟ - على كل حال، اعتقد ان الهدنة يجب ان تكون شاملة على ان يكون العفو شاملاً وعادلاً كذلك. ألا ترى معي ان هناك تناقضاً في سلوك السلطة فهي تصدر عفواً شاملاً لصالح الجناح المسلح للانقاذ، ولا تجرؤ على اطلاق سراح قيادتها السياسية، فما هو مفهومك للعفو الشامل والعادل؟ - اعتقد ان مفهوم العفو الشامل العادل عندي هي ان يمس من يحمل السلاح ومن هو في السجن بسبب آرائه السياسية. ولماذا لم يرفع الرئيس الحظر عن الشيخ عباسي مدني، ويطلق سراح الشيخ علي بن حاج؟ - بالنسبة للشيخ علي بن حاج، فهو رافض للهدنة، ولم يقبلها، والمطلوب منه هو ان يتحمل مسؤوليته في الاعلان عن الهدنة، فهي السبيل الذي تجعله يحصل على حريته، ويغادر السجن مثل الجميع. من خلال تصريحات الرئيس يتبين انه في اتجاه اعادة الاعتبار ل"الحركة - الخونة" و"الاقدام السوداء - الفرنسيون من اصل جزائري" فما هو تعليقك على هذه التصريحات كمجاهد؟ - اذا كانت الحرب قد انتهت، فلا اظن انها تمس المشاعر، ويجب وضع حد للحرب، والمهم بالنسبة لي هو اقدام الجميع على احترام قوانين الدولة الجزائرية، ونحن نرحب بكل من يأتي للاستثمار. هل نستطيع ان نقول مرحباً للتطبيع مع اسرائيل؟ - اولاً، يجب الا نخلط الامور، فالموقف من اسرائيل شيء والموقف من الاقدام السوداء شيء آخر. فالموقف الرسمي من اسرائيل محسوم وهو ان التطبيع معها مرهون بشروط وهي قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وعودة ابناء الشتاة واسترجاع سورية لاراضيها، والخروج من جنوبلبنان، هذه هي الشروط التي وضعها الرئيس لقبول عملية التطبيع. بوتفليقة يقول ان الثورة لم يقم بها الشعب وانما قامت بها نخبة من المثقفين، فماذا تقول؟ - اولاً، لا يمكن لأحد ان يشكك في الثورة، فهي من صنع الرجال الذين يمثلون الشعب، وقد شاركت في الثورة، وجاهدت وعرفت قيادات الثورة، ولم اجد مثقفاً في الثورة بالمفهوم العلمي للثقافة. وجميع من كانوا في الثورة هم من صلب الطبقات الشعبية وليسوا من نخبتها، واما بالنسبة لرأي الرئيس بوتفليقة في الثورة فهو مسؤول عنه. الجنرال عطايلية عاصر جميع مراحل الحكم الجزائري وشارك في قيادته منذ 1962 لغاية استقالته من الجيش في عهد الشاذلي بن جديد، فهل هناك فرق بين جيش بن بلة وجيش الشاذلي بن جديد؟ - المؤسسة العسكرية يحكمها دستور، ولكنها كانت مشاركة في جميع مراحل الحكم، ولعبت ادواراً اختلفت من مرحلة لاخرى، كانت في مرحلة من المراحل تمارس السياسة ثم تخلت عنها، والتزمت بالدستور. مثلاً؟ - كنت اول من قدم استقالته من اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني باسم مجموعة من الضباط الى الرئيس الشاذلي بن جديد لقد قدم ضباط الجيش استقالتهم جماعياً من عضوية اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني، عندما اقتضى الامر ذلك، من اجل مصالحة البلاد، واقرار التعددية السياسية، وقدمت الاستقالة رفقة الامين العام لوزارة الدفاع والمحافظ السياسي، واعلن الجيش آنذاك تمسكه بالحفاظ على مهمته المنصوص عليها في الدستور، وهي وحدة البلاد، والتراب ولا علاقة له بالسياسة. ولماذا اقدمت، فيما بعد، على الاستقالة من منصبك كمفتش عام للجيش بعد الترقية المباشرة؟ - لان الظروف لم تكن مواتية لمواصلة عملي كمفتش عام للمؤسسة العسكرية، خاصة، بعد ان لاحظت وجود تجاوزات داخلها، وحاولت ان اتخطاها ولكن لم افلح في ذلك وما دمت لم انجح فلا خيار لي سوى الاستقالة او ادخال المؤسسة العسكرية في مشاكل لم تكن في حاجة اليها. وفضلت الاستقالة. الجنرال عطايلية شارك في الاطاحة بأول رئيس منتخب، وهو احمد بن بلة وذلك بدعم العقيد هواري بومدين ثم واصلت مع الشاذلي بن جديد، فهل لنا ان نعرف رأيكم الشخصي في احسن مرحلة من مراحل الحكم الجزائري؟ - احسن مرحلة بالنسبة لي شخصياً هي مرحلة هواري بومدين، لان العقيد بومدين كان رجلاً لا يتمنى الا الخير للشعب، ولم يكن له هم غير مصلحة الجزائر، واذا كانت الجزائر اليوم بخير، وفيها مفكرون وعلماء وسياسيون كبار، فذلك يعود الى المرحلة البومدينية التي وفرت العلم للجميع، وعندما نتحدث عن الكفاءات الجزائرية يجب ان نقارنها بالكفاءات العالمية، فهي كفاءات جديرة بأن تحمل اسم الجزائر، ففي جميع دول العالم هناك اطارات جزائرية تسهم بقدر كبير في مختلف مجالات الحياة، ولو قامت السلطات الجزائرية برعاية هذه الكفاءات لاعطت للبلاد دفعاً نحو الخروج من ازمتها نهائياً. يسمي بوتفليقة مرحلة الشاذلي بالعشرينية الضائعة وما دمت جزءاً في السلطة فما هو سر ضياعها؟ - يخيل لي ان المشاكل التي تتخبط فيها الجزائر اليوم سببها مرحلة الشاذلي بن جديد، وخاصة ما يتعلق بالوضع الامني، لانه كان رئيساً، وكان بامكانه توقيف تلك الظاهرة قبل استفحالها. اذا كنت تحملون الشاذلي بن جديد المسؤولية فلماذا لا تجرأون على محاكمته؟ - اعتقد ان القضية لا تهمني بقدر ما تهم القيادة الموجودة في السلطة، وشخصياً ابديت رأيي في الشاذلي بالاستقالة من الجيش احتجاجاً على ذلك، لقد قلت للرئيس الشاذلي آنذاك بأن الحركة الاسلامية وما تقوم به خطر على مستقبل البلاد، خصوصاً لما جمعت بين السياسة والمسجد الذي هو للعبادة، ولكن ما تأسفت له آنذاك ان حركة علي بن حاج وعباسي مدني قامت في المساجد، وقد نبهنا قيادة الحزب الى ذلك، لأن الحركة بدأت في تقسيم الجزائريين الى مسلم وغير مسلم، وفي تقديري ان الخطأ وقع في اعطاء الاعتماد للاحزاب الاسلامية، فالاسلام للجميع. سيدي الجنرال: الدين شيء والاسلام شيء آخر؟ - الاسلام سواء كدين او كحضارة هو لجميع الناس، ولا يحق ان تستغله مجموعة دون اخرى. ترفض احزاباً اسلامية وتقبل احزاباً لائكية؟ - اللائكية ظاهرة جديدة، وليست عقيدة دينية، والاسلام الذي يستغله البعض لقتل البعض الآخر، يجب ابعاده عن السياسة. موقفك من الحركة الاسلامية لا يختلف عن موقف الجنرال خالد نزار، فكلاهما عمل على دفع الرئيس الشاذلي بن جديد الى الاستقالة؟ - الرجاء عدم وضعي مع الجنرال خالد نزار في "كيس واحد"، فلكل موقفه. شخصياً ابلغت الشاذلي بن جديد بموقفي الواضح من موجة الصعود الاسلامي، وقلت له: "اذا قررت شخصياً التخلي عن الجيش فانك لن تبقى بعدي اكثر من سنة"، وهذا ما حدث، اذ بعد اقل من 8 اشهر رحل. هل توقيف المسار الانتخابي في 11 كانون الثاني يناير 1992 وضع حداً للأزمة الجزائرية، ام فتح الباب امامها؟ - اعتقد ان من عمل على توقيف المسار الانتخابي يتحمل وزر عمله، لأن العملية كانت رأس المشكل بالنسبة للأزمة الجزائرية، لو سمعوا رأيي آنذاك لتجنبوا الكارثة. فقد قلت لهم يجب ان تترك الجبهة الاسلامية للانقاذ تحكم، ما دامت للرئيس كل الصلاحيات الدستورية لاعادة الامور الى مجراها في حال انحراف في المسار، اذ من الصعب اصدار حكم في حق حزب لم يصل الى السلطة، والمثل عندنا يقول: "البعيد عن المعركة يعرف كيف يسيّرها"، ولو اعطيت الفرصة لهذا الحزب فانه سرعان ما يتخلى عنه الشعب، لأنه يحمل الكثير من الممارسات الخاطئة، والمشاكل التي اصابت البلديات في عهده اكبر من ان تحصى. ولكن المقربين من الرئيس الشاذلي بن جديد آنذاك لم يقدموا له معلومات حقيقية حول وضعية الحركة الاسلامية آنذاك، فكانوا يوهمونه بأن الجبهة الاسلامية للإنقاذ لا تشكل خطراً في أي مرحلة من المراحل، وقدروا نسبة فوزها ما بين 20 - 25 في المئة في جميع الحالات، بينما كانت وجهة نظري آنذاك العكس، وكنت اتوقع فوزها في الانتخابات بنسبة 100 في المئة، لأنها حزب استغل الاخطاء والوقت وكرس فكرة الانتقام من السلطة. اذن استقالتك من المؤسسة العسكرية كانت بسبب تجاوزات داخل المؤسسة وليس بسبب خلاف مع الرئيس؟ - سأعترف لك، للمرة الأولى في حياتي، عن سبب الاستقالة، وأرجو أن تكون قرأتها في إطارها وزمنها وتاريخها. أولاً: عندما قدمت استقالتي من الجيش لم أكن قائداً للناحية الأولى فحسب، بل كنت مفتشاً عاماً للمؤسسة العسكرية على جميع المستويات. ثانياً: أما كيفية تعييني مفتشاً عاماً، فقد جرت يوم ان استدعاني الرئيس الشاذلي بن جديد وكلفني بالمهمة، وقلت له يومئذ: "إن العملية تتطلب امكانيات، وأنا لا استطيع اتحمل المسؤولية من دون الصلاحيات التي تخوّل لي ذلك"، فقال لي: "إن ثقتي فيك تجعلني اعطيك المهمة، وعليك بالعمل مباشرة معي، وليس مع أية جهة أخرى"، وأكد لي أنه بوسعي اختيار الرجال الذين يساعدونني في أداء المهمة سواء في مجال القوات الجوية أو البحرية أو جيش المشاة، ليكونوا مفتشين تحت سلطتي، وطبعاً تحقق ما طلبته من الرئيس آنذاك. ولما كانت قيادة الأركان آنذاك تحت رئاسة الجنرال خالد نزار، فإنه هو الآخر يتعامل مباشرة مع الرئيس. وكان من الطبيعي أن تقع مشاكل بيننا، فنحن الاثنان نعمل مع الرئيس، ولكن الرئيس اختار في النهاية تعيين الجنرال خالد نزار وزيراً للدفاع، وبصفتي مفتشاً عاماً للجيش، فإنه يصبح عملي مع وزير الدفاع وليس رئيس الجمهورية. وكان موقفي من تعيين الجنرال خالد نزار هو الاستقالة من منصبي كمفتش عام للجيش، لأنني اختلفت معه، والانسحاب لم يكن خوفاً من أية جهة وإنما تفادياً للمواجهة داخل المؤسسة العسكرية، لأن مصلحة الجيش كانت بالنسبة لي أكبر من مصلحتي كجنرال. هل يعني ذلك ان ما يسمى ب"ضباط فرنسا" في الجيش انتصروا على ضباط جيش التحرير؟ وهل هناك فعلاً صراع بين التيارين داخل المؤسسة العسكرية؟ - لم ينتصر ما يسمى ب"ضباط فرنسا" على غيرهم، وإنما هو انتصار القيادات سواء في عهد الشاذلي أو بعده، لكن في عهد بومدين كانت الأطراف راضية بالوضعية، في حين بدأ التذمر في عهد الشاذلي بن جديد. ومن طرح المشكل بين ضباط فرنسا وضباط جيش التحرير؟ - طرحت المشكلة علنية في مؤتمر جبهة التحرير الوطني في عهد الرئيس الأسبق أحمد بن بلة عام 1964، وقد حمل المؤتمر آنذاك شعار "تطهير الجيش" وكنت حاضراً في المؤتمر، واذكر ان الكلمة عندما اعطيت لوزير الدفاع آنذاك، العقيد هواري بومدين، في حدود الساعة الثالثة فجراً، وكان بحوزته ملف ضخم، قام ليخطب في الحضور، فانفجرت القاعة بالأصوات والصراخ والضجيج، عندئذ قال: "لا أريد تصفيقاً، فالتصفيق مثل أمواج البحر، ترتمي حينما شاءت الريح". ثم أضاف: "انتم تطالبون بالتطهير، وأنا أطالب بالشاقور"، وتساءل ما المقصود بالتطهير إذا كانت العملية يراد منها الضباط الذين كانوا في صفوف الجيش الفرنسي والتحقوا بالثورة، فالإجابة عند الرئيس وأشار إلى أحمد بن بلة واشتهر بعبارته آنذاك "من يطهر من؟". لنعد إلى الجنرال خالد نزار... كيف تعاملت معه؟ - قبل أن يكون الجنرال خالد نزار وزيراً للدفاع، كانت المشكلة بيننا قد نشبت بسبب سلوك غير مهني، فعندما بعثت ببرقية إلى جميع القوات أبلغهم بأنني مقبل على عميلة تفتيش، وأطلب منهم تقديم تقارير لي حول الوضعية، واستلمت التقارير في جولتي عبر القطر الجزائري، بل ان بعض القوات سلمت لي تقاريرها قبل القيام بتفتيشها، وقمت برفع تقريري النهائي للرئيس الشاذلي بن جديد مع احالة نسخة منه إلى قائد الأركان العام للجيش الجنرال خالد نزار، لم يهضم الأمر، وبعد مدة بعثت بمفتشين للأسلحة، ففوجئ المفتشون ببرقية من قائد الأركان العام للجيش تمنعهم من القيام بمهامهم في حال عدم حضوري كمفتش عام. وعندما أبلغت بذلك طلبت منهم العودة إلى مكانهم فبدأت المشكلة بيننا، لأنه كان يصر على حضوري مع المفتشين ويرفض قبولهم، ورأيت الأمر مخالفاً للقانون، لأن المفتشين معينون بقرار من الرئيس ولا يحق له منعهم من ذلك باعتبار ان القرار من وزير الدفاع ورئيس الجمهورية، وهو أعلى من قيادة الأركان. في البداية، شكك في وجود قرار وقعه الرئيس الشاذلي بن جديد، وعندما اطلع أمينه العام على ذلك بدأ الخلاف يتوسع، واعتبرت سلوك الجنرال في منع من عينهم الرئيس بممارسة مهامهم بمثابة "انقلاب أبيض" على الرئيس الشاذلي بن جديد لأن تغيير قرار رئاسي بتعليمة ضباط هو الانقلاب بعينه. والمفاجأة هي ان الشاذلي بن جديد، على رغم هذه العملية، قام بتعيين الجنرال خالد نزار وزيراً للدفاع، وبالتالي كان لا بد لي من الاستقالة. وماذا كان رد فعل الجنرال خالد نزار؟ - اتصل بيّ وخيرني بين الذهاب إليه أو المجيء إليّ، فاخترت الذهاب إليه. فسألني كيف أرى الوضع، فتساءلت أي وضع تقصد؟ فقال: الوضع العسكري. فقلت له حرفياً: "بالنسبة لي انتهت المسائل العسكرية، فما دمت قد عينت وزيراً للدفاع فقد انسحبت"، وطلبت منه تسليمي تصريح المغادرة من الجيش، فأبلغني بأن الرئيس يوجد في وهران وأنه عندما يعود سيرى ماذا سيفعل، فقلت له: "أنت تعرف بأن لي مشكلاً معك، وكان بإمكانك اتخاذ القرارات اللازمة بمجرد تسلمك منصب الدفاع"، قال لي: "لقد أبلغت الرئيس بذلك فطلب مني أن أحل المشكل معك"، عندئذ الححت على ضرورة ان تسلم لي الموافقة على استقالتي حفاظاً على مصلحة الجيش، مؤكداً له ان بقائي في الجيش لا يسمح له بمواصلة مهامه كوزير للدفاع. وعندما ابلغ الشاذلي بموقفي النهائي، عاد الجنرال خالد نزار وناداني ليبلغني بموافقة الرئيس على الاستقالة، وطلب مني ما إذا كنت أريد موعداً مع الرئيس، فكان ردي: "لقد ارسلت بطلب إلى الرئيس لكنه لم يرد عليّ ولست بحاجة لمن يتوسط لي بذلك". وقال لي: "وماذا يكون موقفك لو طلب استقبالك؟" قلت بصفته رئيسي وأنا مواطن، سأكون تحت تصرفه في أي وقت يشاء. ولكن موقفي لن يتغير سواء استقبلني أم لم يستقبلني. واقترح عليّ الجنرال خالد نزار مغادرة الجيش عن طريق إقامة حفل حتى لا تعطى تأويلات لخلافاتنا داخل المؤسسة العسكرية، وقبلت ذلك، ومنذ ذلك الحين لم نتصل ببعضنا البعض حتى الآن، إلا في المناسبات. وما رأيك في كتاب خالد نزار؟ - المثل يقول "الناس معروفون بجدودهم وليس بجلودهم"، وكتاب خالد نزار هو للتعريف به، وأنا لست بحاجة للتعريف بي، فمواقفي معروفة وانجزاتي ملموسة وهي تكفيني. باعتباركم قائداً سابقاً للناحية الأولى، فما تفسيركم لظاهرة المجازر التي تشهدها هذه المنطقة؟ - الناحية الأولى كانت في الماضي هي الولاية الرابعة، وهي معروفة بوجود "جماعات باللونيس" التي كانت تتعامل مع العدو الفرنسي خلال الثورة. ولكن الماضي انتهى ويجب ألا نفتحه مرة أخرى. ولا شك ان هناك من ينتقمون من الماضي، وقد لمست حالات لهذا الانتقام عندما كنت على رأس الناحية الأولى ومنها حادثتان، احداهما تتعلق بشابين من الأسرة الثورية، والثاني ممن كانوا يتعاملون مع العدو، وقد قام هذا الأخير بقتل الأول انتقاماً لعائلته، واما الحالة الثانية فوقعت في سور الغزلان حيث اعترض مناضل جبهة التحرير الوطني على تعيين شخص كان يعمل مع العدو مسؤولاً واضطر هذا الشخص إلى استدعاء رفاقه من فرنسا، واختطفوا هذا المجاهد وعذبوه شهراً كاملاً ثم قتلوه وعلقوه في شجرة وقد فتحت تحقيقاً حول ذلك وتوصلت إلى الحقيقة الكاملة آنذاك.